ملفات وتقارير

حكاية عبد سلامة.. معاناة الفلسطيني تحت الاحتلال ج7

يحتضن عبد سلامة صورة طفله بعد 10 سنوات على رحيله- المصور إيهاب جاد الله
يحتضن عبد سلامة صورة طفله بعد 10 سنوات على رحيله- المصور إيهاب جاد الله

من خلال حكاية عائلة فلسطينية تعاني الأمرين تحت الاحتلال الإسرائيلي، يسلط الكاتب الصحفي الأمريكي نيثان ثرول، في هذا المقال الطويل، الضوء على صمود الشعب الفلسطيني في وجه مشروع صهيوني عنصري اعتمد السلب والنهب والتهجير وانتهاك حقوق الإنسان الأساسية منذ اليوم الأول. 

 

بالإضافة إلى قصة العائلة الفلسطينية، يقدم الكاتب معلومات بالغة الأهمية وخلفيات تاريخية عن تهجير الفلسطينيين وتفتيتهم بشكل ممنهج من قبل الاحتلال، بهدف ضمان التفوق الديمغرافي لليهود في أرض فلسطين التاريخية.


وتنشر "عربي21" المقال على 8 حلقات، وتقدم لقرائها هذه الترجمة غير الرسمية للمقال الذي نشر أول مرة باللغة الإنجليزية في "ذي نيويورك ريفيو أوف بوكس"

 

طالع الجزء الأول: حكاية عبد سلامة.. تقرير عن معاناة الفلسطيني تحت الاحتلال ج1

طالع الجزء الثاني: حكاية عبد سلامة.. تقرير عن معاناة الفلسطيني تحت الاحتلال ج2

طالع الجزء الثالث: تقرير خطير عن "الأبارتايد" ومعاناة الفلسطيني تحت الاحتلال ج3

طالع الجزء الرابع: تقرير خطير عن فصول عنصرية الاحتلال تجاه الفلسطينيين ج4

 

طالع الجزء الخامس: تقرير خطير عن "الأبارتايد" ومعاناة الفلسطيني تحت الاحتلال ج5

 

طالع الجزء الساديس: حكاية عبد سلامة.. معاناة الفلسطيني تحت الاحتلال ج6

 

وفيما يلي الجزء السابع من المقال:


الجزء السابع

يوم في حياة عبد سلامه

حكاية رجل يبحث عن ابنه تسلط الضوء على واقع الحياة الفلسطينية تحت الاحتلال الإسرائيلي

نيثان ثرول

كل خطة استيطان إسرائيلية – من آلون مرورا بشارون ودروبلز إلى خطط المناطق السوبر – نبذت معظم المدن ذات الكثافة السكانية العالية في غزة والضفة الغربية، وتركتها للحكم الذاتي الفلسطيني. فقد أرادت إسرائيل الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية فقط عندما لم تكن بحاجة إلى استيعاب عدد أكثر من اللازم من السكان غير اليهود.

هذا الإعراض الإسرائيلي عن إدماج المناطق الحضرية الفلسطينية –حيث طبقت إسرائيل بدلا من ذلك سياستها المعروفة باسم "حفرادا" أو العزل– هي الحجر الأساس في الاعتقاد على مستوى العالم بإمكانية إنجاز حل الدولتين. وكان نتنياهو قد صرح مرارا وتكرارا "لا نريد أن نحكمهم"، ومن هذا التصريح الحقيقي تم إنجاز عدد من القفزات الجامحة، ومن أبرزها أن الحكم الذاتي في حفنة من المدن الفلسطينية المعزولة عن بعضها البعض يمكن أن يتمدد ويتلوى ويلتف بحيث يفضي إلى دولة فلسطينية. 

يكمن الاعتراض الأساسي لليسار الصهيوني على الضم في أنه يمكن أن يضر بهدف إبقاء أقل عدد ممكن من الفلسطينيين من حول حدود الدولة اليهودية. ومن الجماعات التي تعمل على توضيح ذلك تلك التي تسمى "الشعب ضد الضم" والتي تأسست في عام 2020، وتحصل على تمويل سخي من واحدة من أعضاء مجلس إدارة مجموعة اللوبي الأمريكية إيباك، ستايسي شوسترمان، التي تدعم عائلتها من خلال مؤسسة خيرية تابعة لها العديد من المجموعات المدافعة عن إسرائيل (في حملة انتخابات عام 2020، تبرعت شوسترمان بمبلغ قدره 550 ألف دولار من أجل إلحاق الهزيمة بعضو الكونغرس عن مينيسوتا إلهان عمر وتبرعت بأكثر من 1.2 مليون دولار لمجموعة تناصر إسرائيل كانت تنشر إعلانات موجهة ضد السيناتور بيرني ساندرز).

كان يترأس مجموعة "الشعب ضد الضم" المدير الإسرائيلي السابق لمجموعة اللوبي "جيه ستريت" المتحالفة مع الحزب الديمقراطي في واشنطن العاصمة. وكان من بين الإعلانات التي أنتجتها المنظمة ملصق يشيطن الفلسطينيين باعتبارهم إرهابيين إسلاميين من خلال الإيحاء بأن الضم سيعني إعادة تسمية شارع في تل أبيب ليصبح اسمه شارع الشيخ أحمد ياسين، مؤسس حركة المقاومة الإسلامية، التي تعرف أيضا باسم حماس. 


بالإضافة إلى ذلك، يُظهر مقطع فيديو أنتج ببراعة وروج له عبر السوشيال ميديا "الناس" الذين هم ضد الضم دون أن يشتمل على مواطن فلسطيني واحد على الرغم من أنهم يشكلون أكثر من خمس الإسرائيليين. وفي مؤشر على اختفاء الخط الأخضر، حتى عن أعين مجموعة كرست نفسها لحمايته، تظهر في الفيديو صور للمناطق التي تم ضمها وقد كتبت عليها عبارات "بلدنا" و "الدولة اليهودية".

يشارك في الحملة التي تقوم بها المنظمة مجموعة من الجنرالات الإسرائيليين السابقين، كانت من قبل قد نشرت إعلانا خاصا بها ضد الضم وكانت الغاية منه بث الخوف من فقدان السيطرة اليهودية. كان الإعلان عبارة عن ملص وضع على الإشارات واللوحات الإعلانية في مختلف أرجاء البلاد صمم باستخدام ألوان العلم الفلسطيني ويظهر فيه حشد من الفلسطينيين يلوحون بالأعلام ويرفعون إشارة النصر فوق عبارة تقول "في القريب العاجل، سوف نصبح الأغلبية".

وحينما يتم الاتصال بمكتب الحملة، يسمع المتصل صوت رسالة مسجلة تقول: "هل سئمتم من هذه اللوحات الفلسطينية؟ نحن أيضا سئمناها، ولسوف تختفي خلال بضعة أيام، ولكن الذي لن يختفي هو ملايين الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية، والذين يرغبون في أن يصبحوا الأغلبية. ومن المفروض أن نقوم بضمهم؟ إذا لم ننفصل عنهم فحينها سنكون أقل يهودية وأقل أمنا. يجب أن ننفصل عن الفلسطينيين الآن".

وجد اليسار الصهيوني نفسه، ولعقود متعاقبة، محشورا بين قومية يهودية خصوصية يبغضها ومركزية عرقية لا تقل خصوصية يضفي عليها صفة العالمية والليبرالية. تجده يعلي من قيمة ما يفترض أنه منظومة ديمقراطية ليبرالية سبقت الاحتلال، عندما كان البلد يُخضع المواطنين الفلسطينيين للحكم العسكري، ويزعم أن فيه تتجسد "القيم المؤسسة" للصهيونية، بينما ينكر أن نفس تلك القيم المؤسسة يتم تطبيقها حاليا في الضفة الغربية.

وبالنسبة لليسار الصهيوني أيضا فإن الجدل الدائر حول موضوع الضم يتعلق بطبيعة الدولة بقدر ما يتعلق بحدودها. ومثلهم في ذلك مثل من في التيار اليميني، يعتقد منتسبو اليسار بأن القرار المتخذ بشأن مصير الضفة الغربية هو الذي سيحدد ما إذا كانت "إسرائيل الخط الأخضر" لها أي مستقبل. 

من خلال التوسع في الضفة الغربية وشطب الخط الأخضر، فإن إسرائيل من حيث لا تقصد تثير الشكوك حول ادعائها بملكية الأراضي التي غزتها على جانبي الخط الأخضر، ليس فقط من الجانب الأخلاقي والتاريخي بل وكذلك من الناحية القانونية. في عام 1977، وقبل شهور من تعيينه سفيرا لإسرائيل في الأمم المتحدة، مثل أمام لجنة قانونية تابعة لمجلس الشيوخ الأمريكي في جلسة استماع تحت عنوان "استعمار إسرائيل لأراضي الضفة الغربية" يهودا بلوم، أستاذ القانون الدولي في الجامعة العبرية والمهندس الأول لحجة إسرائيل ومزاعمها بأن المستوطنات قانونية.

حينها أشار البروفيسور بلوم، الذي كانت سفارة إسرائيل قد أوصت به شاهدا خبيرا، إلى أن جل "إسرائيل الخط الأخضر" تقع داخل المنطقة التي خصصتها خطة تقسيم الأمم المتحدة لعام 1947 للدولة العربية، وبذلك يكون قد تم الاستيلاء عليها شرعيا (أو بشكل غير شرعي) مثلها مثل الضفة الغربية. وقال في شهادته: 

"لا أرى فرقا من الناحية القانونية بين الوضع القانوني للجليل الغربي والناصرة ومطار بن غوريون الدولي ويافا من جهة، ويهود والسامرة، بما في ذلك القدس الشرقية، من جهة أخرى. فحالما انتهت صلاحية اتفاق الهدنة لعام 1949، عدنا من الناحية القانونية إلى الوضع الذي كان قائما قبل انتهاء حرب 1948. ونظرا لأن القدس الشرقية وأراضي القرى الثماني والعشرين التي تحيط بها في الضفة الغربية كانت الأراضي الوحيدة التي ضمها المشرع الإسرائيلي بشكل رسمي، فإن تلك المناطق، بشكل أو بآخر، ألزم بأن تكون جزءا لا يتجزأ من أراضي إسرائيل السيادية من كثير من البلدات والمدن التي تقع ضمن الخط الأخضر". 

وصل دايان في محاضرته التي كان يلقيها في حيفا إلى أكثر النقاط استفزازا وأهمية – "أريد أن أبين لماذا، وعلى العكس مما يقوله الناس، يهدد التخلي عن يهودا والسامرة الصفة اليهودية لإسرائيل" – ضاربا المثال في تلك اللحظة برئيس حزب ييش آتيد الصهيوني العلماني الوسطي، قائلا: 

"كلكم على دراية بيائير لابيد. قبل أن يصبح سياسيا – أو لأكون أكثر دقة، قبل أن نعرف عنه أنه سياسي – كان يدير برنامجا حواريا وكان عادة ما يسأل ضيوفه في نهاية البرنامج: "كيف تعبرون باختصار عن الخصوصية الإسرائيلية؟" كان الضيوف يردون عليه بإجابات مختلفة. سوف أضم مجموعة كاملة منها في إجابة واحدة. كانت هناك إجابات مثل: "الصفة الإسرائيلية بالنسبة لي تعني الجلوس على كرسي بلاستيكي في نزهة بتل أبيب، رجلاي مرفوعتان على الدرابزين مقابل غروب الشمس. بطيخ بارد، جبنة بلغارية، وكأس من البيرة الباردة". لا شك في أن ذلك شيء ممتع. ولكن إذا كان ذلك هو المقصود بالخصوصية الإسرائيلية، وأن الخصوصية الإسرائيلية لا يمكنها حمل ثقل الأعراف الصهيونية، الثورة الصهيونية، لأن بإمكانك أيضا أن تجلس في سانتوريني وتحتسي كأسا من الأوزو أو في الريفيرا الفرنسية وتحتسي كأسا من النبيذ الأحمر، أو تدخن لفافة من الحشيشة في سان فرانسيسكو. 

إذا أردنا لدولة إسرائيل أن تبقى دولة يهودية، فلا يتعلق الأمر بحساب كم عدد اليهود وعدد العرب المتواجدين هنا. ليس لأن ذلك غير مهم، ولكن لأنه ليس الجزئية الرئيسية. من أجل أن تكون إسرائيل يهودية في الصميم، فإنها بحاجة إلى جذور عميقة. الاحتفاظ بالثورة الصهيونية يتطلب جذورا عميقة.

نتواجد في جوار تهب عليه العديد من الرياح، والشجرة التي ليس لها جذور عميقة ستهوي. يجب أن تكمن الجذور العميقة في الصلة بالأرض. إذا ما تخلت إسرائيل عن مستوطنات الضفة الغربية وعن شيلو والخليل وبيت إيل وإيلون موريه، بكل ما لها من رمزية، فلن نتمكن من تعليم التاريخ اليهودي والكتاب المقدس في مدارسنا. لن يتمكن الطفل من تحمل هذا النشاز العريض. إذا كان ذلك هو الحال، فلسوف تصبح إسرائيل مجتمعا سطحيا، مجتمعا ضحلا، لا يفهم لماذا هو موجود هنا. وذلك هو أكبر تهديد أمني يواجه دولة إسرائيل".

أنهي دايان كلمته بتوجيه الموعظة الأخيرة التالية لجمهوره: 

"أقترح عليكم أن تدخلوا على الإنترنيت وتبحثوا عن مقطع فيديو على اليوتيوب لواحد من الأغيار – عربي، فلسطيني – اسمه عباس زكي، الذي كان يشغل منصب ما يسمى سفير منظمة التحرير في لبنان. في مقابلته مع التلفزيون اللبناني وجه إليه المذيع سؤالا ، ومن الواضح أنه يفهم ما لم يفهمه اليهود بعد، فقد قال له بشكل مدهش: "لو تخلى اليهود عما يسمونه يهودا والسامرة ثم وقع تقسيم القدس، فمن المستحيل ألا تنهار الأيديولوجية الصهيونية ... لن يبقى لها أساس تقوم عليه. ثم ستصبح كلها لنا". ولهذا فإن ما نقوم به اليوم في غاية الأهمية".



(10)

 

 

ميلاد سلامة مع شقيقه الأكبر آدم (2009)/ عبد سلامة


تلقى عبد نتائج فحص الـ"دي أن إيه" بعد يوم من الحادث. وكما خشي وساورته الظنون، كان ميلاد من بين الأطفال الثلاثة الذين كانت حروقهم شديدة جدا بحيث لم يمكن التعرف عليهم. كانت العائلة ستقيم له جنازة في نفس ذلك اليوم، ولكن بسبب الحروق الشديدة التي تعرض لها ميلاد، لم يتمكن عبد وأقرب أقاربه الذكور من غسل الجثة قبل الدفن كما هو مطلوب في الإسلام. لم ير عبد ابنه ميلاد منذ الليلة التي سبقت الرحلة المدرسية. أراد أن يرافق جثة ابنه في سيارة الإسعاف وهي تنطلق من رام الله إلى عناتا، لكن شقيق عبد منعه خشية أن يكون ركوبه وحيدا مع جثة ميلاد أكثر مما يمكن أن يحتمله الأب المكلوم. 

جاء الناس من كل أنحاء فلسطين لحضور الجنازة. قال لي عبد: "جرى كله بسرعة شديدة. لم يكن لدي وقت لأتنفس." استمع عبد من المعلمين والعاملين في المدرسة والأقارب والطلاب الآخرين لنتف جمعها فمكنته من معرفة ما الذي حدث في اليوم السابق: ركب ميلاد الحافلة فعلا صباح ذلك اليوم. كان فيها مقاعد لعشرين شخصا ولكن ستة وعشرين راكبا احتشدوا في داخلها. أما الحافلة الأخرى، والأكبر حجما، فكانت تتسع لخمسين راكبا، وكانت هي الأخرى تحمل أكثر من سعتها.

كان يقود الحافلة الأكبر مالك شركة الحافلات بنفسه، والذي يقيم في جبعة. عندما وصلت الحافلتان إلى نقطة تفتيش جبعة، غادر المالك الحافلة وحل محله واحد من مستخدميه. اعترض سائق الحافلة الأصغر على تحميل عدد إضافي من الركاب، وبمجرد أن غادر مديره إلى جبعة، طالب بأن يُنقل الطلاب الستة الإضافيون من الحافلة الصغيرة إلى الحافلة الأكبر. على الرغم من الازدحام، إلا أن السائق الجديد لم يعترض.

كان ميلاد واحدا من الستة الذين طلب منهم أن ينتقلوا. كانت الحافلة الأكبر من طراز عمره سبعة وعشرين عاما، وبداخلها لوحات خشبية قابلة للاشتعال، ولم تكن مرخصة للاستخدام في الرحلات المدرسية. وكان الزجاج الخلفي قد استبدل بصفائح من القصدير. 


وصلت تفاصيل أخرى إلى مسامع عبد فيما بعد، وذلك من لائحة الاتهام الإسرائيلية التي وجهت لسائق الشاحنة أشرف قيقس. كان من سكان القدس، من قرية بيت صفافا التي وقع ضمها، قريبا من بيت لحم، وكان في مطلع الثلاثينيات من عمره. حصل على رخصة لقيادة الآليات الثقيلة قبل عام فقط. كانت لائحة اتهامه تتضمن خمسة وعشرين مخالفة مرورية سابقة. في حوال السادسة والنصف من صباح يوم الحادث، غادر بيت صفافا متوجها إلى عمله في مصنع لمواد البناء بالقرب من طرف القدس الشرقية المضمومة، في منطقة عطروت الصناعية. قاد المقطورة عبر نقطة تفتيش قلنديا المجاورة، متجها شمالا ليتوقف أولا في أحد المحاجر في مستوطنة كوخاف هاشهر في شمال شرقي رام الله. 

انتظر قيقس إلى أن تم تحميل المقطورة بالحجارة. كان المحجر في الأصل مملوكا جزئيا لزوجة أحد سكان كوخاف هاشهر واسمه دافيد كيشك كوهين، والذي كانت أمه المولودة في الأرجنتين عميلة للموساد في لبنان وكان شقيقه سفيرا لإسرائيل في مصر في الفترة من 2009 إلى 2011. ولما يزيد عن عقدين، كان كيشك كوهين نفسه يترأس وحدة ضمن السلطة المدنية مكلفة بالإشراف على الإنشاءات في الضفة الغربية.

كان ذلك يشتمل في الأغلب على طرد الفلسطينيين وتدمير بيوتهم. ولكنه في حالته كان يعني أيضا التقدم بخطة للمحجر الذي كانت زوجته في القريب العاجل ستشارك في ملكيته. غادر قيقس المحجر بعد الانتهاء من تحميل مقطورته، وقادها عائدا إلى المصنع مرورا بنقطة تفتيش جبعة. أفرغ حمولته، ثم عاد أدراجه إلى نقطة تفتيش قلنديا ومنها إلى كوخاف هاشهر ليأتي بحمولة ثانية. 

يقع محجر كوخاف هاشهر، والذي يمكن ترجمة معناه إلى "نجم الفجر"، على طريق رئيسي في الضفة الغربية أطلق عليه اسم ييغال آلون. وكان المحجر قد تأسس بناء على قرار صادر في 1976 عن رئاسة الوزراء لحكومة حزب العمل بزعامة إسحق رابين، بتشجيع من وزير الدفاع شمعون بيريز، فأقيم على أرض كانت قد صودرت بأمر عسكري من قريتين مجاورتين هما دير جرير وكفر مالك، علما بأن محجر كوخاف هاشهر المجاور هو واحد من عشرة محاجر يملكها الإسرائيليون داخل الضفة الغربية.

يورد أربعة وتسعون بالمائة من الحجارة الطبيعية التي تنتجها هذه المحاجر إلى إسرائيل داخل الخط الأخضر حيث تستخدم في إنشاء المباني والطرق، وتشكل تقريبا ربع جميع المواد المستخرجة من المناجم والمستهلكة من قبل إسرائيل.

أما الستة بالمائة الباقية فتذهب إلى المستوطنات الإسرائيلية وإلى قطاع الإنشاءات الفلسطيني، وإلى الإدارة المدنية، والكيان الإسرائيلي الحاكم في الضفة الغربية. ارتفعت عبر السنين، وبشكل مطرد، قيمة الحقوق والأتعاب التي تدفعها هذه المناجم للدولة، حتى وصلت إلى 21 مليون دولار في عام 2015.

ومنذ عام 1994 لم تصدر إسرائيل تصريحا واحدا للمحاجر الفلسطينية في المنطقة جيم، والتي تحتوي على معظم الأراضي التي تصلح لفتح المحاجر. وحسب تقديرات البنك الدولي يخسر الفلسطينيون ما قيمته 241 مليون دولار سنويا بسبب رفض إسرائيل منح تصاريح محاجر لأصحاب المصالح غير الإسرائيلية. 

قبل الحادث بسبعة أسابيع، قضت محكمة العدل العليا في إسرائيل بمشروعية كوخاف هاشهر والمحاجر التسعة الأخرى المملوكة للمستوطنين داخل الضفة الغربية. موقف القانون الدولي ليس غامضا إزاء القوى المحتلة التي تبادر بهدر موارد المناطق التي تحتلها. فقوانين الاحتلال مصممة بحيث تمنع استعمار أو ضم المنطقة التي تتعرض للغزو والاحتلال.

ولذلك يعتبر السلب والنهب من جرائم الحرب. إلا أن المحكمة العليا في إسرائيل، والتي أقرت تقريبا كل سياسة محرمة دوليا انتهجتها إسرائيل في المناطق المحتلة – بما في ذلك الإبعاد، والاغتيال، والسجن بدون محاكمة، وهدم البيوت، ومصادرة الأراضي لإقامة المستوطنات اليهودية، والعقوبات الجماعية مثل منع التجول الجماعي، وإغلاق المدارس، وحرمان ملايين الناس من الكهرباء – حكمت بالإجماع بأنه يسمح لإسرائيل باستغلال الموارد الطبيعية للضفة الغربية.

والسبب الذي قدمه رئيس المحكمة آنذاك، دوريت بينيش، والذي يعتبر من القضاة اللبراليين في إسرائيل، هو أن قانون حقوق الإنسان الدولي، الذي يعرف جميع الاحتلالات بأنها مؤقتة، ينبغي أن يُلوى بسبب الوضع الأكثر ديمومة في الضفة الغربية، حيث قال: 

"وكما صدرت بذلك قرارات في مناسبات كثيرة طبقا لأحكامنا، فإن احتلال إسرائيل الحربي في المنطقة له مواصفات يتميز بها، وعلى رأسها مدة فترة الاحتلال، والتي تتطلب تعديلا في القانون لينسجم مع الواقع على الأرض".

أشارت لائحة اتهام قيقس إلى أنه عندما عاد إلى المحجر كان المطر يهطل وكانت الطرق مبتلة جدا، وكان يقود الشاحنة على طريق طويل ممتد فيه إشارات تحدد السرعة بخمسين كيلومترا في الساعة (ما يزيد قليلا عن ثلاثين ميلا) ، إلا أن سرعته كانت أربعة وثمانين كيلومترا (حوالي ثلاثة وخمسين ميلا) عندما فقد السيطرة.

تجاوزت الشاحنة الخطوط المزدوجة وبدأت المقطرة تترنح عبر عرض الطريق بأسره، واندفعت تضرب قمرة قيادة الشاحنة، التي اصطدم جانبها الأيمن الشمالي بالجدران الصخرية دون أن تتوقف. ظلت الشاحنة تتجه نحو حافلة الركاب، ومقطورتها تتأرج بعنف.

بطأت الحافلة من سرعتها ولكنها لم تتمكن من تفادي الشاحنة التي اصطدمت قمرتها المعطوبة بمقدمة الحافلة فدفعتها إلى الخلف. بعد لحظة من ذلك جاءت الضربة القاضية من المقطورة المترنحة، حيث اصطدمت بالحافلة وقلبتها. أحدث التصادم تماسا كهربائيا داخل صندوق فيوزات الحافلة، مما أشعل النار، وهذه ما لبثت الرياح العاصفة في ذلك اليوم أن نشرتها وزادت سعارها. (زعم محامي قيقس، ولكن النيابة رفضت حجته، أن النار إنما بدأت بعد أن سارع بعض المارة بمد يد العون، فمزقوا صفاح القصدير التي استبدل بها الزجاج الخلفي، فتسببوا من حيث لم يقصدوا في فتح "نفق هوائي)".



 

حافلة المدرسة محترقة بعد الحادث قرب جبع (2012)/ جيتي

 

 

رافعة تكمل جزءا من جدار العزل العنصري بالقرب من مخيم شعفاط (2011)/ جيتي


عبد سلامة (2021)/ تصوير: إيهاب جاد الله



عبد سلامة مع صورة لميلاد في (2021)/ تصوير إيهاب جاد الله

 

 

 


مسعفون في موقع الحادث بين حاجزي قلنديا وجبع (2012)/ جيتي


فلسطينيون وإسرائيليون يتظاهرون قرب عناتا ضد التهويد (2019)/ جيتي

 

 

ميلاد سلامة مع شقيقه الأكبر آدم (2009)/ عبد سلامة

 

 

 

 

خريطة لخطة دروبلس الاستيطانية عام 1978 للاستيلاء على أراض من الضفة/ مايك كينغ

 



خارطة لتقسيم المناطق في جزء من القدس المحتلة بناء على بيانات أممية/ مايك كينغ

 

 

 

 

 

 


 


 

 

 

التعليقات (0)