مقالات مختارة

أزمة الأردن: أسئلة تبحث عن إجابات

مثنى عبد الله
1300x600
1300x600

غيّرت أحداث الأسبوع الماضي من الصورة التي عُرفت عن الأردن.. أزمة غير مسبوقة في هذا البلد، الذي بقي عصيا عن الدخول في حالة الاضطراب التي عمّت الهلال الخصيب، على الرغم من السخط الواضح على الأوضاع العامة فيه، التي باتت سمة من سماته خلال السنوات الأخيرة.


أمير يُعلن أنه ممنوع من التواصل مع العالم الخارجي بأمر السلطات. وزير الخارجية يصبح الناطق الرسمي باسم الحكومة ويقول، إن السلطات أحبطت مؤامرة استهدفت البلاد كان الأمير جزءا منها، وتم اعتقال شخصيات على مستوى عال. في ما يعلن الأمير أنه ليس كذلك، ليأتي قرار الملك بحصر قضية الأمير في نطاق العائلة، ثم إعلان آخر يقول إن الأمير وقّع رسالة أمام العائلة المالكة يعلن فيها أنه رهن إشارة الملك وولي العهد، حافظا للعهود والمواثيق التي اعتادت عليها العائلة. وأخيرا كانت خاتمة الأزمة رسالة من الملك يعلن فيها أن الأزمة وئدت، وأن الأمير في قصره وفي رعايته.. فكيف يمكن قراءة الحدث؟


الناظر إلى كل هذه التطورات والتحركات والتصريحات والرسائل، يشعر بأن الغموض والتخبط هما سيدا الموقف في هذه القضية، فالغموض جاء من وصف الحدث في البداية بأنه محاولة انقلاب، ثم تدحرج الوصف إلى مؤامرة ثم فتنة، كما جاء في رسالة الملك. وزير الخارجية الناطق باسم الحكومة قال، إن من تم إلقاء القبض عليهم كانوا على تواصل مع جهات أجنبية لزعزعة أمن واستقرار الأردن. والوصف الوحيد الذي ينطبق على هذه الحالة سيكون محاولة انقلاب، وبالتأكيد خيانة وطن، وهي اتهامات على قدر عال من الخطورة، لكن كيف تكون هنالك محاولة انقلاب، ولم يعلن عن وجود أي منتسب للقوات المسلحة فيها؟ وإذا كانت هي كذلك فأين الدليل؟

 

قد تكون الإجابة، أن التحقيقات مازالت جارية، لكن كلام وزير الخارجية كان، أن الجهات الأمنية أنهت تحقيقاتها وطالبت بعرض الموضوع على القضاء. كما أن السؤال الأكثر أهمية هو، هل يمكن أن تكون هنالك محاولة لتغيير النظام السياسي في دولة كالأردن، لها التزامات في المجتمع الدولي، خاصة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتقدم نفسها على اعتبار أن لها سجلا وشخصية دولية تتفاوض على أدق الأمور بشكل يرتاح إليه الغرب كثيرا؟ كذلك فإن لديها حدودا مع إسرائيل.


أما التخبط الذي ران على الحدث، فهو إرسال رئيس الأركان العامة لتحذير الأمير باسم كل الأجهزة الأمنية، ثم يصدر التوجيه الملكي بإيكال الأمر إلى الأمير حسن لحل الموضوع داخل العائلة. إذن لماذا تم إرسال مبعوث إلى الأمير ولم يتم اللجوء إلى حل الموضوع عائليا منذ البداية؟ النقطة الأخرى الجديرة بإلقاء المزيد من الضوء عليها هي رسالة الملك، اللافت أن الرسالة كانت مكتوبة، وتم بثها عبر التلفزيون وليست كلمة مباشرة بالصوت والصورة. يمكن أن تكون الاعتبارات التي أظهرت الرسالة بهذا الشكل، هو أن الملك كان ما زال منفعلا، وربما لم يكن يريد أن يظهر انفعاله أمام شعبه. في الرسالة قال الملك إن الوضع تحت السيطرة وتم وأد الفتنة.

 

إذن كان الهدف هو طمأنة الشعب أولا. النقطة المهمة الأخرى في الرسالة هو الإعلان عن أن (الفتنة من داخل بيتنا الواحد ومن خارجه). السؤال المهم هنا عن معنى بيتنا. هل المقصود به بيت العائلة المالكة؟ أم الوطن كبيت كبير؟ لكن العبارة التالية في رسالة الملك تصف حالته بأنه في حالة صدمة وألم وغضب كأخ وكولي أمر العائلة المالكة، ما يعطي انطباعا بأنه يتحدث عن العائلة الأصغر، وبذلك نكون أمام غموض آخر. وعندما يقول الملك إن الأمير مع عائلته في قصره برعايتي فهي إجابة على تساؤلات الشارع، لكن هل معنى ذلك أنه تحت الإقامة الجبرية؟ خاصة أن وكالة أسيوشيتد برس الأمريكية قالت، إن كل الشخصيات المرتبطة بالأمير تم اعتقالهم بمن فيهم مدير مكتبه. في الحقيقة لا يمكن الإجابة عن هذا السؤال.

 

ربما أن الأمير في قصره وتحت رعاية الملك تعني أن التعامل معه سيكون من خلال الملك شخصيا، وأن كل قنوات الاتصال المباشرة الأخرى التي كانت قائمة بين الأمير وشعبه قد قطعت. وهنا لا فرق كبير بين أن يكون برعاية الملك، أو أن يكون في الإقامة الجبرية.


أما الأمر الآخر الذي يلفت النظر في رسالة الملك فهو، القول إن التحقيق سيستمر بشفافية، وسيتم التعامل مع النتائج وفق مصلحة الوطن. فهل يعني هذا أن القرار سيكون سياسيا، ولن يتم الإعلان عن الجهات الخارجية التي قيل إنها مشتركة في الحدث، كي لا يكون هنالك ضرر بالمصلحة الوطنية؟ غالبا ما تكون الاتهامات المرتبطة بعدم وجود دليل لها هدف واحد هو، الإساءة إلى الشخصية كي يكون هنالك مبرر لإخراجها من دائرة الضوء.

 

إذن من له مصلحة في إخراج الأمير من دائرة الضوء؟ حتى الآن لا يمكن الإشارة بأصبع الاتهام إلى جهة محددة في داخل الأردن، أو من الخارج من الرعاة الإقليميين والدوليين، بأنهم وراء ذلك بسبب عدم وجود دليل، لكن النظر إلى السلوك السياسي اليومي للأمير يعطي انطباعا بأنه خلق حالة من القلق لدى أطراف كثيرة، فالرجل له شعبية كبيرة في الشارع اتضحت بشكل كبير في الحادث الأخير.

 

موقفه من القضية الفلسطينية يتناغم مع الرأي العام الشعبي في الأردن وفي الوطن العربي.. رفضه التطبيع ووصفه ذلك بالخيانة، يجعله في قلب القضية المركزية. علاقته المتميزة بالعشائر الذين هم أساس الملك في الأردن، يمثل ارتباطا عضويا بين الشعب والعائلة المالكة، كذلك تبنيه هموم الشارع، خاصة في دعواته المتكررة لمحاربة الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية.


السؤال اليوم على لسان الجميع في الأردن هو، هل حقا كانت هناك مؤامرة أو انقلاب أو فتنة، أم هي مجرد خلافات على الصلاحيات، بسبب أن الأمير كان يتجول بين العشائر، ويبدي امتعاضه من سياسات إدارة الحكم أكثر من مرة؟ وهل ترقى هذه إلى مستوى تصريح وزير الخارجية الذي يقول فيه، إن الأمير كان يحاول أن يكون بديلا للملك؟ يقينا أن الوزير بهذا التصريح لا يعبر عن قناعته الشخصية، فهل كان يعبر عن قناعة الملك؟

 

وإذا كانت هذه هي حقيقة الفتنة، فمعنى ذلك أن الملك قد وصل له أن الأمير يريد أن يكون بديلا عنه، خاصة أن البعض ذهب للقول إن الأردن لم يعتد أن يقوم الأمراء بانتقاد سياسات الدولة علنا، وإن مصدر النقد يجب أن يكون حصرا بالملك، لأن الأردن دولة ملكية. في حين يرى البعض الآخر أن حرية الرأي والتعبير ينبغي أن تكون محمية دستوريا من جانب العائلة المالكة أكثر من غيرها.

 

يقينا أن هناك جهات كثيرة مستفيدة من الأزمة الأخيرة، لكن الشعب الأردني يريد أن يعرف الحقيقة، وهل حقا أن أحد أفراد العائلة المالكة متورط بهذا الموضوع؟ أم لا؟ لأن التهمة هي تهمة خيانة وهذه مسألة مهمة يجب أن يقف الناس على حقيقتها، فلم يعد الموضوع عائليا بعد خروجه إلى العلن مغلفا برواية رسمية غير مقنعة تماما، تتحدث عن تآمر ومس بالأمن الداخلي وتدخل خارجي. في حين أشار الأمير صراحة إلى عدم وجود مؤامرات من خلف الكواليس، وهي على حد وصفه مجرد أكاذيب من أجل التغطية على التراجع الذي يراه الجميع في الوطن.

القدس العربي

0
التعليقات (0)