كتاب عربي 21

مورو طلق السياسة بالثلاث.. فهل هي النهاية؟

صلاح الدين الجورشي
1300x600
1300x600

عندما يعلن عبد الفتاح مورو مغادرته حركة النهضة وانسحابه من الحياة السياسية فهذا يفترض أن يشكل حدثا سياسيا هاما، مع ذلك لم يتوقف الكثيرون عنده، وبعضهم مر عليه مر الكرام. حتى حركة النهضة المعنية بهذه الاستقالة فضلت عدم التعليق، ولم يترتب عنها نقاش بين النهضويين لفهم الأسباب واستخلاص العبر، رغم أن استقالته معروضة أمام رئيس الحركة منذ أشهر طويلة.


مورو ليس شخصية عادية سواء داخل تونس أو خارجها، فقد كان أول من مهد الطريق لنشوء الحركة الإسلامية، وشرع في إلقاء دروس دينية في المساجد وعمره لم يتجاوز ستة عشر عاما. حصل ذلك سنة 1964، أي قبل أن يعود راشد الغنوشي من الشرق بست سنوات، وعندما تعاهد الرجلان على العمل معا.

لم يكن مورو يتوقع أن الحركة ستتخذ من الإخوان المسلمين نموذجا تنسج عليه، فهو ابن البيئة التونسية، وخطابه الديني الذي نشأ عليه كان خليطا بين المرجعية الزيتونية والحركة الإصلاحية التونسية والتصوف المحلي.

عندما انكشف أمر الجماعة الإسلامية التي بدأت سرية، هو الذي اقترح فكرة التقدم بطلب الحصول على تأشيرة حزب سياسي، وهو الذي تقدم بملف قانوني في هذا الشأن وتوجه به إلى وزارة الداخلية، ولا يزال يحتفظ بالوصل الذي يحمل اسمه. وعندما غادر السجن على إثر المحاكمة الأولى التي تعرضت لها حركة الاتجاه الإسلامي؛ هو الذي قاد المفاوضات من أجل إطلاق سراح المعتقلين في عهد الرئيس بورقيبة، بمن في ذلك راشد الغنوشي.

عندما تورطت حركة النهضة في حادثة باب سويقة الشهيرة التي ذهب ضحيتها حارس الشعبة التابعة للحزب الحاكم، احتج مورو على لجوء الحركة إلى العنف، وجمد عضويته علنا. وبقي بعيدا عن الحركة إلى أن قامت الثورة وسقط حكم الرئيس ابن علي، بعدها رجعت الحركة إلى النشاط العلني، لكنها تجاهلته، واتهمته بخيانتها أيام المحنة، واعتبرته مفصولا.

قرر أن يشارك في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي بصفته شخصية مستقلة، فحاصرته "النهضة " وحالت دون فوزه. هاجمها بقوة قبل أن يرضى عليه رئيس الحركة، ويعيده إلى صفوفها، ويرشحه لمنصب نائب رئيس البرلمان.

رغم عودته إلى أحضان الحركة، حافظ مورو على جرأته ونبرته النقدية للنهضة. كانت علاقة الشيخين داخل الحركة غريبة، إذ بقدر تعلقهما ببعضهما كانا باستمرار يتبادلان الهجومات وينتقدان بعضهما نقدا يكون لاذعا في بعض الأحيان، دون أن يؤدي إلى قطيعة.

فعندما تم اغتيال الزعيم اليساري شكري بلعيد، وقرر حمادي الجبالي تشكيل حكومة تكنوقراط، أدلى مورو بتصريح مزلزل قال فيه: "لا يكفي أن تكون مسلما لكي تقود الشعب، بل يجب أن تحب الشعب وتدرك رغباته وتطلعاته".

ولم يتردد في توجيه نقد لاذع للغنوشي، معتبرا أن  "ثقافته والمحيطين به هي ثقافة أحادية في بلد يميزه التعدد الثقافي"، وطالبه علنا بعقد مؤتمر استثنائي يتولى "تغيير القيادة التي تقود الحزب وتونس إلى الكارثة". بل ذهب مورو إلى أبعد من ذلك، عندما أشار إلى أن الغنوشي "حوّل النهضة إلى مسألة عائلية، وأنه يحيط نفسه بعدد من الناس ليسوا منفتحين على الواقع والحداثة وهو ما يعتبر كارثة". هذا كلامه الذي صدر عنه في سنة 2013، لصحيفة ماريان الفرنسية.

مع ذلك تحمله الغنوشي، وعند وفاة الباجي قايد السبسي، اختاره (لاعتبارات عديدة) أن يكون مرشح الحركة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، غير أن عوامل عديدة جعلته يخسر السباق، بما في ذلك إحجام جزء من كوادر الحركة عن التصويته له، ليجد نفسه وجها لوجه أمام أوهام السياسة وعبث السياسيين.

قرر اليوم أن يغادر الحركة التي ساهم بقوة في تأسيسها وتنميتها والدفاع عنها. غادرها وهو يعتقد بأنها ضيعت الطريق، وخسرت الكثير، ولم تحقق ما وعدت به التونسيين منذ التأسيس، وصولا إلى ما بعد الخمسين عاما من قيامها انتقلت خلالها من المعارضة إلى الحكم. لم يتردد في دعوتها إلى مغادرة السلطة منذ تجربة الترويكا، عندما اعتبر أن "مكان النهضة هو في المعارضة التي قضت فيها 20 عاما"، وأن "الشعب التونسي لم يعد يرغب في استمرارها، وأنه يلزم انتظار مرور بعض الوقت حتى يمكن نسيان الأخطاء التي ارتكبتها الحركة".

والسؤال الذي لا يزال مورو يطرحه حتى اليوم هو نفس السؤال الذي سبق وأن طرحه قبل ست سنوات: "هل في استطاعتنا الجمع بين الإسلام والديمقراطية"؟

استقالة مورو من السياسة لا تعني عنده الانسحاب من الشأن العام، فالرجل (رغم اعترافه بكونه لم يكن مقنعا في أدائه السياسي) إلا أنه يتمتع بشعبية واسعة، خاصة عندما يبتعد عن المناورات الحزبية، ويتفرغ للنشاط الدعوي الذي يتقنه بشهادة الجميع. هو متحدث جيد، يفهمه عموم التونسيين، ويعتبرونه قريبا منهم، متجذرا في تربتهم، رغم أنه أربكهم كثيرا طيلة مسيرته الطويلة، خاصة خلال المرحلة الأخيرة التي أدى فيها أدوارا لم يكن مقنعا في العديد منها. رغم ذلك، يبقى مورو شخصية استثنائية وتعبيرا عن الكيمياء التونسية النادرة.

تونس مريضة بسياسييها، وهي في أشد الحاجة لشخصيات مستقلة ووازنة تقوم بأدوار هامة، خاصة عند الأزمات. من أهم هذه الأدوار تفكيك الألغام، وتقريب وجهات النظر بين أطراف تعمقت بينها المسافات والحسابات، وأصبحت مهيأة باستمرار للصدام في بلد هو في أشد الحاجة للاستقرار ولحد أدنى من الأخلاق.

2
التعليقات (2)
الجبر
الخميس، 24-06-2021 03:06 م
لمورو الحق الكامل في التفرغ للعمل الذي يرغبه ولكن ليس بالضرورة الاستقالة عن الحركة .. وانما مواصة النقد والنضال الداخلي بدون انقطاع فهو وان لم يستطع ان يغير كثيرا فسوف يتمكن من التغيير القليل وهذا يكفي
لطفي عبدالمؤمن
الإثنين، 01-06-2020 10:55 م
لي ملاحظة بسيطة لاستاذنا المبجل انه كان احرى ان يذكر انه من المسقيلين من الحركة والناقدين لها وانه كان شريكا لمورو وثالث ثلاثة في القائمة الانتخابية المستقلة التي فشلت في المرور للمجلس التأسيسي حتى يعلم القارئ ان كاتب المقال ليس بالمستقل عن هذا للتاريخ والمعطيات. لمورو مكانته في قلب محبيه وناقديه واعداءه. لكن المقال اغفل موازين القوى التى فشل مورو في تطويعها وهو القامة التي لها ما لها من وزن. ولعل من أسرار نجاح الحركة هو تقبلها نقد مورو وغيره واستقالة او خروج مورو وغيره. أما الأهم فهراحتواء هذه الموازين ونجاح الغنوشي في خوض غمارها. موازين سياسية او طبقية او جهوية اوعقائدية...