قضايا وآراء

جامعة القاهرة أقرب من إرتريا

1300x600
1300x600
سبعة أيام كانت كافية لكي تخرج وزارة الري المصرية بيانا تؤكد فيها أن الجولة الماراثونية التي شهدتها العاصمة السودانية الخرطوم بين أطراف أزمة سد النهضة وجنوب أفريقيا، الرئيس الحالي لمنظمة الاتحاد الأفريقي، لم تحقق أي توافق، على حد تعبير الوزارة، ما يعني بصريح العبارة أنها فشلت كما غيرها من الجولات التي سبقتها، فلا تزال النقاط الفنية والقانونية محل خلاف بين الأطراف، في وقت تستمر فيه إثيوبيا في طريقها نحو ملء السد.

لكن النظام المصري لم يهدأ ويعمل بكل قوة من أجل إفشال المخطط الإثيوبي على أي حال، ففي الوقت الذي يمارس فيه المفاوض المصري فضيلة الحوار، كان رأس النظام يستقبل العدو اللدود لإثيوبيا (رغم اتفاق السلام) الرئيس الإرتري أسياس أفورقي، في القاهرة. وفي المؤتمر الصحفي الذي جمعهما أكد رأس النظام في مصر على ضرورة دفع التعاون المصري الإريتري على مختلف "المستويات"، ما يعني أن السيسي يريد لإرتريا أن تنخرط في أزمته بشأن سد النهضة مع الجارة إثيوبيا.

الزيارة لحقت وفاة مغني أورومو الشعبي، هاشالو هونديسا، واتهام إثيوبيا دولة أجنبية بتدبير الحادث، ما ألقى بظلال أخرى لزيارة أفورقي، وإن كان الزيارة ليست الأولى فقد كان له زيارة سابقة العام الماضي، إلا أن توقيتها جاء مريبا، ما يراه المراقبون محاولة من الرئيس الإرتري لتذكير السيسي بوعوده بعد أن أوفى هو بوعوده، ولا يزال، لكن تجديد الوعود لا يضر، في ظل مستجدات الوضع الإقليمي، فدكتاتور إريتريا كما نظيره المصري لا ينفك عن بيع أي شيء مقابل الرز، حتى ولو كان من إسرائيل أو إيران المتجاورتين في أرخبيل دهلك بسلام.

الحل العسكري والمخابراتي المهيمن على عقلية صانع القرار ومتخذه في مصر الآن يعقد الأمور بلا شك، فإثارة القلاقل واللعب على المتناقضات في إثيوبيا أمر ولى زمنه. فرئيس الوزراء في إثيوبيا الآن من أورومو ولم تعد القومية الأورومية تشعر بما كانت تعيشه في زمن ما قبل آبي أحمد، وعملية السلام المجتمعي الذي أسس له آبي أحمد يشتد بنيانها يوما بعد يوم. فاللعب على هذا الوتر، أو فكرة الاغتيالات كما حدث لمدير مشروع السد منذ عام، كلها أفكار صبيانية، لا تحل الأزمة ولكن تعقدها، لكن دوافع هذه القرارات مدفوعة بحلة اليأس الذي يعيشه النظام، إذ يعلم جيدا أن إثيوبيا أهم للولايات المتحدة من مصر في القرن الأفريقي، ويعلم أن أوروبا تسعى لتوطيد علاقاتها بإثيوبيا مع دخول الأخيرة دنيا النهضة الشاملة المبني على السد، والصين تمول السد وتحلم بنصيب كبير من كعكة التنمية في إثيوبيا، حتى كفلاء النظام المصري في الخليج حولوا رزهم إلى إثيوبيا، سواء من أجل الموانئ أو من أجل الاستثمارات المنتظرة بعد السد.

لذا.. فإن جامعة القاهرة أقرب من إرتريا وجنوب السودان، وأقرب من الضغط على الزناد وإرسال القوات واستعراضها في البر والبحر والجو، وإن كان كل ذلك من سبل الاستهلاك الشعبي الجماهيري، فالنظام يعلم أنه لا يستطيع تحريك لا طائرة ولا بارجة حربية ولا حتى جندي من غير موافقة المجتمع الدولي وأمريكا على الأخص. ولأنه يعرف أن الغرب والشرق أصبحت مصالحه مع إثيوبيا، فإن حفظ ماء الوجه بعمليات صبيانية، لا يحفظ مياه النيل، وعلى النظام أن يأخذ بصوت العلم قليلا.

خلال الأسابيع القليلة الماضية وأنا أبحث عن الحلول وأسمع المناقشات وأقرأ التحليلات والمخرجات لمؤتمرات عقدت منذ 2013 وحتى أشهر قليلة، وجدت أن هناك من علماء الجغرافيا الطبوغرافية والجيولوجيا وهندسة الري والهندسة المدنية والميكانيكية وغيرهم من العلماء يضعون حلولا، ولن تقف الحلول عند الحلول الهندسية، ولكن كما ذكرت في مقال "الحلول الإبداعية طريق مصر في أزمة سد النهضة"، يجب أن تتضافر جهود الجميع من أجل إيجاد حلول لهذه الكارثة المقبلة على مصر. إذ يبلغ الفقر المائي في مصر ما يقارب الــ40 مليار متر مكعب أو يزيد، تعوضه الحكومة بإعادة صب مياه الصرف الزراعي والصحي والصناعي في النيل مرة أخرى، ما يسبب أمراض الكبد والكلى والسرطانات التي تزايدت في مصر في الآونة الأخيرة. فمن ضمن الحلول القديمة المتجددة الاستفادة من نهر الكونغو الذي تهدر جل مياهه، البالغة 1284 مليار متر مكعب، بدون استغلال لتصب في المحيط الأطلسي.

ومع أن الحلول الأمنية لم تعد تفيد، ومع أن الوضع أصبح واقعا، ومع أن السد بدأ بالفعل في الملء، ومع أن العالم أصبح يتشارك على مبدأ المكسب للجميع، ومع أن هذه الحلول ليست جديدة، فإن الحديث عنها يعد من ترف القول، لكن.. لقد أسمعت إذ ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي.
1
التعليقات (1)
ابو عمار
الأربعاء، 15-07-2020 09:19 ص
مقال جيد ويؤخذ فى الاعتبار التمويل المصرى لبناء سواء عن طريق البنوك كما هو معلوم أو الشركات أو الأفراد. كل ذلك بدافع الوطنية وحب مصر وتحيا مصر وفقك الله