صحافة دولية

NYT تروي مآسي مهاجرين أفارقة في اليمن والسعودية

قصص مروعة تنقلها الصحيفة الأمريكية عن أوضاع المهاجرين الأفارقة في اليمن والسعودية- الأمم المتحدة
قصص مروعة تنقلها الصحيفة الأمريكية عن أوضاع المهاجرين الأفارقة في اليمن والسعودية- الأمم المتحدة

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا عن أوضاع المهاجرين الإثيوبيين في اليمن.

وجاء في التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إن مقاتلين من جماعة الحوثي أطلقوا النار على مهاجرين إثيوبيين عالقين في حرب لا علاقة لهم بها، فيما كانوا يصرخون: خذوا فيروس كورونا الذي جلبتموه وارحلوا أو واجهوا الموت.

وكان رضيع فاطمة محمد يصرخ، فحملته وجرت خلف زوجها والرصاص يتطاير فوق رؤوسهم.

وقال خضر جنة، 30 عاما، وهو نادل إثيوبي فرّ من مستوطنة الغار، شمال اليمن بالقرب من الحدود السعودية في صباح ذلك اليوم من نيسان/ أبريل: "كان صوت الرصاص مثل الرعد لا يتوقف، وكان يصاب الرجال والنساء بالرصاص بجانبك، وتراهم يموتون، وتستمر بالركض".

هذا المشهد وأمثاله تكرر سرده خلال العديد من المقابلات الهاتفية مع عدد من المهاجرين الذين هم اليوم في سجن سعودي. ولم يكن بالإمكان التثبت من صحة رواياتهم من مصادر مستقلة، لكن منظمات حقوق الإنسان أكدت حوادث شبيهة.

وقد طرد الحوثيون، الذين تدعمهم إيران ويسيطرون على شمال اليمن، آلاف المهاجرين من الأراضي التي يسيطرون عليها بالسلاح على مدى الأشهر الثلاثة الماضية، متهمين إياهم بنشر فيروس كورونا، وألقوا بهم في الصحراء دون طعام أو ماء.

واضطر آخرون لعبور الحدود مع السعودية، عدو الحوثيين الرئيسي، حيث تعرضوا لإطلاق النار من حرس الحدود السعودي، وتم اعتقالهم وسجنهم، حيث تم ضربهم، ولم يعطوا سوى القليل من الطعام، واضطروا للنوم على الأرض ذاتها التي يستخدمونها لقضاء حاجتهم، بحسب مقابلات مع مهاجرين في السجون. وبعضهم عاد إلى المهربين لعبور الحدود، والبحث عن عمل في السعودية الغنية بالنفط.

ورفض متحدث باسم الحوثيين أن يعلق بشكل مباشر على تلك التهم.

وقد تسببت خمس سنوات من الحرب بين الحوثيين والتحالف الذي تقوده السعودية دعما للحكومة اليمنية بدمار البلد، وهي الأفقر في الشرق الأوسط، حيث تسببت بتجويع وقتل الناس، وفتحت الباب على تفشي متزايد لفيروس كورونا.

ولم يتأثر اليمنيون المدنيون الواقعون بين طرفي القتال فقط، حيث يقول المسؤولون والباحثون الإنسانيون إن العمال المهاجرين الأفارقة الذين يعبرون اليمن كل عام يتعرضون للتعذيب والاغتصاب والابتزاز والقنابل والرصاص في محاولاتهم للوصول للسعودية. وهذا الربيع عندما جعلهم تفشي فيروس كورونا هدفا سهلا للاتهام بمسؤولية نشر الوباء، فقدوا كل أمل في الوصول إلى مبتغاهم.

وتقول عفراء ناصر، الباحثة اليمنية مع هيومان رايتس ووتش: "كوفيد هو كارثة واحدة داخل العديد من الكوارث التي يواجهها هؤلاء المهاجرون".

فكل عام يركب أكثر من 100 ألف إثيوبي وصومالي، وغيرهم من شرق أفريقيا، على قوارب المهربين المكتظة عبر البحر الأحمر أو خليج عدن إلى اليمن، بحسب الأمم المتحدة، على أمل أن يستطيعوا إكمال رحلتهم شمالا لمساعدة عائلاتهم من خلال الحصول على عمل كخدم في البيوت ورعاة غنم وعمال في دول الخليج الغنية، التي يعتمد اقتصادها على عمالة المهاجرين.

والرحلة قاتلة في كل مرحلة من مراحلها. في البحر يمنع المهربون الماء والطعام، ويلقون بالمسافرين الذين لا يلتزمون عن القوارب، وفي اليمن يكون المهاجرون تحت رحمة المهربين، الذين يعذبونهم ويغتصبونهم ويعتدون عليهم، ويطلبون مبالغ كبيرة من عائلاتهم الفقيرة لشراء حريتهم، بحسب الأمم المتحدة، وهيومان رايتس ووتش وغيرهم، إضافة إلى مقابلات مع العديد من المهاجرين.

وبحسب دراسات الأمم المتحدة، فإن معظم المهاجرين لا يعرفون عن القتال الدائر في اليمن قبل وصولهم، ولكن الاشتباكات والغارات الجوية تصلهم على أي حال. وعلى الحدود بين اليمن والسعودية يقوم الحرس السعودي بفتح النار عليهم وقتلهم، حيث تتناثر جثث المهاجرين فيما أصبحوا يسمونها "وديان المجازر"، بحسب ما يقوله المهاجرون ومسؤولو الخدمات الإنسانية. ومن عاش منهم تحتجزه السلطات السعودية ثم يتم ترحيله.

وقال مسؤول سعودي، طلب عدم ذكر اسمه، إن تهم سوء معاملة المهاجرين الذين يعبرون الحدود بشكل غير قانوني غير صحيحة، وتعدّ وصمة عار للقيم السعودية.

ولأنه تم إغلاق الحدود خلال جائحة كورونا، فإن تدفق المهاجرين إلى اليمن توقف تقريبا، حيث تراجع من 18904 في أيار/ مايو 2019 إلى 1195 شخصا خلال أيار/ مايو هذا العام، بحسب الأمم المتحدة. ولكن هناك حوالي 14500 لا يزالون في اليمن. كثير منهم وصلوا في السنوات السابقة، وبقوا لمحاولة كسب قوتهم أو التوفير قليلا للتمكن من الوصول إلى السعودية.

وغادرت فاطمة محمد، البالغة من العمر 23 عاما، مدينة كميس في إثيوبيا بعد الطلاق منذ عامين، على أمل أن تكسب ما يكفي من المال في السعودية كخادمة لإعاشة أمها الأرملة وطفلين تركتهما معها. وظل المهرب الذي أخذها لليمن يضربها ويهدد بقتلها إن لم ترسل عائلتها المال.

وعندما لم تستطع دفع المال، تقول فاطمة إنها بيعت لمهرب آخر وضعها للعمل في مقهى شيشة في مستوطنة الغار، حيث أرغمها صاحب المحل أن تمارس الجنس مع الزبائن.

وفي الغار، التقت بزوجها الحالي. وتكسبوا من بيع الطعام للمهاجرين الآخرين من خيمة بلاستيكية. وكانت تصنع طعام الإفطار عندما جاء الحوثيون.

أما خضر جنة، فكان يعمل في فندق في الغار، وكان الوحيد من بين مجموعة من الأصدقاء من بلدة Harage الإثيوبية، الذي استطاع أن يصل إلى اليمن. فكان هو وحوالي 70 آخرين اكتظوا على قارب صغير من السواحل الصومالية، وحرموا من الحركة أو الأكل أو الشرب لمدة يومين في الطريق إلى اليمن، وعندما طلب صديقان الماء، طعنهما المهربون، وألقوا بهما من القارب.

وقال جنة إنه بينما كان يشاهدهما يغرقان "بكيت بصمت، لأنني كنت أعلم أن مصيري سيكون مثلهما إن سمعوني".

وعندما هاجم الحوثيون ذلك الصباح من نيسان/ أبريل، قال جنة إنه فر وهو يلبس شبشبا، بعد أن خبأ ما يوفره من النقود، وهو 1300 دولار، في ملابسه الداخلية.

ويقدر بعض المهاجرين الذين فروا من الغار تجاه السعودية في 8 نيسان/ أبريل بأن الحوثيين قتلوا ما لا يقل عن 250 مهاجرا في ذلك اليوم. وقال علي محمد، 28 عاما، راويا طرده من مزرعة في الهيدان القريبة، إن 57 من 200 إثيوبي معه عاشوا.

ووجدت السلطتان على طرفي الحرب من الأسهل لهما وصم المهاجرين الأفارقة بأنهم يحملون الأمراض – الكوليرا ابتداء والآن فيروس كورونا، الذي يأتي على ما تبقى من النظام الصحي اليمني. ومع أن إشاعات مرض السكان كانت موجودة لبعض الوقت، إلا أن الشخص الأول الذي أكد الحوثيون أنه توفي بسبب فيروس كورونا في أوائل أيار/ مايو كان صوماليا.

ويقول محمد عبدي خير، مدير فرع القرن الأفريقي والشرق في المنظمة الدولية للهجرة: "إن هذا الشكل من أشكال الوصم للمهاجرين يهدد حياتهم". وأضاف أن بعض المهاجرين منعوا من الحصول على الماء والطعام، وآخرون منعوا من الحصول على العلاج.

وطيلة الربيع لم يقم الحوثيون بفعل الكثير لمنع انتشار الفيروس، وأنكروا الوفيات الجماعية في مناطقهم. وبدلا من ذلك، يقول مسؤولو الإغاثة الإنسانية، والمسؤولون الأمنيون المحليون، والسكان، إن الحوثيين استخدموا الجائحة كحجة لطرد المهاجرين غير المرغوب بهم، ومعظمهم إثيوبيون، والدفع بهم نحو الحدود السعودية، أو جمعهم في شاحنات، وإلقائهم خارج مناطق سيطرتهم.

وتقدر المنظمة الدولية للهجرة بأن السلطات الشمالية اعتقلت ونقلت 1500 مهاجر إلى جنوب اليمن على مدى الشهرين الماضيين. وهناك آلاف عالقون في مدينة عدن الساحلية، حيث يوجد حوالي 4000 منهم يعيشون في الشوارع، ويكابدون للحصول على الماء والغذاء، بحسب المنظمة.

وفي نيسان/ أبريل، وبحسب مسؤولين في المناطق الحوثية، تم ترحيل 390 إلى محافظة الجوف على الخطوط الأمامية، ومن منتصف نيسان/ أبريل إلى منتصف أيار/ مايو، تم طرد ما لا يقل عن 486 جنوبا إلى مدينة تعز، حيث تلتقي الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون وتلك التي تسيطر عليها الحكومة المدعومة من السعودية.

ويتركون هناك ليحاولوا البقاء بأنفسهم، وبعضهم يجوع في العراء ولا يستطيعون الاعتماد على مساعدة اليمنيين الذين يتجنبون الأفارقة الآن؛ خوفا من الإصابة بفيروس كورونا. ويلاقون مصيرا بالقسوة ذاتها على الحدود السعودية أيضا.

ويقدر مسؤولو الإغاثة الإنسانية بأن الحوثيين في نيسان/ أبريل تركوا أكثر من 20000 مهاجر، معظمهم إثيوبيون، وكثير منهم نساء، عالقين في "وديان المجازر" على الحدود. وأن هناك الآن حوالي 7000 في المكان، وليس هناك أي طعام أو ماء، وأعداد الموتى غير معروف.

ووصلت فاطمة محمد وخضر جنة والإثيوبيون الآخرون إلى الحدود السعودية، بعد الجري لمدة ثلاث ساعات، حيث لاقاهم حرس الحدود السعوديون بالنيران، بحسب قولهم. واختبأت فاطمة محمد في ظل صخرة كبيرة، حتى رجع الحوثيون في الصباح، بينما اختبأ جنة بين الأشجار.

واستطاع علي محمد وستة آخرون معه الوصول إلى الحدود من الهديان بالفرار من الرصاص بالاختباء في ظل الصخور، لكن خمسين شخصا الآخرين في مجموعتهم قد قتلوا.

وقال عدد من المهاجرين، الذين تمت مقابلتهم بالهاتف من السجون السعودية، إن السعوديين قاموا بجعل الرجال يخلعون ملابسهم، والبقاء بالملابس الداخلية فقط، وأخذوا حقائب النساء، وضربوا خضر جنة على صدره بعقب بندقية، وأكرهوه على تسليم نقوده، ويقول: توفير أربع سنوات ذهب هباء.

ثم تم نقلهم إلى السجون السعودية، وفصل الرجال عن زوجاتهم وأطفالهم.

وفي مقابلات هاتفية لإثيوبيين في السجون السعودية، قالوا إنهم لم يتلقوا أي شيء للطعام عدا بعض البسكويت أو الخبز أو شيء من الأرز كل يوم. والأرض الإسمنتية هي المرحاض والسرير في نفس الوقت. وقالوا إنهم يقومون بتنظيفها بقدر الإمكان قبل النوم.

وقالت فاطمة محمد، المسجونة في مدينة جدة وترى رضيعها يذبل أمام عينها: "أخشى أن يموت يوما بين يدي، نحن بشر ولكننا فقراء. أريد أن أذهب إلى بلدي وأموت على أرضي". وقد يتحقق لها ما تتمناه.

فقد رحّلت السعودية حوالي 300 ألف إثيوبي على مدى العامين الماضيين؛ لوجودهم في المملكة بشكل غير قانوني، بحسب مسؤولين في العمل الإنساني. واستمر الترحيل خلال الجائحة، مع أن الحكومة الإثيوبية عارضت، قائلة إنها لا تستطيع التعامل مع آلاف العائدين.

وقال مسؤول سعودي إن الحكومة السعودية التي تتعامل مع تفشي كبير في البلد تقوم بغربلة المرحلين لأعراض المرض، وتعالج مجانا كل المصابين بالفيروس بدل ترحيلهم.

لكن بالنسبة للمهاجرين، العودة تعني الاستسلام.

وقال خضر جنة: "وعدت أخوتي وأخواتي الستة الأصغر مني بأني سأذهب للسعودية؛ لأعمل وأرسلهم إلى المدارس، لكن ذلك لم يكن سوى حلم جامح".

 

التعليقات (0)