كتاب عربي 21

عن قطر والتطبيع قبل وبعد الهرولة الجديدة.. والكويت أيضا

ياسر الزعاترة
1300x600
1300x600

لم أرَ أحدا يوفّر دعاية لنظام قطر مثل الأبواق إياهم، وذلك بربط كل مناهضي التطبيع، و"الثورة المضادة" بها، وبتركيا إلى حد ما، وسبيلهم إلى ذلك هو الحديث عن سيرة قطر السابقة في التطبيع.


للتذكير فقط؛ كاتب هذه السطور لم يتردد لحظة واحدة في إدانة المراحل السابقة من التطبيع القطري (كانت من بين الأكثر سوءا)، ولا بعض ممارسات التطبيع الحديثة، وأهمها التطبيع الرياضي. حدث ذلك من خلال مقالات عديدة، فضلا عن تغريدات كثيرة فيما جدّ بعد زمن "تويتر".


لكن السياسة بتعقيدها وتركيبها تجعل التقييم العام للمواقف، ليس خاضعا لجانب واحد؛ إن كان في ملف الصراع مع الصهاينة، أم في قضايا الأمة الأخرى، لا سيما من قبل دول صغيرة لها حساباتها الكثيرة. 


ما يعنينا راهنا أكثر من أي شي آخر، هو سؤال المستقبل، وماذا إذا كانت قطر ستلتحق بقطار التطبيع الجديد، في ظل ضغوط كبيرة تعرّضت، وستتعرّض لها على الأرجح، لا سيما أن الصهاينة في حالة سعار غير مسبوق بعد الاتفاق الإماراتي والبحريني، ولن يترددوا في ممارسة أقصى الضغوط عليها، بجانب المساومة والابتزاز، وقبلها على السعودية التي يُراد منها أن تلتحق سريعا، وبالطبع تبعا لرمزيتها الدينية كحاضنة للحرمين الشريفين، فضلا عن دول أخرى كما هو حال الكويت التي هاجمها "كوشنر" بصفاقة، وحرّض عليها بسبب مواقفها الرائعة على هذا الصعيد، ثم جاء ترامب ليبشر بانضمامها لقافلة التطبيع.
نقول ذلك بعد أن قال ترامب في احتفال البيت الأبيض يوم الثلاثاء المشؤوم (15 أيلول)، والذي تم خلاله التوقيع على اتفاق التطبيع مع الإمارات والبحرين.. قال إن "هناك 5 أو 6 دول أخرى قد تنضم إلى توقيع اتفاقية مع إسرائيل قريبا"، مضيفا: "نجري محادثات متقدمة مع 5 أو 6 دول أخرى"، ثم عاد وجعلها 7، بعد حديثه عن الكويت.


نفتح قوسا من أجل الإشارة إلى أن هناك مبالغات مقصودة في رقم الدول التي ستطبّع، وهي مقصودة، وتمثل نوعا من أنواع التشجيع للمترددين، مع العلم أن هناك وعودا إماراتية بالدعم تتدفق على البعض من أجل الالتحاق بالركب، كما هو حال السودان مثلا.

 

سؤال المستقبل، يستدعي تقييم الماضي على الصعيد المطلوب. وأنا شخصيا أعلم تماما، وربما كثير من القراء، تطورات العلاقة بين قطر والكيان الصهيوني منذ النصف الثاني من تسعينات القرن الماضي، وصولا إلى المرحلة الراهنة، لكنني أحببت أن أنقل هنا تفاصيل ذلك من خلال كاتب صهيوني معروف، هو "إيال زيسر" الذي تحدث عن الأمر في تحليل له بصحيفة "إسرائيل اليوم" المقرّبة من نتنياهو، ونشره بتاريخ 14 من شهر أيلول الجاري، وبالطبع لأن البعض سيجادل في الأمر؛ كالعادة. هذا مع العلم أن تحليله ينطوي على اتهامات ومبالغات تنطلق من وجهة نظر صهيونية.


كان الكاتب يتحدث في سياق الاحتفال باتفاق التطبيع الإماراتي، ومن بعده البحريني، ويعدد مزايا الإمارات ودورها، على وجه التحديد، ومن هنا وصل إلى ملف العلاقة مع قطر. 


يقول الكاتب: "من سعت إلى تحقيق موقع التاج لنفسها في العقود السابقة هي إمارة قطر. فقد دعت قوات أمريكية إلى أراضيها.. أطلقت الفضائية الأولى في العالم العربي "الجزيرة". بل وفي النهاية دفعت إلى الأمام بعلاقاتها مع إسرائيل أيضا. غير أنها فقدت الزخم وتراجعت إلى الوراء في سلسلة قرارات مغلوطة حين استبدلت الحداثة؛ بل والعلاقات مع إسرائيل بالتطرف الإسلامي".


وأضاف: "لقد اعتقد حكام قطر خطأ بأن التطرف والعداء لإسرائيل هما اللذان سيضمنان مركزيتها في المنطقة. ولكن ما حصل هو العكس تماما، إذ فقدت قطر مكانتها في الخليج وفي العالم العربي. وفقط إسرائيل، بغير حكمة، تمنحها حفنة من الشرعية حين تسمح لها بأداء دور وسيط بينها وبين تنظيم حماس. يخيّل إليّ أن التوقيع على اتفاق السلام مع الإمارات ومع البحرين يمثل فرصة ممتازة لإعادة قطر إلى مكانها الطبيعي.. تركها في الحصار كإمارة منعزلة للإرهاب وللتطرف".


ينتهي "زيسر" إلى القول: "مهما يكن من أمر، فقد تجاوزت الإمارات قطر، وكذا الكويت، التي بنكران مميز للجميل ترفض مثل قطر مساعدة الولايات المتحدة بجهودها للتقدم في الاستقرار في المنطقة والسلام بين إسرائيل والعرب. قطر: Out، بينما الامارات: In. هذه البداية فقط. عبر التوقيع على اتفاق السلام معها تكسب إسرائيل، ليس فقط حليفا، بل أيضا شريكا استراتيجيا ذا قدرات يلعب دورا متزايدا في العالم العربي".


المقال لا يوصّف تطورات العلاقة بين قطر والكيان الصهيوني سابقا وراهنا، بل يقيّمها أيضا، حيث يرى أن قطر الآن معادية "ومتطرفة"، وداعمة للإرهاب، أي أنه يحرّض عليها، وعلى الكويت أيضا، كما في النص السابق.


هل يتعلق الأمر بكاتب ومقال؟


كلا بالطبع، فالتحريض في الصحافة الصهيونية التي تعكس المزاج السياسي للكيان، لا يتوقف، والذي يعني بالضرورة تحريضا من قبل الدوائر السياسية.


وإذا تذكّرنا أن محاصِري قطر، يمارسون التحريض بدورهم، وتذكّرنا حالة السعار الصهيونية الراهنة، فإن الطبيعي أن تكون هناك ضغوط صهيونية أمريكية شديدة على قطر، كي تلتحق بركب التطبيع، وسيكون الوضع أسوأ بكثير في حالة تورّطت السعودية في ذات المسار، ولا يُستبعد أن يُعرض على قطر إنهاء الحصار الخليجي مقابل ذلك.

 

الضغوط ستشمل الكويت أيضا، وستشمل دولا أخرى ممن يُؤمَّل أن تستجيب، ومن بينها السودان والمغرب وعُمان، والسعودية كذلك تبعا لحالة التردد الراهنة التي يتخللها تبشير إعلامي رهيب بالتطبيع مع حملة ضد الفلسطينيين؛ ما يجعل سؤال النتيجة مطروحا بقوة.


ما يظهر إلى الآن من ردود الفعل القطرية (والكويتية أكثر وضوحا)، كما تعكسها وسائل الإعلام وبعض التصريحات السياسية، هو أن نية الالتحاق بقطار التطبيع الحالي ليست متوفرة، وهو بالتأكيد ما يتمناه كل الشرفاء؛ لا بالنسبة لها، ولا السعودية، ولا أي دولة عربية أخرى. ولا جدال في أن التورّط سيعني صداما مع الضمير الجمعي للأمة، ومن ثم انتظار هجوم مماثل لذلك الذي تعرّضت له الإمارات والبحرين. وإذا رأى البعض لها بعض الأفضلية تبعا لعدم انتمائها لمحور "الثورة المضادة"، وكذلك حال الكويت، فإن ذلك لن يُصلح الموقف، بقدر ما سيجعله أكثر سوءا وبثّا للإحباط في أوساط الأمة.


إن التحام الدول الرافضة للتطبيع مع بعضها البعض؛ هو الذي سيحول دون الاستفراد بها، ولنتخيّل ما سيكون عليه موقف الكويت مثلا، لو طبّعت قطر، لا سيما أنها (الكويت)، كانت وما تزال الأفضل عربيا من حيث ثبات مواقفها حيال القضية الفلسطينية، وبخاصة  فيما يتعلق بمسألة التطبيع، وإن تميّزت قطر بدعم واضح للمقاومة، وبخاصة "حماس".


لن يكون غريبا بالطبع أن تلتحق دول أخرى بقطار التطبيع، لكن بقاء الغالبية في معسكر الرفض، سيكون له دوره في وقف "الهرولة".


يبقى القول الأهم، وهو أن انتفاضة فلسطينية شاملة، هي ما سيهيل التراب على هذه المرحلة البائسة، تماما كما فعلت انتفاضة الأقصى (2000)، مع مرحلة تطبيع أكثر سوءا بعد "أوسلو" و"وادي عربة"، لكن هذه الانتفاضة لا زالت تعاني من مواقف قيادة رام الله التي تكتفي بالرفض، وتُحجم عن الفعل الذي لا شيء سواه يلجم الغزاة، ويقلب الطاولة في وجوههم، ووجوه المتواطئين معهم.

1
التعليقات (1)
رائد عبيدو
السبت، 19-09-2020 04:42 م
المبادرة البلفورية العربية هي أكثر سوءا من أوسلو، فهي تعطي الصهاينة ما احتلوه عام 1948، بدون أن تملك شيئا منه، رغما عن أصحاب الأرض وأثناء انتفاضتهم الشاملة، ولا تطالب سوى بما احتلوه عام 1967، وخريطة فلسطين التي تعتمدها مقتصرة على ذلك. فمدح من وافق عليها ومن ما زال يتمسك بها ليس إدانة للتطبيع، بل مدح لتطبيع صريح للاحتلال، يحوله من احتلال استعماري إحلالي إجلائي إلى دولة طبيعية من دول المنطقة احتلت مناطق من دول مجاورة عام 1967، وانسحبت من معظمها، وعقدت اتفاقيات سلام مع جيرانها، وترغب في عقد مزيد منها لتأمين حدودها ومواطنيها. كما أن بقاء علاقات الأنظمة مع النظام الأمريكي بعد مشاركته الصريحة في احتلال القدس والجولان ومناطق أخرى بالضفة الغربية يؤكد أنها أسوأ من السلطة الفلسطينية، وأنها لا ترفض حتى هذا الاحتلال، بل تستعد للتطبيع الشامل بلا مقابل سوى بقائها، ويبين أنها لا تحاول بمساعداتها للسلطة والفصائل تحرير أي شبر من فلسطين، بل تجميل علاقاتها مع الصهاينة، والضغط على الفلسطينيين للاستسلام والتنازل عن كل حقوقهم.