قضايا وآراء

حكموا على أنفسهم بالموت وهم أحياء!

عدنان حميدان
1300x600
1300x600

ما الفرق بين جدي أو جدك؛ وبين سيكورو مانابي الياباني الذي جاوز التسعين ومع ذلك فاز بجائزة نوبل للفيزياء لعام 2021 هو وشريكه الألماني البالغ من العمر 89 عاما؟! فبلوغه التسعين لم يمنعه من مواصلة البحث والدراسة في تخصص دقيق مثل الفيزياء.

حتى لو فرضت له جامعته راتبا تقاعديا، يرفض الجلوس في بيته ويستمر في القيام بأبحاثه الأكاديمية وتجاربه العلمية.

ولا شك في أن مجتمعاتنا زاخرة بنماذج مشرقة لكبار سن تابعوا تعليمهم وقدموا إنجازات رغم تقدم عمرهم. وهذا هو الشيخ يوسف القرضاوي الذي قدم عددا من المؤلفات بعد عامه التسعين، وعلى خطاه سار كثيرون، ولكن بعضنا يصر أن يكون خلاف ذلك، ويدفن نفسه وهو حي، والجاني في كثير من الأحيان هو علاقاتنا الاجتماعية وترابطنا العائلي!

فرغم كل ما تتمتع به علاقاتنا الاجتماعية وصلات الأرحام في بلادنا وثقافتنا وتربيتنا من جمال ودفء وحب، إلا أن لها سلبيات جمّة ومنها:

- اتكالية من يتقدم به العمر على غيره، رغم عدم حاجته في كثير من الأحيان، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد جاوز الستين - وهو النبي الكريم وقائد الأمة - ويرفض أن يحمل أحد متاعه عنه ويقول: "صاحب الحاجة أولى بحملها". ولا شك أن العاجز مستثنى.

- رغبة البعض بالتقاعد المبكر والجلوس الطويل والسير البطيء، وكأنّ هذه ضرورات لا بد منها لنيل التقدير وممارسة دور الجد أو كبير العائلة. أعرف من تقاعد من عمله في سن الخامسة والأربعين وهو غير محتاج لذلك، وتجده بعد عامين أو ثلاثة من تقاعده وكأنه كهل جاوز السبعين.

- إهمال التريض (الرياضة) والاستسلام لفكرة الإصابة بأمراض مزمنة حتى قبل وقوعها، ما يجعل طريقة حياة وطعام وحركة الشخص الذي بدأ يتقدم في العمر مهيأة للمرض المزمن بل ومنتظرة له بفارغ الصبر.

- التوقف عن التفكير بفعل شيء جديد في حياته (غير الزواج) والاكتفاء بعبارة: أنا عملت "اللي عليّ"، هكذا يقرر إنهاء حياته وتوقف عمره وكأنه مات وهو حي!

مهما كان عمرك تذكّر أن الشباب حالة وليس مرحلة، فلا تقتل نفسك وأنت حي، وتستسلم لمساعدة الآخرين وأنت قادر، وإن كنت تقصد تعليم أبنائك معاني البر فهناك أشكال أخرى يمكن التعبير بها عنه غير إعانة القادر أو حمل القوي، ومنها:

- بر الوالدين بالصدقة عنهما والدعاء لهما.

- بمرافقتهما في المناسبات التي يرغبان بها.

- بتخصيص الوقت الكافي للاستماع لهما والحوار معهما.

- بالاستماع بآذان صاغية لنصائحهما وتوجيهاتهما.

- بخفض الصوت أثناء الحديث معهما والانتباه للغة الجسد، وتجنب كل ما يمكن أن يجرحهما.

- نعم لحمل الحاجة عنهما أثناء السير معهما ولكن مع تشجيعهما على الحركة والنشاط.

المدرسة علمتنا أن العضو الذي يهمل يضمر مع الإهمال، والعضو الذي يستعمل ينمو مع الاستعمال، وعليه فآلة جسد جسم الإنسان تحتاج حركة ونشاطا على الدوام، ونحن نظلم آباءنا وأمهاتنا إن أقعدناهم وهم أصحاء وأمتناهم حركيا وهم أحياء.

 

التعليقات (1)
المهندس/ أحمد نورين دينق
السبت، 09-10-2021 01:46 م
مشكاة تفاؤل:يقول الشاعر إيليا أبو ماضي :كن بلسما إن صار دهرك أرقما..و حلاوة إن صار غيرك علقما, إن الحياة هبتك كل كنوزها .. لا تبخلن على الحياة ببعض ما, من ذا يكافيء زهرة فواحة .. أو من يثيب البلبل المترنما, عد الكرأم المحسنين و قسهم ..بهما تجد هذين منهما أكرما , يا صاح خذ علم المحبة عنهما..إني وجدت الحب علما قيما , إحبب فيغدو الكوخ كوخا نيرا..و إبغض فيمسي الكون سجنا مظلما, إن لم يكن في الأرض الأ مبغض .. لتبرمت بوجوده و تبرما , لا تطلبن محبة من جاهل..فالمرء ليس يحب حتى يفهما , و إلهي بورد الروض عن أشواكه.. و أنس العقارب إن رأيت الأنجما . لقد نظر الكاتب عدنان حميدان الى ناحية عمر من فازوا بالجائزة بينما إنشغل بقية الخلق بالإنجاز الأكاديمي المبهر..فالمبدع الحقيقي هو ذاك الذي يلفت الناس لتفاصيل غاية في الأهمية غفلوا عنها..لكل منا دوره في الحياة..لكن الذي يتحكم في حجم هذا الدور فيكبر عند البعض و يصغر عند آخرين هو صفة علو الهمة..فالمجتهد عبرة للعاطل و العكس صحيح .. فعلو الهمة سبب الدافعية التي فرضت على هذين العالمين مواصلة الجهد العلمي حتى آخر مشوار العمر دون كلل أو ملل .