مقالات مختارة

السخط الشعبي على الديمقراطية… حالة تونس

عمرو حمزاوي
1300x600
1300x600

في 25 يوليو/تموز الماضي، استدعى الرئيس التونسي قيس سعيد المادة80 من الدستور لتمرير تجميد عمل البرلمان وحل الحكومة وانتزاع سلطات المدعي العام الأول في مرفق النيابة العامة. برر سعيد إجراءاته بحالة «الخطر الداهم» التي تمر بها البلاد وجائحة كورونا تعصف بها وسوء الأداء يضرب المرافق الحكومية والاحتجاجات الشعبية والإضرابات الفئوية تتصاعد. وعلى الرغم من إجراءات الرئيس التونسي تعرض تجربة الانتقال الديمقراطي التي بدأت في 2011 لأزمة جديدة وتهدد بالعودة إلى حكم الرجل القوي، إلا أن ثمة أزمات أعمق تحيط بالمجتمع والدولة والسياسة في تونس وتضع الانتقال الديمقراطي في مواجهة تحديات أخطر بكثير.


أعلن سعيد إجراءاته وأغلق مقر البرلمان وشرع في إقالة الوزراء والسفراء وسط ترحيب صريح من قبل مواطنات ومواطنين لا ينكرون سخطهم على السياسيين والأحزاب والبرلمان المنتخب والمؤسسات الحكومية غير الفاعلة. كانت زيارتي الأخيرة لتونس في 2019 لمراقبة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جاءت بسعيد إلى قصر قرطاج وبحركة النهضة الإسلامية كالكتلة الأكبر في البرلمان. قضيت بين العاصمة وبين شمال غرب البلاد (جندوبة) ما يقرب من أسبوع لم تتوقف خلاله شكوى جميع من التقيت، وعلى تباين مستوياتهم التعليمية ومجالاتهم المهنية وأحوالهم المالية، من التدهور البالغ للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية كما لم ينقطع أيضا تعبير الناس عن الغضب من الأحزاب غير المسؤولة والسياسيين الفاسدين اللاهثين وراء الإثراء والكسب غير المشروع. وعلى الرغم من أغلبية الناخبات والناخبين (فوق ال50 بالمائة) شاركت في الاقتراع لاختيار رئيس وبرلمان ودللت بذلك على التزامها بالعملية الديمقراطية، غير أن مناسيب السخط الشعبي على السياسة والسياسيين من كافة الأطياف الإيديولوجية كانت مدعاة للقلق.


ووثقت استطلاعات الرأي العام التي أجرتها في تونس مؤسسة «البارومتر العربي» (تديرها جامعة برينتسون الأمريكية وفرق من المتخصصين في البلدان العربية https://www.arabbarometer.org/) وضعية السخط الشعبي تلك بوضوح. ففي تقرير عن اتجاهات الرأي العام نشر في 2019، سجل أكثر من 93 بالمائة غضبهم الشديد من سوء الأوضاع الاقتصادية وفقدانهم للأمل فيما خص احتمالات التعافي المستقبلي. وسجلت ذات معدلات الغضب الشعبي في 2020، وترافقت مع ارتفاع نسب الفقر والبطالة لتصل إلى 15 بالمائة و17 بالمائة على التوالي. وثقت استطلاعات البارومتر العربي أيضا شيوع التقييم السلبي لعمل المؤسسات الحكومية والهيئات المنتخبة، خاصة البرلمان. اتهم أكثر من 90 بالمائة الحكومة بالفساد إما «إلى حد كبير» أو «إلى حد متوسط» وانهارت ثقة السكان الذين تجاوز تعدداهم 11 مليون في المؤسسات الحكومية من 62 بالمائة في 2011 إلى أقل من 20 بالمائة في 2019. أما البرلمان، فلم يشعر بالثقة تجاهه في 2019 سوى14 بالمائة من السكان في مقابل 31 بالمائة في 2011.

 

سياسيا، أصاب السخط الشعبي على السياسة والسياسيين حركة النهضة الإسلامية على نحو أشد من الأحزاب والحركات الأخرى. فقد صارت حركة النهضة، وهي تشكل بحوالي 20 بالمائة من مقاعد البرلمان الكتلة الأكبر ولم ترغب سوى أن تضطلع بدور قيادي في تشكيل الحكومات المتعاقبة خلال السنوات الماضية، محاصرة باتهامات سوء إدارة البرلمان وضعف أداء الحكومة وشبهات فساد منتسبيها على المستويين الوطني والمحلي. قبل إجراء سعيد بتجميده، كان البرلمان قد تحول إلى ساحة للاستقطاب والشد والجذب الإيديولوجي وليس للعمل التشريعي والرقابي المسؤول. قبل إجراء سعيد عزلها، كانت الحكومة ومرافق الدولة تتهاوى على وقع الاحتجاجات الشعبية والإضرابات الفئوية التي أججها عصف جائحة كورونا بالبلاد. قبل أن يمكن سعيد برفع الحصانة عن نواب البرلمان السلطات القضائية من الشروع في التحقيق في شبهات فساد بعضهم، كانت منظمات المجتمع المدني تواصل نشر التقارير الموثقة عن فساد في البرلمان والحكومة والسلطات المحلية وتعلن أسماء المتورطين انتماءاتهم الحزبية. قبل أن يجمد سعيد الحياة السياسية ويعرض الانتقال الديمقراطي لأزمة جديدة، كانت معدلات الإصابة والوفاة بفعل كورونا في تونس، ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، هي الأعلى في شمال إفريقيا ولم يكن سوى 8 بالمائة من السكان قد تلقوا اللقاح. قبل 25 يوليو/تموز 2021، تكررت فعاليات الغضب الشعبي الموجة ضد حركة النهضة والمتهم لقياداتها بالمسؤولية عن البرلمان المستقطب والحكومة العاجزة والفساد المستشري. وقد كانت الفعاليات تلك من بين ما وظف سعيد لاستدعاء المادة 80 من الدستور وحالة الخطر الداهم لتمرير وتبرير إجراءاته.


سياسيا أيضا، خسرت حركة النهضة معظم حلفائها ومن تعاونوا معها في البرلمان والحكومة. انقلبت عليها أحزاب يسار ويمين كانت معها، مثل حركة قلب تونس التي تشكل ثاني أكبر الكتل في البرلمان المجمد وشاركت مع النهضة في تشكيل الحكومة منذ 2019. أما الأهم والأخطر، فهو ابتعاد «الاتحاد العام للشغل» صاحب الدور الوزان في تجربة الانتقال الديمقراطي منذ 2011 عن النهضة واختلافه مع مطلبها المتمثل في إلغاء سعيد لإجراءاته، بل وذهابه إلى حد تأييد الرئيس والتعبير عن الثقة فيه وفي سعيه «لإصلاح النظام السياسي».


بالقطع، لا تسأل حركة النهضة بمفردها عن عوار وسوءات الانتقال الديمقراطي وتدهور أوضاع المجتمع والدولة والناس. بالقطع، تتحمل أحزاب اليسار واليمين، قديمها وجديدها، شقا كبيرا من المسؤولية عن البرلمان المستقطب والحكومة العاجزة وشبهات الفساد والصراعات الكلامية المستمرة في الفضاء العام. غير أن دفع بعض قيادات النهضة، وكعادة أحزاب وتيارات الإسلام السياسي في بلاد العرب في التنصل من المسؤولية والتموضع الفوري في مواقع المظلومية وضحايا الظلم والتآمر، بكون الحركة «بريئة» من الاستقطاب والعجز وشبهات الفساد وبكون السخط الشعبي عليها «مفبركا» من أعدائها واحتجاجات الناس ضدها «ممولة من الخارج» إنما هو تعبير بائس عن إنكار الحقيقة والتورط في سرديات المؤامرة العقيمة. فالثابت هو أن الفضاء العام في تونس يمر حاليا بموجة عاتية رافضة للإسلاميين ولقياداتهم وملقية عليهم بالمسؤولية عن الأوضاع المتدهورة. الثابت هو أن الفضاء العام في تونس يتحرك على إيقاع الغضب من الإسلاميين ومن بوابتهم على إيقاع السخط الشعبي على الانتقال الديمقراطي والبرلمان والحكومة والسياسة والأحزاب. الثابت هو أن الفضاء العام في تونس تحضر بين جنباته أحزاب وحركات ونقابات ومنظمات مجتمع مدني تؤيد الإجراءات الانفرادية للرئيس قيس سعيد وتثق في نواياه وتصفق لتعقبه للفاسدين ولا تعارض شعبويته التي تجعله يرفض الحوار «إلا مع المخلصين الثابتين» ويتمسك برفض الأحزاب السياسية ككيانات لا شرعية لها هدفها «التربح» على حساب الناس.


إذا كانت إجراءات سعيد وخطابه الشعبوي تعرض الانتقال الديمقراطي في تونس لأزمة حقيقية، فإن إنكار الإسلاميين لمسؤوليتهم واكتفاء قيادة النهضة بالمطالبة بإلغاء تجميد البرلمان وبالحوار الوطني دون ضمانات لسبل عدم العودة إلى البرلمان المستقطب والحكومة العاجزة والفساد المستشري ليس لهما سوى أن يرفعا مناسيب السخط الشعبي على الديمقراطية والسياسة والسياسيين وأن يمهدا المزيد من الأرض لعودة حكم الرجل القوي (البطل الفرد المنقذ) وسط تأييد الناس.

 

(عن صحيفة القدس العربي)

3
التعليقات (3)
حسنى خليل
الأربعاء، 25-08-2021 12:49 م
انت وامثالك يادكتور عمرو - تدعمون الانقلابات وتكرهون الاسلاميين - لكن ابشرك فوالله سيقترب الوقت الذى يتم فيه القضاء تماما على كل الانقلابات - وسيهب الشعوب ضد هؤلاء الخونه الذين يدعون الفهم اقترب الوقت ...
adem
الثلاثاء، 10-08-2021 10:45 م
ما زلت في غيّك تتمادى ، و قد فعلت بمصر أنت و أمثالك كلاب كلاب مشغّليكم ما فعلتم ، أين مصر ؟ مزبلة التاريخ لا سياسة و لا اقتصاد و لا حرية و لا أمن ولا قضاء ولا .....ثمّ تطلّ علينا بلباس المفكّر !!! زورا و بهتانا تقدّم التّحليلات و الاستنتاجات بل قل أوهاما لتزييف وعي النّاس و لن تفلح بإذن الله تعالى انكشف أمركم لن تصدّعوا رؤوسنا بتفاهاتكم هذا من حيث المبدأ ، أعود إلى موضوع تفاهاتك ، إذن سخط شعبيّ واسع بالملايين على من ؟ النهضة ؟!!! ماشاء الله لقد فعلتموها من قبل في عهد الأحرار-الشّهيد الرّئيس مرسي رحمه الله - التْاريخ مسجّل بالصورة و الصّوت دجلكم لا ينفع ، ثمّ بوقاحتكم المعهودة و دعارتكم الصحفية تبرّرون لقيس السعيد شناعته عفوا الحمار آكل الدّستور ؟ كما برّرتم من قبل لبلْحة و عصابته!!! لا أعرف ماذا درست وماذا تعلّمت في الغرب ؟ وكيف قبلوا بك أصلا اللهم إلاّ لتكون قَوَ....!!! بالطّبع العلمانيون عفوا كلاب العصابة بيمينهم و يسارهم مسؤوليتهم طفيفة ربّما مفهومة و مقبولة !!! وتفهّمهم لقرارات الحمار فطنة و دهاء سياسي قلّ نظيره !!! أنت شاهد زور بامتياز و كذّاب و دجّال عندما تتحدّث عن فساد مالي في النّهضة ؟!!! أين قرأت ذلك ؟ لما لم ينشر الحمار آكل الدّستور الأدلّة ؟ وقد منح لنفسه وظيفة أخرى غير الاستحمار و هي وظيفة النائب العام ؟أم كنت ممّن شارك في التّحقيقات ؟ آه نسيت لقد أثبتم نفس التّهمة على أحرار مصر الدّليل ؟ صفر ملف في أروقة قضاء بلْحة قضاء الدّعارة ضد الأحرار و للّه الحمد . نعم الحلّ العبقري بعد سنوات الدرّاسة البحث السّهر ....عودة لحكم الرّجلّ الفيلسوف الملهم الفذّ .....ليعود الأمن و يزدهر الاقتصاد و يسود الرّخاء ........لتعود تونس إلى عزّ أيّامها كما فعلتم مع بلْحة ما شاء الله !!! مصر خارج التّاريخ بشهادة القاصي والدّاني و تونس ان لم تتملكها رحمة الله تعالى إلى التّلاشي و الاندثار تاريخا و جغرافيا . تبّا لك و لأمثالك .
ابوعمر
الثلاثاء، 10-08-2021 07:25 ص
ليس هناكسخط شعبي عن الديمقراطية التي فرضهاالشعب على الهمجيون الأعراب وعن كلابهم المدججة بالسلاح.وعن الأوباش المنحرفة فكريا أمثالكم...السخط الأكبر من أمثالكم ومواقفكم المعارضة للتغيير الشعبي..مواقفكم المساندة للانقلابيين هي قمة السخط الشعبي ...أيهااليساريون ألايكفبكم الفتات الذي يتخلى عنه العسكر..سدوا رمقكم وألعقوا أحذيتهم وعودوا الى المزابل لتشبعو مماتبقى من الفضلات التي عفتها الكلاب المشردة.....السخط الشعبي سببه أمثالكم....سقطت الديمقراطية في مصر.فصفتم للهمجيون مرحبين بالانقلاب..واليوم تقفون مع الانقلابيين انتقاما من الشعب الذي فضل الاسلاميين الوطنيين الشرفاء على اليساريين وبقايا الماضي الاستكباري ومايسمى الدولة العميقة...