كتب

لماذا عارضت إسرائيل الديمقراطية ودعمت الانقلاب في مصر؟

كتاب يشرح الدور الإسرائيلي في التأثير على مجريات ثورة 25 يناير في مصر- (تويتر)
كتاب يشرح الدور الإسرائيلي في التأثير على مجريات ثورة 25 يناير في مصر- (تويتر)

الكتاب: "العلاقات المصرية الإسرائيلية بعد ثورة 25 يناير"
الكاتب: صالح النعامي
عدد الصفحات: 200 صفحة، الطبعة الأولى آب/أغسطس 2017 م- 1438 هـ
الناشر: مركز الجزيرة للدراسات والدار العربية للعلوم، ناشرون

كان لاتفاقية كامب ديفيد" إيجابيات بالنسبة إلى إسرائيل. فقد أنهت عقودًا من العداء مع مصر وسمحت بتدشين علاقات دبلوماسية معها ارتقت إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية وضمنت لها قدرا من التواصل مع العرب، ومنحتها الفرصة للتفرغ لمواجهة المقاومة الفلسطينية. وأفضت الاتفاقية إلى تحسين أوضاعها الاقتصادية بتقلص نفقاتها الأمنية. ومن البديهي أن تمثل ثورة 25 يناير 2011 وخلع حسني مبارك، إزعاجا لها بعد أن أمنت حدودها الغربية.
 
1 ـ محددات العلاقات المصرية الإسرائيلية قبل ثورة 25  يناير 2011 

تحدد العلاقات مع الدول ضمن أفق أقصى هو المصالح العليا للدول وفي إطار مبادئها وخياراتها. ولكن الحالة المصرية مفارقة، إذ تلعب بنية النظام السياسي دورًا هامشيا في تحديد السياسة الخارجية؛ وبالمقابل تحتكر "مؤسسة الرئاسة" صنع السياسة الخارجية. فيضحي الرئيس عمليا المحدد لاتجاهاتها. وكان هذا النظام الشمولي المؤسس للدولة المركزية بيئة مثالية لتحقق إسرائيل مصالحها في علاقتها بمصر. 

ينقل صاحب الأثر عن يوسي بولين وزير القضاء الإسرائيلي الأسبق وزعيم حركة "ميريتس" اليسارية إقراره بأن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة كانت دومًا تفضِّل التعامل مع الأنظمة الديكتاتورية في العالم العربي؛ لكونها أنظمة "براغماتية، تكتفي بدفع ضريبة كلامية في دعمها للفلسطينيين، لكنها في الخفاء لا تتردَّد في إقامة تحالفات مع إسرائيل، وذلك بعكس الأنظمة الديمقراطية التي تخضع للرقابة وتكون مطالَبة بأن تتخذ قراراتها على أساس شفاف". 

وتساعدنا هذه الاعتبارات على فهم قلق إسرائيل من الثورات العربية مبرزة "حرصها على استقرار المنطقة"، طبعا كما تفهم هي الاستقرار وتعني وضعا إقليميا مناسبا لمواصلة الاستيطان والتملص من الاستحقاقات التي توجيها القرارات الأممية.

ولأن الرأي العام في مصر بما فيه من نخب ومؤسسات المجتمع المدني ومنظمات نقابية ظلّ يرى في إسرائيل عدوا له ويرفض مختلف مظاهر التطبيع معها، حرص الجانب المصري على ترك العلاقة الثنائية مع إسرائيل في مستوياتها الدنيا على الصعيد السياسي والدبلوماسي والثقافي، مكتفيا بمتطلبات الانتقال من حالة الحرب إلى حالة السلم، مقتصرا على الجانب الأمني والاقتصادي، بشكل لا يمثِّل مصادر تهديد لشرعيته الداخلية. فكانت العلاقات المصرية الإسرائيلية تقوم على سلام بارد في الظاهر وعلى شراكة إستراتيجية ترضي الجانب الإسرائيلي وتلبي جميع حاجياته في جليّة الأمر.

والحق أنّ مصر فقدت الكثير من عوامل تأثيرها ولم تخدمها التحولات الإقليمية والدولية لتجعل صوتها مدويا إزاء إسرائيل. فترسخت قناعة لدى مبارك بضرورة المحافظة على علاقة متينة معها. فقد انقلبت موازين القوى في المنطقة عامّة، فرجّحت كفة دول "الثروة" على حساب دول "الثورة"، ورجحت كفة قوى النظام الرأسمالي والمعسكر الغربي على حساب النظام الاشتراكي والمعسكر الشرقي. وكانت كل من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية على وعي بذلك. وأمعنتا في ابتزاز صانع القرار المصري عبر تحريض دول منبع نهر النيل للمطالبة بإعادة النظر في اتفاقيات المياه، ثم تقديم المساعدة في تنفيذ هذه المشاريع، أضف إلى ذلك ارتهان الجيش المصري في تدريبه ونظام تسليحه للمساعدات العسكرية الأمريكية التي تبلغ 1.3 مليار دولار سنويا والمشروطة باحترام القاهرة لهذه العلاقات. 

ولعل أن يكون للشأن المصري الداخلي ضغطه أيضا. فقد كان الرئيس المصري منشغلا بتوريث حكمه لابنه الأصغر جمال واعتقد حينها أن ضمان شرعية دولية لهذه الخطوة يتطلب قبولاً أمريكيا وإسرائيليا. ويتأكد هذا التقدير في إقرار مصطفى الفقي، مدير مكتبه، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجل الشعب المصري لاحقًا حينما صرّح "الرئيس المصري القادم سيكون فقط بموافقة أميركا وعدم اعتراض إسرائيل". وهذا ما دفع وزير الحرب الإسرائيلي الأسبق، بنيامين بن إليعازر، إلى أن يطلق عبارته الشهيرة: "مبارك كَنز استراتيجي لإسرائيل". فقد أضحى الموقف المصري أكثر ضعيفا وكان ذلك يشجع إسرائيل والولايات المتحدة الأميركي على زيادة الضغوط على القاهرة لترويض الأطراف العربية ودفعها للقبول بالشروط الإسرائيلية للتسوية.

2 ـ العلاقات المصرية-الإسرائيلية في عهد المجلس الأعلى للقوات المسلحة
 
مما تعنيه الثورة القطع مع سلبيات الماضي وحدوث تحول جوهري في آليات صنع القرار الوطني فتسهم النخب ضمن أفق ديمقراطي في تغليب المصلحة. وتُترجم على مستوى العلاقات الخارجية. وبالفعل فقد تعززت مكانة القوى السياسية والأطر الشعبية التي تنادي بإعادة النظر في العلاقة مع إسرائيل واعتبرت الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني واتحادات شباب الثورة والكتل داخل المجلس البرلمان بعد أول انتخابات تشريعية بعد الثورة أن الثورة قد جاءت لتعديل مسار العلاقة مع إسرائيل وإعادة النظر في العلاقات معها. 

ولكن تأثير المؤسسة العسكرية حال دون تحقيق ذلك. فقد كانت هذه المؤسسة طرفا في النظام السياسي يلعب دورًا مركزيا على مدار ستة عقود، لمّا تمكن الضباط الأحرار من الاستيلاء على الحكم. وكانت هذه الفترة كافية لتراكم نفوذها وتحقق الإنجازات الكبيرة على الصعيد التنظيمي للجيش وعلى المستوى الشخصي للقيادات العسكرية من خلال المشاريع الاقتصادية التي ضِمنت احتكارها. ضمن هذا الأفق يمكننا أن ننزل تصور المجلس الأعلى للقوات المسلحة التي احتكرت السلطات التنفيذية بعد الثورة  للعلاقة بإسرائيل. فاتفاقية كامب ديفيد بالنسبة إليه تمثل جزءًا من الأمن القومي المصري؛ فبموجبها انسحبت إسرائيل من سيناء وانتهت حالة العداء. 

وبفضل حالة السلم، انخرط الجيش أكثر في المشاريع الاقتصادية والتنموية. أضف على ذلك أن الالتزام بالاتفاقية ضمن حصوله على مبلغ 1.3 مليار دولار في شكل مساعدات عسكرية سنوية من الولايات المتحدة. فكان منسجما في رؤيته للعلاقة معها مع تصورات السلطة ما قبل 25 يناير.

 

الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة كانت دومًا تفضِّل التعامل مع الأنظمة الديكتاتورية في العالم العربي؛ لكونها أنظمة "براغماتية، تكتفي بدفع ضريبة كلامية في دعمها للفلسطينيين، لكنها في الخفاء لا تتردَّد في إقامة تحالفات مع إسرائيل، وذلك بعكس الأنظمة الديمقراطية التي تخضع للرقابة وتكون مطالَبة بأن تتخذ قراراتها على أساس شفاف

 



ولم تكن مواقف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بمنأى عن قيود النظام الدولي. فقد كان من الواضح أن خيارات مصر الوطنية بعد الثورة ستنعكس على موقف المجتمع الدولي والبيئة الإقليمية منها، وأنها ستتحمل تبعات اختيارها، ما تعلّق بالنّظام السياسي وما تعلق بالتوجه الاقتصادي وأن أية خطوة غير محسوبة يمكن أن تفضي إلى صدام مع النظام العالمي، بما يحمل الصدام من تبعات اجتماعية. والمس باتفاقية السلام مع إسرائيل، أعرض أبواب الصدام مع النظام العالمي من شأنه أن يخلف آثارا بالغة على اقتصاد منهك بطبعه فتكون الفئات الهشة أول ضحاياه. 

ولعلّ هذا السياق أن يجعلنا نفهم تعاطي المجلس الأعلى للقوات المسلحة مع طلب مراجعة العلاقة مع إسرائيل. فلا هو استجاب لضغوط المجلس النيابي ولا هو تأثر بالضغوط الشعبية لما اقتحمت الجماهير السفارة الإسرائيلية وعبثت بالوثائق الموجودة في مكاتبها ورمتها من الشرفات واعتلى أحد المواطنين البناية، وقام بانتزاع العلم الإسرائيلي من فوقها. ورغم تراجع مستوى التنسيق الأمني بين مصر وإسرائيل في هذه الفترة وتقلَّص أغراضه، مقارنة بما كانت عليه في عهد مبارك، فإنه ظل قائمًا وشكل تواصلاً مباشرًا بين القيادات العسكرية والمستويات الاستخبارتية في الجانبين.

وعلى الطرف الآخر كان الجانب الإسرائيلي لا ينظر بعين الارتياح لثورة 25 يناير. فهو أكثر تمسكا باتفاقية  كامب ديفيد. فمن تبعاتها إلغائها المحتملة خسارتها شراكة مصر الإستراتيجية وعوائد التعاون الأمني والاستخباراتي، إلى جانب خوف الإسرائيليين من أن تولّد بيئة إقليمية تزيد من فرص عزلتها في المنطقة وتُقلّل من هامش المناورة أمامها لممارسة القوة لتحقيق مصالحها، خاصة في مواجهة المقاومة الفلسطينية التي احتدت بعد الثورات العربية. ومن هنا يفهم الباحث توصية مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، في هذه المرحلة بعدم القيام بأية حملة عسكرية كبيرة ضد الفلسطينيين من شأنها أن تثير الرأي العام العربي، والمصري خصوصا.

لقد أعلنت إسرائيل الاستنفار ضد ثورة 25 يناير وحاولت منع خلع مبارك فشكل بنيامين نتنياهو، خلية عمل في ديوانه، أواخر يناير لتُشرف على إدارة تنظيم حملة سياسية ودبلوماسية ولتعمل على إقناع حلفاء إسرائيل بدعم مبارك وعدم السماح بسقوط نظامه. ثم سعت إلى التأثير على مخرجات الثورة . فاقترح  نتنياهو على الغرب تأسيس صندوق دولي لدعم خصوم الإسلاميين في العالم العربي، ممن أسماهم"ذوي التوجهات الليبرالية " مهتديا بالخطة التي نفذتها الولايات المتحدة لدعم أوروبا إثر الحرب العالمية الثانية. وحذر القوى العالمية من فتح قنوات اتصال مع الإسلاميين. وبعث برسائل مباشرة تطلب من قيادة الجيش المصري التدخل لمنع وصولهم للحكم، أو عبر نخب تضغط على الإدارة الأمريكية لتتدخل لديهم لإحباط توجههم للتنافس على منصب الرئيس .

3 ـ العلاقات المصرية الإسرائيلية في عهد مرسي

يعدّ وصول ممثل جماعة إسلامية من الفوز بمنصب الرئاسة في العالم العربي حدثا غير مسبوق. فجماعة الإخوان المسلمين ذات خط أيديولوجي وسياسي معاد لإسرائيل يرفض الاعتراف بإسرائيل ويُعَرِّف فلسطين بـ"أرض وقف إسلامي لا يجوز لأحد كائنًا من كان أن يفرِّط أو يتنازل ولو عن جزء صغير منها، لذلك فهي ليست ملكًا للفلسطينيين أو العرب فحسب، بل هي ملك للمسلمين جميعًا".

والجماعة عارضت اتفاقية كامب ديفيد عند توقيعها. ومن شأن وصول مرسي للرئاسة أن يفضي إلى تحولات جذرية على اتجاهات السياسة الخارجية المصرية. ولكن. شيئا من هذا لم يتحقق. ويجتهد الباحث في أن يجد له العذر. فيراه قد انصرف، في فترة حكمه القصيرة إلى الوضع الداخلي الذي كان يشغل المصريين. فأهداف الوطنية التي اندلعت من أجلها الثورة لم تتحقق بعد. ويجد في حدَّة الاستقطاب الداخلي عائقا حال دون مراده. فمؤسسات الدولة التي تكرست أثناء حكم حسني مبارك حرمت مرسي من روافد الدعم الداخلي فأعاقته عن إحداث تغيير في السياسات الخارجية، فضلا عن ذلك فقد كان هامش المناورة محدودا أمامه. فالنظام الدولي يخدم إسرائيل ويحث على احترام الاتفاقات الموقعة معها.

وبشكل عام، ورغم المخاوف الإسرائيلية، فقد تمت المحافظة على اتفاقية كامب ديفيد بسبب أولوية الأجندة الداخلية في مصر بعد الثورة. ولكن بالمقابل قلص مرسي التنسيق الأمني مع إسرائيل، الذي تواصل في فترة حكم المجلس العسكري. فتوقفت الاتصالات السياسية. وكان وفيا لما أعلن في مرحلة ترشيحه بكونه يعارض اتفاقيات كامب ديفيد لكنه سيلتزم بالاتفاقات والمعاهدات الدولية لمصر بحكم وظيفته مستدركا "لكن على الطرف الآخر احترامها أيضًا، السلام ليس كلامًا وإنما السلام فعل على الأرض" .

4 ـ العلاقات المصرية الإسرائيلية في عهد السيسي

عُزل الرئيس محمد مرسي عقب مظاهرات جماهيرية احتجت على حكمه وطالبت بتنحيته وفض اعتصام أنصاره بالقوة الغاشمة، وباعتلاء المشير عبد الفتاح السيسي الحكم استعادت مؤسسة الرئاسة احتكار صنع السياسة الخارجية وتحديد اتجاهات العلاقات الدولية. وقفزت إلى السطح الحاجة الماسَّة إلى تأمين شرعية دولية لا تمر إلا عبر علاقة متينة بإسرائيل. وطرأت تحولات جمة في العلاقة المصرية ـالإسرائيلية. فتعززت مظاهر التعاون بين الجانبين في هذه المرحلة، لاسيما في مواجهة المقاومة الفلسطينية. 

فقد بادر السيسي ومعاونوه بالاتصال بنتنياهو والطلب منه توظيف نفوذه في الولايات المتحدة لتأمين اعتراف أمريكي بحكم السيسي. وبالفعل فقد استنفرت إسرائيل علاقاتها الدبلوماسية لدعم نظامه وعملت على إقناع الإدارة الأمريكية بعدم قطع المساعدات العسكرية وعلى التسويق لحكم السيسي باعتباره أهم عامل من عوامل الاستقرار في المنطقة. وكانت مساعيها مثمرة للجانبين. فقد استجابت أمريكا لطلبها من ناحية. ومكنها التعاون مع السيسي من تقليص هامش المناورة أمام حركة حماس، وفق إقرارها. فقد تراجعت قدرات المقاومة التسليحية بعد أن دمرت مصر المئات من الأنفاق التي كانت تربط قطاع غزة بسيناء. وأثبتت إسرائيل أنها على حق حين اعتبرت أن وجود أنظمة مستبدة في العالم العربي يخدم مصالحها لأنها تظل مهتمة بالأساس بالحفاظ على استقرارها وعلى شرعية لا تمر إلا عبر الجسر الإسرائيلي.


التعليقات (1)
عبدالله المصري
السبت، 06-03-2021 12:51 م
بداهة ان الحرامي اللص المجرم يبيع ارخص و ربما مجانا ليحافظ على سلامته لانه مفضوح و يعلم هو كما يعلم الجميع انه مجرم سارق و ما معه ليس من حقه