تقارير

يوم الأسير الفلسطيني.. محطة لتسليط الضوء على قضية المعتقلين

الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال.. أوضاع إنسانية مأساوية- (الأناضول)
الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال.. أوضاع إنسانية مأساوية- (الأناضول)

يحيي الشعب الفلسطيني في السابع عشر من نسيان/ إبريل يوم الأسير الفلسطيني وذلك للتضامن مع قرابة 4500 أسير يقبعون في سجون الاحتلال ضمن فعاليات كبيرة تظهر أهمية قضية الأسرى بالنسبة للشعب الفلسطيني. 

وتعود قصة يوم الأسير الفلسطيني للعام 1974م، حينما أقره المجلس الوطني الفلسطيني باعتبار يوم 17 نيسان (إبريل)، يوماً للوفاء للأسرى الذين سقطوا شهداء داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، وتقديرا لنضالات وصمود وتضحيات الأسيرات والأسرى ودعما وإسنادا لقضيتهم العادلة وحقهم بالحرية.

لقد فتحت دولة الاحتلال سجونها ومعتقلاتها، لأبناء الشعب الفلسطيني، وزجت بهم في غياهبها، في سرمديةٍ طويلةٍ وشاقة من العذاب المهين، والمعاملة القاسية الأليمة.

 



إن هؤلاء الأسرى، ليسوا مجرد أبناء للوطن المغيبين، بل هم أيقونات الحرية، وأسرى الحرب، الذين ينتظر شعبهم عودتهم بكل التوق والحب والإصرار. وحتى تتحقق هذه العودة، يرى الشعب الفلسطيني أن من حقه المطالبة لهؤلاء الأبناء بالمعاملة الكريمة التي يستحقها أسرى الحروب، لذلك كان يوم الأسير الفلسطيني لتعزيز هذه المفاهيم لإيصال رسائل الأسرى من قلب قلاع الأسر.

 

 


واعتبر عبد الناصر فروانة، رئيس وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة شؤون الأسرى والمحررين (وزارة الأسرى والمحررين سابقا)؛ أن يوم الأسير هو يوم لشحذ الهمم والمضي قدما لخدمة الأسرى وتسليط الضوء على قضيتهم العادلة والعمل المستمر من أجل تحريرهم وضمان مستوى لائق من الحياة الكريمة لهم ولعوائلهم.

وأوضح فروانة في حديثه لـ "عربي21" أنه منذ إقرار هذا اليوم عام 1974م والشعب الفلسطيني يحييه داخل فلسطين وفي الشتات، ومعه أحرار العالم في العديد من العواصم العربية والأوروبية، ليذكروا العالم أجمع بما يتعرض له الفلسطينيون من اعتقالات جماعية، وما يُعانيه أسرى فلسطين داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي وما يتعرضون له من انتهاكات جسيمة وجرائم فظيعة لا حصر لها.
 
وقال: "لم يكن السجن يوماً في المفهوم الإسرائيلي أداة لتطبيق العدالة المجردة، أو وسيلة للعقاب، أو مكاناً لإعادة تأهيل المواطنين وإصلاحهم، واحترام إنسانيتهم وتوفير احتياجاتهم الخاصة ـ كما تطالب المنظمات الحقوقية ـ وإنما جعلت إسرائيل منه مكاناً للتأثير على أفكار ومعتقدات الأسرى، وإفراغهم من محتواهم الوطني، وإلحاق الأذى المتعمد بهم، وتحويلهم إلى عالة على شعبهم، وأداة للقتل المعنوي والتصفية الجسدية التدريجية والبطيئة، وما ذاك إلا لأنها ترى في الفلسطينيين أعداء لها، يجب التخلص منهم، أو على الأقل ردعهم".

 



وأضاف: "أن المهتم بقضية الأسرى والمتخصص في شؤونها، يرى أن أبناء الحركة الوطنية الأسيرة قد حولوا بنضالهم وصبرهم، هذه السجون إلى معاهد علم وعبادة وتثقيف وحب، ولا شك أن ذلك ما كان ليتحقق لهم إلا ببذل التضحيات الجسام، إذ قضى في سبيل ذلك الكثير من الأسرى، في معارك عدة من الإضرابات عن الطعام. لقد حرموا أنفسهم من الشراب والطعام ـ على قلته ورداءته ـ ليحسنوا من أوضاعهم، وليخلقوا لمن معهم ولمن بعدهم، ظروفاً اعتقالية أفضل، تخفف من وطأة السجن".

وتابع: "لقد فرض السجن على الأسرى الفلسطينيين، حياةً لا تطاق فمن عتمات العزل الانفرادي، إلى منع زيارات الأهل، إلى فرض التفتيش العاري، إلى المداهمات الليلية، إلى عذابات البوسطة (نقل الأسير للمحكمة)، إنها عذابات لا تنتهي بمجرد توقفها، بل تتواصل آثارها إلى ما بعد التحرر، لأنها تورث أسقاما مزمنة في الجسم وفي النفس معاً".

وقدّر فروانة وهو أسير محرر عدد حالات الاعتقال منذ العام 1967م بنحو مليون حالة اعتقال، وهي النسبة الأكبر في العالم. 

وقال: "لعل ما يزيد الألم أن تلك الاعتقالات أضحت ظاهرة وسلوكا يوميا، وتتم بمعزل تام عن قواعد القانون الدولي وإجراءات السلامة والوقاية في ظل انتشار جائحة كورونا، وحيث اعتقلت سلطات الاحتلال منذ مطلع العام الجاري 2021 أكثر من 1300 فلسطيني وفلسطينية، بينهم قرابة الـ240 طفلا.

وأكد على أن يوم الأسير يحل هذا العام في ظل استمرار احتجاز ما يقرب من 4500 فلسطيني، بينهم 140 طفلا، و37 فتاة وامرأة، وأكثر من 700 أسير يعانون من أمراض مختلفة، ومنهم 440 معتقلا إدارياً، دون تهمة أو محاكمة. وهؤلاء موزعون على قرابة 22 سجنا ومعتقلا ومركز توقيف. 

وشدد على أن الأسرى في سجون الاحتلال يُعانون قسوة المعاملة وتصاعد الانتهاكات والجرائم كالتعذيب الجسدي والنفسي والعزل الانفرادي والعنف والقمع المنظم والحرمان من الزيارات والتعليم والعلاج.

وقال فروانة: "يأتي يوم الأسير هذا العام، في ظل استمرار انتشار فيروس كورونا وتدني الرعاية الصحية وشح أدوات الوقاية والسلامة، وارتفاع أعداد المصابين بين صفوف الأسرى إلى قرابة الـ370 أسيرا، بالإضافة إلى تصاعد الحرب الإسرائيلية على قضية الأسرى ومكانتها القانونية ومشروعية نضال الأسرى والشهداء وتضحياتهم وكفاحهم ضد المحتل والسطو على أموالهم ومحاربة البنوك العاملة في الأراضي الفلسطينية لتضييق الخناق على الأسرى والمحررين وعوائلهم".

وطالب الحقوقي الفلسطيني بالدفاع عن قضية الأسرى كأحد أركان القضية الفلسطينية، وتعزيز مكانتها القانونية ومشروعية كفاح ونضالات الأسرى باعتبارهم مناضلين من أجل الحرية في سياق كفاح الشعب الفلسطيني المشروع ضد المحتل.

وشدد على أهمية استخدام وتوظيف كافة الآليات والوسائل الدولية بما يساهم في فضح ما يتعرض له الأسرى من انتهاكات جسيمة وجرائم عديدة والضغط على المؤسسات الدولية لتحمل مسؤولياتها وإلزام سلطات الاحتلال بالقيام بالتزاماتها تجاه المعتقلين الفلسطينيين وفقا للقانون الدولي وتوفير الحماية الدولية لهم.

وطالب بالاقتراب أكثر من المحكمة الجنائية الدولية، خاصة أن استمرار غياب الملاحقة والمساءلة تدفع الاحتلال إلى التمادي في جرائمه.

ودعا الكاتب والصحفي حسن جبر وسائل الإعلام إلى تكثيف تغطية قضية الأسرى في سجون الاحتلال، وعدم اعتبارها موسمية، ومنحها مساحات كافية لأهميتها.

وأكد جبر في حديثه لـ "عربي21" حول دور الإعلام في إبراز قضية الأسرى، أن هناك قصورا واضحا من قبل وسائل الإعلام تجاه قضية الأسرى، متهماً الإعلام بأنه لا يقوم بدوره المطلوب وأن هناك في نفس الوقت العديد والكثير من الأشياء التي يمكنه أن يفعلها.

 


 
وقال جبر وهو أسير محرر: "لا نريد أن تكون قضية الأسرى قضية موسمية أو خبرية فقط في المناسبات أو إذا حصل أي مكروه للأسرى في سجون الاحتلال، نريدها تكون حاضرة بشكل مستمر في وسائل الإعلام لتشكل رأيا عاما ضاغطا".

وأضاف: "إبراز هذه القضية في وسائل الإعلام المحلية الفلسطينية وتشكيلها ضغطا سيجبر وسائل الإعلام الدولية على متابعتها والتعمق فيها".

وطالب جبر بأن يكون يوم الأسير الفلسطيني حافزا لكل الإعلاميين للعمل بكل جد على هذه القضية وفضح جرائم الاحتلال في السجون.

وشدد عل ضرورة أن تمتد فعاليات يوم الأسير على مدار العام لتشكل مادة مهمة لدى وسائل الإعلام فهناك آلاف القصص والموضوعات التي يمكن تناولها وبشكل متجدد.

وأرجع جبر أسباب القصور إلى ثلاثة أسباب: أولها الإعلاميون أنفسهم لأن هناك بعض الصحفيين الذين يعتبرون أن هذه القضية قضية ثانوية لا تلبي طموحاتهم بالوصول إلى الشهرة؛ أما السبب الثاني فهو التغطية الإعلامية نفسها حيث يقتصر الأمر على سرد خبر لا يتجاوز الأسطر المعدودة في الصحف بعيداً عن إلقاء الضوء على القصص الإنسانية للأسرى في قوالب القصة الخبرية أو حتى التحقيقات. 

واعتبر أن السبب الثالث يعود للمؤسسات الإعلامية نفسها التي يجب عليها البحث عن الصحفيين المهتمين بقضية الأسرى والعمل معهم لإلقاء مزيد من الضوء على هذه القضية التي تهم كل منزل في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وطالب جبر بتشكيل مرصد إعلامي لرصد أسباب القصور لدي الصحفيين والمؤسسات الصحفية والعمل على توعيتهم بأهمية قضية الأسرى لتجاوز مرحلة القصور التي يعاني منها القطاع الإعلامي.

ومن جهته حذر عبد الله قنديل مدير جمعية "واعد" للأسرى والمحررين في يوم الأسير الفلسطيني من أن واقع الأسرى في سجون الاحتلال لا يزال يتجه من سيئ لأسوأ بفعل سيل الانتهاكات الإسرائيلية بحقهم التي لا تكاد تتوقف بحق الأسرى والأسيرات.

 



وأكد قنديل في حديثه لـ "عربي21" أن سلطات الاحتلال تتعمد فرض المزيد من التشديد والحرمان والتنغيص على الأسرى في سجون الاحتلال إضافة إلى سياسة الإهمال الطبي الممنهج والمقصود لقتل أكبر عدد ممكن من الأسرى، لاسيما في ظل وجود حوالي 700 أسير من المرضى بأمراض مزمنة وخطيرة بحاجة لرعاية دائمة ومتابعة مستمرة، ولا يتم نقلهم للمشافي إلا بعد أن يصل الأسير لمرحلة بالغة الخطورة أو يكون شارف على الموت كما حدث مع عدد كبير من الأسرى، كان من أبرزهم الأسير المريض كمال أبو وعر الذي ارتقى قبل قرابة العام وكان قد أصيب بالسرطان إضافة لإصابته بفيروس كورونا، وقد فارق الحياة بعد نصف ساعة من نقله لإحدى المشافي الإسرائيلية.

وقال: "ممارسات الاحتلال داخل السجون لا تقتصر فقط على هذه السياسة التي تعتبر الأكثر خطورة لتأثيرها البالغ والمباشر على حياة الأسرى والأسيرات، ولكنها تمارس أيضا جملة من العقوبات الجسدية والنفسية، فسياسة العزل الانفرادي لأشهر طويلة على سبيل المثال بات من المتعارف أنها الأكثر تأثيرا على صعيد نفسية ومعنويات الأسير وصحته العقلية ومع ذلك يلجأ الاحتلال إلى هذا النوع من العقوبة دون أدنى رادع أو محاسبة، والمتابع لواقع الأسرى داخل السجون يجد أن انتهاكات الاحتلال لا حد لها ولا حصر فهناك المنع من الزيارات لأسباب ومبررات واهية وهناك فرض الغرامات المالية الباهظة على الأسير لأتفه الأسباب إضافة لسحب الأدوات البسيطة التي يمتلكها الأسير كسجادة الصلاة وكتب المطالعة وغيرها".

وأعرب قنديل عن أسفه لفقدان المنظمات الحقوقية والدولية لدورها الحقيقي في تقديم أي مساعدة قانونية أو حتى إنسانية لهؤلاء الأسرى.

وقال: "في ظل المشهد المأساوي داخل السجون وتصاعد هجمة الاحتلال، نرى تراجعا في دور هذه المؤسسات، فهي صامتة طيلة الوقت، رغم أن عددا منها تزور السجون وتشاهد عن قرب الواقع المعقد الذي يحياه الأسرى، لكنها تفضل الصمت أو الحديث بهدوء بعيدا عن وسائل الإعلام في أفضل الأحوال، كما تبرر هي لنفسها ذلك لضمان تأثير حقيقي".

وأضاف: "والغريب أننا منذ عقود طويلة لم نلمس أي دور حقيقي أو حتى تأثير لهذه المؤسسات على الاحتلال الذي يصعد من انتهاكاته ويزيد من وتيرتها، ودوما كنا وما زلنا نقول بأن الصمت على الجرائم الحاصلة بحق الأسرى داخل السجون يعد بمثابة اشتراك في هذه الجرائم".

وطالب قنديل هذه المؤسسات بالخروج عن نطاق صمتها ومكاشفة الرأي العام المحلي والدولي ووضعه في الصورة الحقيقية التي تحياها السجون، فالمنتظر كان ولا يزال من الأسرى أكبر من ما نشاهده حاليا.


التعليقات (0)
الأكثر قراءة اليوم