مقالات مختارة

حل الدولتين والمصالحة «مجمدان» سريريا

عبد الناصر النجار
1300x600
1300x600

تجميد البشر عمليةٌ تُجرى لأشخاص يعانون أمراضاً لا يوجد لها دواء في الوقت الحاضر، على أمل إيقاظهم عند اكتشاف العلم دواءً لأمراضهم في المستقبل!!


عدد محدود من أغنياء العالم ممن وصلوا حافة الموت طلبوا التجميد، في انتظار معجزةٍ ما، ربما تحدث أو ربما يظلون إلى الأبد تحت درجة ١٩٠ تحت الصفر للحفاظ على أجسادهم، هم أغنياء لكنهم أغبياء في الوقت نفسه، حيث التكلفة الهائلة لأحلامهم غير الواقعية.


مقابل التجميد السريري، هناك الموت السريري، وعادةً يكون مرتبطاً بموت الدماغ، مع أن الأعضاء الأخرى تستمر في الحياة اعتماداً على الأجهزة الاصطناعية، وبعد فترة محدودة يتم نزع الأجهزة ويشيّع المتوفى.


في حالتنا الفلسطينية، ربما ينطبق علينا واقع التجميد السريري دون الوصول إلى الموت السريري، حيث الإصرار على عدم الاعتراف بمبدأ التشييع.


ما يثير الاستغراب هو اقتناع البعض بأن حل الدولتين لا يزال ممكناً أو أنه الخيار الوحيد، ولا يوجد بديل عنه. ربما كان البعض مقتنعاً بأن رسالة رئيس إدارة الاحتلال المدنية ومفادها أن إسرائيل ملتزمة بالاتفاقيات الموقعة، دليل على أن حل الدولتين ما زال حياً، ولم يمت سريرياً، وأن حالة التجميد التي استمرت منذ سنوات عدة انتهت وحان الوقت لإنعاش جسد حل الدولتين، دون معرفة من أي نقطة نبدأ، علماً أن دولة الاحتلال رفضت طلباً باستئناف المفاوضات من حيث النقطة التي توقفت عندها خلال فترة رئيس الحكومة السابق إيهود أولمرت، كما رفضت مبدأ المؤتمر الدولي أو الوساطة الدولية.


خلال الأسبوع الماضي، أعلن عن الموافقة على بناء مئات الوحدات الاستيطانية في القدس العربية المحتلة، وفي الضفة الغربية، أما المستوطنون فباتوا يعودون إلى البؤرة الاستيطانية التي كانوا يطلقون عليها «سانور» جنوب جنين، وفي الأغوار مجموعة من البؤر الاستيطانية تقام على أنقاض الخرب والتجمعات البدوية.


الاستيطان الإسرائيلي امتد إلى منطقة (E1)، أي أن الاستيطان امتد فيما يطلق عليه امتداد (معاليه أدوميم) من شرق رام الله وشمال القدس حتى البحر الميت، الأمر الذي يعني قطعاً كاملاً لشمال الضفة عن جنوبها، وترك الوسط في شبه عزلة، علماً أن هناك قاطعاً جديداً جنوب نابلس وشمال رام الله من خلال الخط الاستيطاني الجديد الذي يمتد من مستوطنة «عليه» إلى المجمع الاستيطاني «أرئيل».


في الأغوار تصريحات الضم توقفت، لكن على الأرض هناك ضم فعلي وعملية تهويدية متواصلة، وربما هي سنتان أو ثلاث حتى تتحول الأغوار إلى تجمع استيطاني واسع وكبير في داخله بؤر معزولة من قرى فلسطينية مهلهلة البنى وغير قابلة للحياة مدة طويلة!!


الاستيطان لم يترك قمة جبل أو طريقاً التفافيةً أو أرضاً زراعيةً خصبةً أو مصدر مياه إلا واستولى عليها أو هو في طريق الاستيلاء، فعن أي دولتين يتم الحديث، هل عن الجيوب المتبقية: جيب الخليل، وجيب رام الله، وجيب نابلس والشمال؟! هل هذه الدولة الثانية؟ أليس هذا ما طرحته صفقة القرن بالتمام والكمال؟!


إن الحديث عن حل الدولتين هو حديث أصبح خارج السياق ضمن المستجدات الحالية، وضمن حالة الحصار التي تتعرض لها الضفة الغربية وبشكل مختلف عن قطاع غزة، حصار إقليمي وإسرائيلي على طريقة اقتصادية واستيطانية.


من الأفضل ترك خيار الدولتين، في حالة التجميد السريري، والحفاظ قدر الإمكان على الصمود والمواجهة، ربما نأمل بعلاج الانهيارات العربية والفلسطينية المتسارعة نحو المخلص الإسرائيلي، بعنوان أميركي.


المصالحة من جهتها أصبحت كعملة «بتكوين» يكون سعرها ١٠٠ دولار وبعد أسابيع تصل إلى عشرين ألف دولار، هي في مزاد «طالع نازل» حسب الظروف والمستجدات. وربما هي حبل نجاة كلما وقع فيضان سياسي يؤثر على المصالح الحزبية. فنرى القيادات تسارع إلى رفع هذا الشعار.


حقيقة بعد عودة العلاقات إلى وضعها السابق مع سلطة الاحتلال فإن المصالحة أيضاً وضعت في حالة «تجميد سريري» على الرغم من التصريحات الكثيرة واللقاءات في غرف العمليات الداخلية والخارجية والقول «كل شيء على ما يرام» المصالحة بصحة جيدة، وهي في حقيقة الأمر غير ذلك.


المصالحة خلال الأشهر الماضية كانت ضرورية لحالة استثنائية، لكن بعد ظهور «الدخان الأبيض» من البيت الأبيض، اختلفت الحسابات ربما، حسابات الضفة تختلف عن حسابات غزة، بايدن غير ترامب وإيران القديمة غير إيران الجديدة بعد أشهر قليلة.


في رام الله، انتظار على أحر من الجمر لمعرفة توجه إدارة بايدن الجديدة وحتى السير في ركابها. وفي غزة انتظار أكثر حرارة لعلاقة بايدن مع إيران وحصارها والاتفاق النووي، والأموال المقدمة إلى حزب الله وحركة حماس والجهاد وغيرها.


قد تستمر محادثات المصالحة عشرين سنة أخرى، لكنها محادثات إدارة الأزمة وليس حلها.


بناء عليه، فإن تجميد المصالحة سريرياً ربما يكون الخيار الأفضل لنتخلص من صداع وطني واستنزاف أعصاب الشعب.


هذا ليس تشاؤماً أو تشاؤلاً هذا هو الواقع ومن يرى غير ذلك فهو في سياق خارج عن الواقع!!!

 

(الأيام الفلسطينية)

1
التعليقات (1)
رائد عبيدو
السبت، 21-11-2020 02:29 م
إعادة ضبع الوضع إلى ما كان عليه قبل عهد ترمب يقتضي العمل أولا لإبطال ما حصل في عهده خاصة في القدس، كما يقتضي العودة لتحريك ملفات محكمة الجنايات الدولية، ولتفعيل قرار 2334، ومطالبة جميع الشعوب والأنظمة بمعاقبة الشركات التي وضعتها منظمة الأمم المتحدة في القائمة السوداء.

خبر عاجل