مقابلات

الحقوقي حجاج نايل: العسكر سيدفعون ثمنا غاليا لضياع مصر

حجاج نايل أكد أن مصر مُقبلة على فوضى وثورة جياع ستأكل الأخضر واليابس- عربي21
حجاج نايل أكد أن مصر مُقبلة على فوضى وثورة جياع ستأكل الأخضر واليابس- عربي21

* الحكم "الجائر" ضد الحقوقي بهي الدين حسن يأتي في إطار انهيار نظام العدالة بأكمله

 

* جنرالات الجيش تلاعبوا بكل القوى السياسية واستغلوا ثورة يناير لترسيخ حكم العسكر

 

* الجيش المصري أصبح اللاعب الوحيد في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ويسيطر حاليا على كافة جوانب الحياة

 

* مجلس النواب كان عبثيا للغاية ولم نشهد في التاريخ الحديث برلمانا مثله لأن كل طموحاته تمثلت في نيْل رضا "السيسي"

 

* عقيدة العسكر ترفض تماما حكم أي شخص مدني لمصر لأنهم يعتبرونها عزبة خاصة بهم فقط

 

* نظام السيسي المستبد لم يترك فرصة أو مجالا لأي قوى سياسية أو اجتماعية أو حقوقية لفعل أي شيء

 

* مصر مُقبلة على فوضى وثورة جياع ستأكل الأخضر واليابس.. وسيدفع العسكر ثمنا غاليا لضياع الدولة

 

* مصر تشهد الآن شللا تاما في قواها الحيّة.. والنظام العسكري خلق استقطابا حادا بين القوى المدنية وتيار الإسلام السياسي

 

* منظومة العدالة انهارت على نحو مخيف.. والسلطة القضائية أصبحت مجرد أداة سياسية في يد النظام المستبد

 

* الحبس الاحتياطي تحوّل إلى "عقوبة رادعة".. ونأمل أن ننتهي من هذا النظام المستبد قريبا

 

* قانون التصالح في مخالفات البناء يُهدد الاستقرار المجتمعي في ظل جائحة كورونا

 

قال الحقوقي المصري، رئيس منظمة الشفافية الدولية بمصر سابقا، حجاج نايل، إن "مصر مُقبلة على فوضى عارمة وثورة جياع ستأكل الأخضر واليابس"، مُعبّرا عن أمله في "رحيل ونهاية نظام السيسي المستبد قريبا".

جاء ذلك في مقابلته الخاصة ضمن سلسلة مقابلات مُصورة تجريها "عربي21"، تحت عنوان (ضيف "عربي21").

وأكد "نايل" أن "السيسي كشف كل الأوراق التي من شأنها تثبيت حكم العسكر بطريقة فجة، لدرجة أن الجيش أصبح اللاعب الوحيد في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المصرية، بل وبات يسيطر حاليا على كافة جوانب الحياة في مصر".

 


وهاجم البرلمان المصري المنتهية ولايته، قائلا: "لقد كان شيئا في منتهى العبث، ولم يشهد التاريخ الحديث - ليس في مصر فقط، بل في كل دول العالم - مجلس نواب بهذا الشكل، فلأول مرة طوال حياتنا نسمع أن هناك برلمانا كل أمنياته وطموحاته أن ينال رضا السلطة التنفيذية".

ولفت نايل، الذي يشغل منصب مدير البرنامج العربي لنشطاء حقوق الإنسان، إلى أن "السلطة القضائية كانت تملك هامشا من الاستقلال في عهدي (السادات) و(مبارك)، إلا أنها أصبحت الآن تابعة وخاضعة تماما للنظام المستبد، وباتت مجرد أداة سياسية في يده"، مشيرا إلى أن "منظومة العدالة انهارت على نحو مخيف، بعدما صارت جزءا من السلطة التنفيذية والنظام الحاكم".

وتاليا نص المقابلة الخاصة مع (ضيف "عربي21"):

 

كيف ترون الحكم الذي أصدرته محكمة جنايات القاهرة في 25 آب/ أغسطس الماضي ضد الحقوقي البارز بهي الدين حسن بالسجن 15 عاما؟ وما دلالات هذا الحكم؟

 

منذ عام 2013، ومع مجيء السيسي إلى سدة الحكم، وأوضاع حقوق الإنسان في تدهور تام بدرجة مُلفتة للنظر للمجتمع الدولي والمنظمات الدولية ولهيئات ولجان الأمم المتحدة. والحكم على بهي الدين حسن هو حلقة ضمن سلسلة طويلة من الاضطهاد والانتهاكات التي تتعرض لها كل القوى الاجتماعية والسياسية، وفي القلب منها منظمات حقوق الإنسان.

كما أن هذا الحكم الجائر يأتي في إطار التغول على السلطة القضائية، والحبس الاحتياطي الذي تحوّل إلى عقوبة رادعة، وفي إطار تجديد قانون الطوارئ كل ثلاثة أشهر، وضمن سياق التعديلات الدستورية التي أعطت للسيسي الحق في مد فترة الرئاسة، رغم أن الدستور نص على عدم تغيير المواد المتعلقة بمدد الرئاسة، ويأتي في إطار انهيار نظام العدالة بأكمله، وتسييس القضاء وأحكام الإعدام الجماعية، فضلا عن التحرش الدائم بمنظمات حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني، ما أدى لانهيار منظومة حقوق الإنسان تماما، وهناك أشياء وأمور أخرى كثيرة جدا في سياق الحكم ضد الصديق بهي الدين حسن.  

هل الحكم ضد "بهي الدين حسن" يأتي في سياق عسكرة المجتمع المصري وسيطرة الجيش على مجمل القطاعات؟


هذا الحكم أصلا هو انعكاس لحالة في المجتمع المصري بدأت منذ عام 1952 مع ترسيخ حكم العسكر، وامتداد هذا الحكم طوال هذه العقود حتى ثورة يناير، التي كانت خديعة كبرى استغلها جنرالات الجيش الذين تلاعبوا بكل القوى السياسية المصرية لترسيخ حكم العسكر. وقبل انقلاب 2013 كانت الأمور تسير على استحياء، حيث كان "مبارك" و"السادات" يرسخون لوضعية الجيش في الحياة المدنية - وخاصة الاقتصاد والسياسة – لكن على استحياء، إلا أن السيسي كشف كل الأوراق التي من شأنها تثبيت حكم العسكر بطريقة فجة، لدرجة أن الجيش أصبح اللاعب الوحيد في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المصرية.

وأصبح الجيش المصري الآن يتحكم في 60% من الاقتصاد، ويتحكم في كل المشروعات الصغرى والكبرى، ويتحكم في سوق العرض والطلب بالسوق المصري. والجيش اليوم يسيطر على الإنتاج الفني وبات ينتج أفلاما ومسلسلات درامية وأغاني، بالإضافة إلى سيطرته على الرؤية الثقافية والفكرية للرأي العام المصري، ويقوم حاليا بتعيين نواب للمحافظين في كل محافظات مصر من شخصيات عسكرية، والمحافظين أنفسهم شخصيات "عسكرية"، لأنهم كانوا لواءات بالجيش في السابق. وبلا شك بات الجيش ومخابراته الحربية مسيطرين حاليا على كافة جوانب الحياة في مصر.

لماذا لم يقم مجلس النواب المصري بوظيفته التشريعية والرقابية وحماية حقوق الإنسان؟ وما رأيكم في انتخاب مجلس الشيوخ؟


الانتخابات هي من مآسي الوضع الحقوقي في مصر؛ فكلنا رأينا ما جرى في مجلس النواب المنتهية ولايته، والذي كان شيئا في منتهى العبث، ولم يشهد التاريخ الحديث، ليس في مصر فقط بل في كل دول العالم، مجلس نواب بهذا الشكل؛ فلأول مرة طوال حياتنا نسمع أن هناك برلمانا كل أمنياته وطموحاته أن ينال رضا السلطة التنفيذية التي من المفترض أن يمارس دوره الرقابي والتشريعي على هذه السلطة، حيث أصبح البرلمان المصري حديقة خلفية للسلطة التنفيذية، ولتنفيذ أوامر الرئيس السيسي، وأصبح يفرض قوانين الجباية والضرائب والقوانين المُقيدة للحريات على نطاق واسع ضد الجماهير الشعبية التي انتخبته كمُمثل لها في البرلمان، وكان من المفترض أن يُعبّر عن احتياجاتها وطموحاتها، إلا أنه في الحقيقية يُعبّر عن إرادة السلطة التنفيذية أكثر مما يُعبّر عن إرادة الشعب المصري.

والمُضحك أيضا، ما نحن بصدده من انتخابات خاصة بمجلس الشيوخ، والذي يمثل غرفة ثانية للبرلمان في بلد أوضاعها الاقتصادية متدنية جدا وتُنفق المليارات على مجلس شيوخ سيكون الوجه الآخر لمجلس النواب.

ونحن إزاء إرادة سياسية منعدمة في توفير الحقوق والحريات أو كرامة وعدالة اجتماعية أو في توفير الحد الأدنى من الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والثقافية للمواطنين، وبالتالي فهم يقومون بإهدار ميزانية الدولة في إنشاء غرفة ثانية سوف تكون مُطيعة وستؤدي دور الحليف للسلطة التنفيذية في مواجهة الجماهير الشعبية.

كما أن تحويل 54 مليون مصري إلى النيابة العامة لتخلفهم عن المشاركة في انتخابات مجلس الشيوخ شيء مضحك جدا، ومأساة كوميدية، لأن هذا لا يجوز وغير قانوني بالمرة وفقا للدستور المصري وكافة المواثيق والقوانين الدولية التي تعطي الحق لأي مواطن في الترشح والانتخاب، وفقا لإرادته الحرة دون أي ضغوط أو إجبار بأي صورة من الصور.

كيف تنظر إلى "قانون التصالح في مخالفات البناء" وتأثيره على الاستقرار المجتمعي؟ وما موقعه بين الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ومنظومة الفساد المستشري بعهد السيسي؟


هذا قانون في منتهى الغرابة، لأنه على مستوى التوقيت يتم طرح قانون يُهدد الاستقرار المجتمعي في ظل جائحة كورونا التي تسببت في حالة شلل للعالم أجمع، إلا أن نظام السيسي يقوم بتشريد الناس في الشوارع ويقوم بهدم بعض المنازل على رؤوس أصحابها، في ظل تفشي وانتشار وباء لا يرحم أحد، ويخلق صراعا بين المالك والمستأجر، لأن القانون لم يحدد مَن هو المنوط به دفع مخالفة البناء، وهذه المخالفات بُنيت طوال عقود من الفساد الإداري للدولة، لأنها كانت قرارات دولة وتصاريح حصل عليها المواطنون من الأحياء والمحافظات، والدولة هي المسؤول الأول عن هذه المخالفات، ونصف الثروة العقارية في مصر مُخالفة للبناء، وبدلا من طرح قانون يُعاقب الأهالي، كان ينبغي دفع تعويض هؤلاء المواطنين وتوفير بديل قبل هدم المنازل.

والسيسي يقوم بشكل دائم بإصدار قوانين من طرف واحد، وهي قوانين الجباية والضرائب رغم الارتفاع الجنوني في الأسعار، لدرجة أنه يفكر في فرض ضريبة على دفن الموتى، لأنه يود فرض الضرائب على كل شيء في مصر، ولم يترك فرصة واحدة للمصريين من أجل التنفس، وهذا ما يُذكّرنا بقوانين الجباية التي كان يتم فرضها في عهد المماليك الذين فرضوا الضرائب لدرجة المجاعة.

ما هي رؤيتكم لحجم الفساد حاليا في ظل سيطرة جنرالات القوات المسلحة على كافة الموارد؟ وبوصفك حقوقيا، ما موقع مصر في المؤشرات والتقارير الدولية؟


وأيضا الفساد في المجتمع المصري، ونحن في البرنامج العربي لنشطاء حقوق الإنسان في مصر عملنا لسنوات طويلة على برامج ومشروعات كثيرة متعلقة بمكافحة الفساد، واكتشفنا أننا على أبواب عش الدبابير، ولم نستطع الدخول لهذا العش.

والنظام المصري فاسد إلى النخاع، وقد طُرحت أقاويل كثيرة حول فساد هذا النظام، كالذي طرحه المقاول المصري محمد علي حول بناء قصور الرئاسة وغير ذلك الكثير. هذا النظام السياسي، وهذا الرئيس، مُنحاز انحيازا مطلقا للطبقات الغنية والرأسمالية ولرجال الأعمال، ويعمل ليل نهار ضد الكادحين ومحدودي الدخل والفقراء.

والفساد منتشر في كل ربوع مصر، رغم أن الدولة المصرية موقعة على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (UNCAC) عام 2005، ومُلتزمة بتطبيق كل بنود هذه الاتفاقية، كما أنها مُلتزمة – وفق هذه الاتفاقية- بتأسيس هيئة مستقلة لمكافحة الفساد بعيدا عن السلطة التنفيذية، ومُلتزمة بتقديم تقارير دورية عن الفساد.

وللأسف موقعنا في مؤشر مدركات الفساد في منظمة الشفافية الدولية في العشر دول الأخيرة، ومصر تقبع في العشر دول الأخيرة في كل شيء، حيث إن كل التقارير والمؤشرات الدولية التي تقوم بها منظمات كبيرة ومستقلة ومحايدة ولها مصداقية كبيرة في المراتب الأخيرة، مثل مؤشر مدركات الفساد، وجوده التعليم، ومؤشر السعادة والاستهلاك، ومؤشر الديمقراطية وسيادة القانون.

وعلى أيدي هذا النظام تراجعت مصر وانهارت كل الأنساق؛ فالمنظومات الاقتصادية والسياسية والحقوقية والإعلامية في حالة انهيار مروع؛ فهذا النظام لا يشغله سوى شيء واحد فقط، وهو الترويج لمشروعات وهمية لم يستفد المصريون منها أي شيء على الإطلاق، ومشغول بترقية وضع الجهات والهيئات التي يقدم لها رشاوى كالجيش والقضاء والشرطة، ولم يحضر تخريج أي دفعة من دفعات كليات الطب أو الهندسة أو الحقوق أو الآداب طوال سبع سنوات، لأنه لا يحضر سوى حفلات تخرج الكليات الحربية والعسكرية والشرطية. هذا الرئيس مُنحاز إلى عسكرة المجتمع ونجح في ذلك إلى حد كبير.

ما تجليات وتداعيات انتشار الفساد بمصر وقيام النظام السياسي بتعديل عشرات القوانين دعما للفساد والفاسدين في مخالفة صريحة مع الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد والدستور المصري؟


إمعانا في الفساد الذي يحدث في مصر القرارات التي تصدر شهريا أو كل شهرين على الأكثر بتخصيص قطعة من أراضي الدولة المصرية إلى القوات المسلحة والهيئة الهندسية بدون حساب، وهناك ميزانيات بالكامل لا يعرف عنها المصريون أي شيء، ومنذ عامين تقريبا كان هناك خبر تحدثت عنه كل وسائل الإعلام المصرية بأن هناك 300 مليار جنيه في الموازنة العامة مفقودة ولا نعرف أين ذهبت. هل هذا معقول أن يتم فقد 300 مليار جنيه من الموازنة العامة دون أن يعرف عنها أحد أي شيء، ولا يُعرف مصيرها على الإطلاق؟

وبالتالي، ليس غريبا بهذه السلسلة الطويلة من الفساد الرهيب أن يقوم رئيس الجمهورية بتحويل عدد كبير من الأصول إلى صندوق تحيا مصر الذي لا يوجد أي نوع من أنواع الرقابة عليه، بل على العكس استطاع البرلمان المنتهية ولايته والرئيس الحالي تغيير قوانين لم يجرؤ جمال عبد الناصر أو "السادات" أو "مبارك" على تغييرها، مثل القانون الخاص بتعيين وإقالة رؤساء الأجهزة الرقابية كالجهاز المركزي للمحاسبات (أعلى جهاز رقابي)، وهيئة الرقابة الإدارية، والجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، حيث تم في عهد السيسي تغيير هذه القوانين حتى يستطيع هذا الرئيس إقالة وتعيين رؤساء هذه الأجهزة التي من المفترض أن تكون مسؤوليتهم الأولى هي مراقبة الأعمال والتصرفات المالية والإدارية لمؤسسة الرئاسة ليبحث عما إذا كان هناك بداخلها فساد أم لا.

ورئيس الجهاز المركزي للمحاسبات السابق، المستشار هشام جنينة، أحد ضحايا هذا الفساد عندما تتحدث عن أن تكلفه الفساد في مصر تكلف نحو 600 مليار جنيه في السنة الواحدة، وهذا شيء مروع وضخم للغاية، وتم حبسه والاعتداء عليه في الشارع، كي لا يتحدث ثانية؛ فقد كان الرجل يتحدث عن الكم الرهيب للأراضي التي قامت القوات المسلحة الأجهزة السيادية مثل المخابرات العامة والمخابرات الحربية بالاستيلاء عليها بلا حساب، وكأنها عزبة، وهذا إرث الحقبة الناصرية، لأن جمال عبد الناصر وَرِثَ مصر والمصريين إلى جنرالات المؤسسة العسكرية باعتبار أنهم ملكية خاصة.

ما رأيكم في منظومة السجون الآن في ظل تكدسها وزيادة عدد الوفيات بداخلها ومنع الزيارات والإهمال الطبي؟ وما دلالات بناء 26 سجنا جديدا في عهد "السيسي"؟


الطامة الكبرى في مصر الآن هي وضع السجون والمعتقلات وأماكن الاحتجاز؛ فلدينا أمرين نستند إليهما في القانون في هذا الصدد، وهما القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء الصادرة عن الأمم المتحدة، والتي تحدد الطرق والوسائل والأليات الخاصة بالسجن وتشريعاته، والتي قامت مصر بالموافقة والتصديق عليها، والأمر الأخر يتمثل في القوانين واللوائح المصرية للسجون. والشيء الخارق للعادة أن النظام "الفاجر" الذي حكم مصر الآن لم يمتثل لأي من هذين القاعدتين القانونيتين، بدءا من قتل 37 مواطنا في سيارة الترحيلات الشهيرة في آب/ أغسطس 2013 في شدة الحر بعد إلقاء قنابل مسيلة للدموع داخل عربة من الصفيح رغم تكدس السجناء بداخلها، ولم يتم محاسبة المسؤولين عن هذه جريمة حتى الآن، رغم أنها كارثة كبرى.

وأعداد السجناء السياسيين التي تتراوح من 70 إلى 90 ألف سجين تزعج المجتمع الدولي، ومعظمهم معارضين سلميين لم يرتكبوا أي جرائم على الإطلاق. والحقيقة في عهد السيسي تم بناء 26 سجنا جديدا من إجمالي 68 سجنا في عموم مصر، وهي دولة كل حصيلة السجون بها على مدى 5 آلاف سنة بلغت 68 سجنا، بينما في 7 أعوام فقط تم بناء 26 سجنا، وهذا أمر له دلالة وانعكاسات خطيرة جدا، فمن يُعبّر عن أي رأي من آرائه بأي طريقة يتم سجنه فورا، ويتم تحويل الكثيرين للمحاكم العسكرية ومحاكم أمن الدولة، وتم فرض المزيد من القيود إلى درجه لم تحدث طوال تاريخ مصر.

كنّا نستشهد بعهد جمال عبد الناصر باعتباره النموذج الفج في الاستبداد والقمع، إلا أن ما يحدث الآن تجاوز بمراحل مرحلة الناصرية، وتجاوز حافظ الأسد في سوريا، وصدام حسين في العراق، ومعمر القذافي بليبيا، خاصة في ضوء ما يحدث في مصر الآن من اعتقال، واختفاء قسري، وتعذيب للمواطنين، وحرمان الأسر والأهالي من زيارة ذويهم السجناء، والإهمال الطبي المتعمد الذي راح ضحيته ما بين 900 إلى 1200 سجين خلال السبع سنوات الأخيرة داخل سجون هذا النظام المستبد.

هل انهارت منظومة العدالة في مصر بسبب تسييس القضاة وعدم استقلاليتهم؟


نظام السيسي قام بالتغول الكامل، والسيطرة والهيمنة الكاملة على السلطة القضائية، إما عن طريق الرشاوى أو القمع والتهديد. والمناخ العام الذي فرضه النظام جعل هناك رقابة ذاتية لدى القضاة الذين يقومون بإعطاء مدد زمنية مفتوحة للحبس الاحتياطي، وهناك معتقلين ماتوا في السجون، ومنهم مَن انتحر بعد خروجه من محبسه بسبب المدد الطويلة التي يقضونها داخل السجون بدون أي ذنب.

والسلطة القضائية التي كانت تملك هامشا من الاستقلال في عهدي "السادات" و"مبارك"، أصبحت الآن تابعة وخاضعة تماما للنظام المستبد، وباتت مجرد أداة سياسية في يده. وقد انهارت منظومة العدالة على نحو مخيف، لأنها كانت المنقذ للمصريين، الآن القضاء المصري لا ينصف المظلومين إذا تم الاعتداء على حقوقهم على أي مستوى، لأنه صار جزء من السلطة التنفيذية والنظام الحاكم.

 

والسيسي حوّل الصراع السياسي في مصر إلى صراع وثأر شخصي، وينتقم بقسوة من خصومه الشخصيين، وبشكل خاص كل مَن ساهم وشارك في ثورة يناير، وبالتالي فنحن بصدد رئيس عصابة ينتقم من كل خصومه.

ما رأيكم في الحياة السياسية بمصر الآن؟ وما تأثير القمع والاستبداد على المنظمات الحقوقية والأحزاب والنقابات وكافة القوى المجتمعية؟


هذا الوضع المرزي المتعلق بأوضاع حقوق الإنسان خلق وضعا مستكينا للقوى السياسية والاجتماعية في مصر التي كانت نموذجا في العالم العربي في قواها الحيّة السياسية والمدنية، فمصر الآن تشهد شللا تاما في الحركة والقوى السياسية وقواها الحيّة، وهذه القوى منوط بها التغيير الاجتماعي والسياسي في محطات الاستبداد التي تشهدها بلادنا، بالإضافة إلى الاستقطاب السياسي الحاد الذي خلقه النظام العسكري بين القوى المدنية وتيار الإسلام السياسي جعل من المستحيل أن يكون هناك حوار في هذه اللحظة.

وفي تقديري، الظروف الموضوعية لم تنضج بعد إلى أن تلتقي الأطراف السياسية المختلفة، والمُستقطبة على أرضية صراع سياسي وديني ومدني، ولن تلتقي هذه القوى قريبا، وكل ما أتصوره أن السيناريو القادم في مصر هو ثورة جياع وفوضى لن تلتئم إلا بعد سنوات طويلة سوف تأكل الأخضر واليابس في طريقها، وسيدفع العسكر ثمنا غاليا لضياع الدولة المصرية بسبب مجموع السياسات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والاستبدادية والعنيفة التي يمارسها النظام في الوقت الراهن.

ما هي رؤيتكم لمستقبل الأوضاع في مصر؟


يمكنني القول إن محصلة هذا الوضع هو ما ترسخ طوال عقود طويلة، وجنرالات الجيش الذين يتحكمون في مصير الدولة المصرية تضامنوا مع الشعب المصري في ثورة 25 يناير للخلاص من سيناريو التوريث، لأنهم يريدون ألا يحكم مصر أي شخص مدني على الإطلاق، وهذا أمر مفصلي في عقيدة العسكر، وسيظلوا هم مَن يحكمون مصر باعتبارها العزبة الخاصة بهم التي توارثوها عن آبائهم وأجدادهم، وبالتالي لعبوا دورا في ثورة يناير بشكل تمثيلي وخداعي بشكل رهيب، وبمجرد إجهاض سيناريو التوريث انقلبوا على المصريين بكل قواهم من خلال العصا والجزرة، وخلقوا هذا الصراع الذي أعتقد أنه سيستمر لسنوات طويلة، وهذا الوضع مؤسف ومحزن.

وانشغال العالم بجائحة كوفيد-19 أعطى هذه النظم المستبدة الضوء الأخضر لأن تستمر في قمع شعوبها كما تشاء، وأن تفتح سجونا جديدة، وتقتل خارج نطاق القانون، وهذا النظام المستبد لم يترك فرصة أو مجالا لأي قوى سياسية أو اجتماعية أو حقوقية أن تفعل شيئا، وأؤكد أن مصر مُقبلة على ثورة جياع، وفوضى وخراب يعلم الله مداه، ومع ذلك نأمل أن ننتهي من هذا النظام المستبد قريبا.

"حجاج نايل في سطور"


هو محام وناشط حقوقي وكاتب، حاصل على درجة الماجستير في القانون الدولي جامعة إنديانا الأمريكية. شغل منصب مدير البرنامج العربي لنشطاء حقوق الإنسان (1997 – 2018). أشرف وشارك في مئات الأنشطة والمطبوعات والأبحاث والمؤتمرات الإقليمية والدولية والمحلية، وعمل كسكرتير عام للتحالف العربي من أجل دارفور والسودان (2007 – 2018).

تولى "نايل" رئاسة فرع منظمة الشفافية الدولية بمصر (2014 – 2018)، ويشغل منصب مدير ومؤسس منظمة نشطاء من أجل حقوق الإنسان بكندا منذ عام 2019. وكتب عشرات المقالات في صحف "الحياة اللندنية"، و"القدس العربي"، و"الأهرام المصرية"، و"جريدة البداية"، و"جريدة الوفد المصرية". وصاحب موقع فرعي في موقع الحوار المتمدن به عدد كبير من المقالات.

وشارك "نايل" في العشرات من البرامج التلفزيونية كضيف دائم على قنوات "الجزيرة"، و"التلفزيون العربي"، و"سي إن بي سي عربية"، و"أون تي في"، و"البي بي سي"، و"المستقلة"، و"إيه إن إن"، وجميع قنوات التلفزيون المصري، وقنوات أخرى.

التعليقات (0)