مقالات مختارة

اعتداءات سايبرية تستهدف إيران

سعيد الشهابي
1300x600
1300x600

برغم التكتم الإيراني على انفجارين في موقعين مختلفين الأسبوع الماضي، فثمة ما يشير إلى تصعيد حقيقي من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الإسرائيلي ضد مشروع الصواريخ الإيرانية. وبهذا يمكن القول إن جبهة جديدة من المواجهة قد فتحت في صراع يتخذ أبعادا دولية خطيرة، في ظروف تشهد توترا سياسيا في العلاقات بين ما يمكن تسميته مجازا «الشرق والغرب».
الحرب على الصواريخ الإيرانية بدأها الرئيس الأمريكي بعد وصوله إلى الرئاسة قبل أكثر من ثلاثة أعوام، واتخذ اولى الخطوات لشنها بسحب الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية بين الأمم المتحدة وإيران بعد سنوات من النقاش، شمل مجموعة 5+1 (الدول الخمس الدائمة العضوية بمجلس الأمن الدولي ومعها ألمانيا). وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، حاول التحالف الأمريكي – الإسرائيلي تشكيل موقف دولي داعم، ولكنه لم يستطع ذلك سوى مع السعودية والإمارات. وقبل توقيع الاتفاق النووي في العام 2015، تعرضت المنشآت النووية الإيرانية لاستهدافات سرية عديدة. ومن ذلك اغتيال العلماء والاعتداءات الإلكترونية (السايبرية) وتكثيف الحصار الاقتصادي والاستهداف المباشر، وقصف حلفاء إيران في العراق وسوريا ولبنان، واغتيال الرجل الأمني الأول، الجنرال قاسم سليماني.


في أيار- مايو 2003 قدم نائب رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي تامر بادرو، خطة تحتوي استراتيجية سرية لوقف المشروع النووي الإيراني لرئيس جهاز الموساد، مائير داغان. تضمنت الخطة أمورا عديدة من بينها اغتيال علماء الذرة الإيرانيين واستهداف المنشآت النووية إلكترونيا لضربها أو تعطيلها، والضغط على أمريكا لجرها لمواجهة مع إيران أو استهداف منشآتها بضربات عسكرية. وعلى مدى العامين التاليين، اغتيل أربعة من علماء الذرة الإيرانيين: مسعود علي محمدي، مجيد شهريار، داريوش رضائي نجاد ومصطفى أحمدي روشن، واصيب فيريدون عباسي بجروح. الثاني: استهداف المنشآت النووية الإيرانية بفيروسات إلكترونية، من أشهرها آستكسنت» في العام 2010 الذي عطل العديد من الوحدات شهورا. الثالث: تصعيد الضغط السياسي على المستوى الدولي لحث الدول الكبرى على استهداف إيران. الرابع: التحريض على النظام الإسلامي من الداخل، والاستفادة من الاضطرابات التي حدثت في العام 2009، عندما خرجت الاحتجاجات والتظاهرات في مناطق واسعة، شارك فيها بعض الرموز القيادية مثل حسين موسوي، وهو رئيس وزراء سابق، والشيخ مهدي كروبي وآخرون.
الواضح أن الإيرانيين استوعبوا مغزى الخطة الإسرائيلية، ولم يرجحوا التصعيد المباشر مع «إسرائيل»، خصوصا في ضوء العقوبات الاقتصادية المشددة وتراجع اقتصادها نتيجة ذلك الحصار. كانت أولويتهم آنذاك تفادي الحصار وكسر التحالف الدولي الذي استهدفهم منذ العام 2003 عندما ظهر إلى العيان حجم مشروعهم النووي. الإسرائيليون استطاعوا على مدى السنوات العشر اللاحقة تنفيذ بعض جوانب الخطة، ولكنهم فشلوا في تحقيق اختراق سياسي دولي خصوصا في ظل رئاسة باراك أوباما. فقد سعى لتخفيف حدة التوتر بين البلدين، وكان من نتائج سياسته توقيع الاتفاق النووي المذكور في العام 2015. استفاد الإيرانيون من ذلك وبدأت الضغوط السياسية والاقتصادية التي أضرتهم كثيرا بالتراجع. ولكن وصول الرئيس الأمريكي الحالي، دونالد ترامب إلى الرئاسة عام 2017 أعاد الأمور إلى الوراء، فكان استهداف إيران ومشروعها النووي على قائمة أولوياته. وفي 8 أيار- مايو 2018 نفذ ترامب وعده وسحب بلاده من الاتفاق، وبذلك بدأت مرحلة من التوتر بين واشنطن وطهران، وقضت على ما أنجزه اوباما طوال ثمانية أعوام من الجهود الدبلوماسية.
عندما وافقت طهران على توقيع الاتفاق النووي وأنهت اللغط حول عزمها تصنيع السلاح النووي، كانت تسعى لحماية مشاريعها الدفاعية الأخرى، وفي مقدمتها المشروع الصاروخي. ففي غياب منظومة عسكرية جوية فاعلة، كانت إيران مكشوفة أمام أي عدوان مستقبلي محتمل. فقوتها الجوية تراجعت كثيرا عما كانت عليه في عهد الشاه الذي كان يحصل على أحدث الطائرات الأمريكية. ومنذ السنوات الأولى للثورة، وفي ذروة الحرب العراقية – الإيرانية رجحت القيادة الإيرانية تبني مشروع بناء الصواريخ ليوفر بديلا عمليا للطائرات المتطورة، ونجحت في ذلك بمستوى أرعب مناوئيها. وبرغم تطور أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، إلا أنها فوجئت بفاعلية ذلك المشروع خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان في العام 2006 وحربها ضد حزب الله. كان المخططون الإسرائيليون يعتقدون أنهم سوف يحسمون المعركة في غضون أيام، ولكن بعد 33 يوما من القصف المتواصل أدركوا استحالة هزيمة الطرف الآخر، فاضطروا لوقف العدوان. ودفعهم الشعور بالمرارة لجعل استهداف المشروع الصاروخي الإيراني هدفا جديدا بالإضافة للمشروع النووي. وتكرر عجزهم خلال عدوانهم على غزة في العام 2008-2009 ثم في العام 2014، فلم يتمكنوا الاستمرار في العدوان؛ لأن الصواريخ التي كانت لدى المقاومتين اللبنانية والفلسطينية أحدثت دمارا ماديا وبشريا لدى الإسرائيليين لم يكونوا يتوقعونه. وفي جميع تلك الحالات اتهمت إيران بتزويد المقاومة بالصواريخ وتكنولوجيا صناعتها. من هنا أصبح استهداف ذلك المشروع اولوية لدى المؤسسة الإسرائيلية.
ولكن فاعلية المشروع الصاروخي الإيراني لم تنحصر بالمواجهة مع قوات الاحتلال الإسرائيلية. ومرة اخرى أخفقت اجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والامريكية والسعودية في التقييم، فجاءت الحرب السعودية – الاماراتية – البحرينية على اليمن لتظهر نتائج مماثلة: إن السلاح المتطور لدى ذلك التحالف لم يكن كافيا لهزيمة اليمن. وقد مر أكثر من خمسة أعوام على تلك الحرب المدمرة التي أصبح شبحها يطارد الدول المشاركة فيها، وتمزق «التحالف» بشكل لم يتوقعه المخططون للحرب. هذه المرة تعدد المشاركون في الاعتداء على اليمن، فقد شمل التحالف 14 دولة رسميا بالإضافة للدعم اللوجستي والمعلوماتي والعسكري وعلى مستوى الخبراء من قبل كل من الولايات المتحدة وبريطانيا. وهنا دخلت السعودية على خط الدعوة لاستهداف المشروع الصاروخي الإيراني، بعد أن عجزت عن تطويع اليمن ولبنان وسوريا والعراق. وفي كل هذه الدول تتهم إيران بتزويد المجموعات المقاتلة بالصواريخ مباشرة أو بالتكنولوجيا المطلوبة لتصنيعها. وهكذا أصبحت إيران مستهدفة في مشروعها الصاروخي، كما في مشروعها النووي ليس من قبل «إسرائيل» فحسب، بل من السعودية والإمارات والبحرين أيضا.
طهران تدرك أن الحصار الاقتصادي المفروض عليها منذ 40 عاما يحول دون حصولها على الطائرات الحربية المتطورة، كما يمنعها من شراء الأسلحة التقليدية المتطورة، لذلك تبنت استراتيجيات عديدة من بينها ما تسميه «الاقتصاد المقاوم» الذي يهدف للعمل من أجل الاكتفاء الذاتي في أغلب المجالات الحياتية ومن بينها العسكرية. يضاف الى ذلك أن عدم قدرتها على تصنيع السلاح النووي (لأسباب بعضها يرتبط بالموقف الديني المبدئي والآخر ناجم عن الرفض الدولي لذلك) دفعها لأمور عديدة. فبالإضافة لسعيها من اجل الاكتفاء الذاتي، سعت لتوسيع تحالفاتها الإقليمية والدولية، فوسعت نفوذها الإقليمي في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وتمتين علاقاتها مع تركيا وقطر، بالإضافة لبعض دول شمال افريقيا. ولكن ربما لا يقل اهمية عن ذلك تمتين جسورها مع كل من روسيا والصين، وهو امر يقلق الغرب عموما. وقد سعت السعودية مرارا لمنع ذلك بمغازلة روسيا والصين، ولكن حظوظها لم تكن موفورة. ودخلت السعودية بشكل مباشر على خط استهداف إيران.
ماذا يعني ذلك؟ لقد سعت الدول المناوئة لإيران خصوصا أمريكا و«إسرائيل» والسعودية والإمارات لاستخدام وسائل عديدة: تشديد الحصار الاقتصادي، شيطنة المسؤولين الإيرانيين ووضعهم على لوائح الحصار، اغتيال علماء الذرة، الهجوم السايبري الإلكتروني وإلغاء الاتفاق النووي، واستهداف الدول التي تتمتع إيران بنفوذ فيها. فقد كثفت السعودية في الأسبوع الأخير غاراتها الجوية على اليمن بشكل غير مسبوق، وأحدثت دمارا بشريا وماديا هائلا. واستهدف لبنان بمحاولات لزعزعة نظامه السياسي بسبب رفضه استبعاد حزب الله من منظومته السياسية.
إنها حرب باردة تشتعل بقدر محدود أحيانا، ولكنها تهدد بانفجار عسكري قد يتجاوز المنطقة، ويأتي على الأخضر واليابس ليس في إيران فحسب، بل في الجزيرة العربية والخليج وفلسطين.

 

(القدس العربي)

0
التعليقات (0)