قضايا وآراء

تركيا: الشرعية والمشروعية في إدارة أزمة كورونا (نظرة قانونية)

1300x600
1300x600

ثلاثة مصطلحات نعرفها قبل الدخول في موضوع العنوان:

 

الأول: الشرعية: تعني أن تكون أعمال جميع الموجودين في تركيا متوافقة مع نصوص القانون، سواء أكانوا مسؤولين أم مواطنين أم غير مواطنين، وهذا يعبر عن رضا الموجودين على أرض تركيا بالقوانين السارية، واقتناعهم بها، وتطبيقها طواعية؛ وهذا المقياس (الرضا) يُعتمد إذا انطبق على الغالبية العظمى (رضا عن القانون)، وهو كذلك في تركيا، حيث شهدنا انضباطا بنسبة عالية جدا من الجميع، دون تذمر مؤثر في مجمل الرضا.

 

والثاني: المشروعية: تتعلق برضا الموجودين على أرض تركيا عن أداء القائمين على تسيير الأمور تركيا، وخاصة الرئيس (رضا عن الرئيس)، أي رضا عن الأشخاص بسبب شرعية أفعالهم وكفاءتها وسرعتها وشفافيتها.

 

والثالث: أزمة كورونا: جائحة سببت إغلاق غالبية دول العالم، بدءا بالمطارات وانتهاء بالأزقة في المدن.


والآن إلى موضوع المقال:

 

أزمة كورونا عبارة عن اختبار عالمي، دخلته جميع الشعوب مرغمة، وعلى رأسها حكوماتها؛ وهذا يعني أن موضوع الاختبار موحد للجميع، والتمايز يظهر في الإجراء الذي تختص به كل دولة وكل شعب؛ المعنى الأوضح أن مسبب البلاء واحد، وطرق المواجهة تظهر الإمكانات المادية والمعنوية لكل دولة.

 

إذن، أزمة كورونا كاشفة عن مواقع الخلل ومواضع التصدع في النظام القانوني لكل دولة (النظام القانوني: التشريعات والأجهزة التي تنفذها).

 

اكتشف المرض (كوفيد19) في مدينة ووهان الصينية في نهاية العام 2019، صنّفتهُ منظمة الصحة العالمية في 11 آذار/مارس 2020 بالجائحة، وهو اليوم ذاته الذي سجلت فيه أول حالة في تركيا؛ وبعد (4) أربعة أيام بدأت الحكومة التركية إجراءات الإغلاق لمناطق التجمعات.

 

ملخص الحال في العالم من بداية الأزمة لغاية كتابة هذا المقال:

 

على ثلاثة مستويات:

 

الأول الرئاسة: لا مبالغة إذا قلنا إن الرئاسات في دول العالم لم تنجح في الاختبار، فهي كانت مترددة من اللحظة الأولى وكأن الفيروس قد داهمها وهي نائمة، فأفاقت على سيل جارف، فكانت ردات الفعل من درجة الصفر إلى ما دون الوسط، والكلام هنا كثير لا أريد الخوض فيه؛ لأن وسائل الإعلام مملوءة بأخباره؛ وشاهدنا ذلك من رئيس أعظم دولة الذي هوّن كثيرا من البلوى وكأنها لا شيء، إلى رؤساء لم نسمع لهم صوتا حتى كتابة هذا المقال، ومنهم من استل سيف الطوارئ ففعل قانونها، وهو حق له لا ينكر، ونوع آخر قد أبدع التصرف والمواجهة وردة الفعل الفورية، والأخير موضوع هذا المقال.

 

الثاني الحكومات: من البديهي أن تكون الحكومات تبعا للرؤساء، فحيث يكون الرئيس فاعلا تكون حكومته كذلك، والرئيس الذي انشغل عن صحة الشعب وعمن هو مسؤول عنهم، ذهبت حكومته في أودية لا علاقة لها بالبلوى، وفي بعض الدول التي فعلت قانون الطوارئ، اتضح أنها لتتصيّد أفرادا من الشعب، أو للتدريب على الإغلاقات المستقبلية حال حدوث تنفس من الشعب طلبا لحريته، ومنها حكومات تركت أبناءها نائمين على أرضيات المطارات وفي الصحراء انتظارا لموتهم والخلاص منهم.

 

والثالث الشعوب: كشفت الشعوب عيوب النظام القانوني في الدول، فمنهم من سارع إلى نهب المحلات والمولات، ومنهم من أعلن إفلاسه (كفرد مواطن) لعدم تأمين الدولة أسباب حياته، فناشد الآخرين الأفضل حالا منه للوقوف إلى جانبه، ومنهم من مات في طرقات وطنه لمداهمة المرض له، ومنهم من لم يجد جهاز تنفس في مستشفى أو سريرا لينام عليه؛ لأن دولته الغنية تنفق على أسلحة الدمار وانتهاك حقوق الإنسان في كل مكان.

 

كشفت الشعوب عيوب النظام القانوني في الدول، فمنهم من سارع إلى نهب المحلات والمولات، ومنهم من أعلن إفلاسه (كفرد مواطن) لعدم تأمين الدولة أسباب حياته..

 

الوضع في تركيا:

 

أبدعت الحكومة في إدارة الأزمة، وسجلت مهنية واقتدارا وهدوءا وسرعة في المعالجة وفق ضوابط الشرعية والمشروعية، ويسجل هنا التقدير لكل أعضاء الحكومة، ولكن نخص بالذكر الثلاثي المبدع المحنك؛ وهم الرئيس رجب طيب أردوغان، ووزير الداخلية سليمان صويلو، ووزير الصحة فخر الدين قوجة.


الذين يعيشون في تركيا، وأنا واحد منهم، منذ بداية الأزمة، وحتى اليوم، ونحن نعيش في وسط الجائحة من الناحية الزمنية، وفي بداية انقشاعها من ناحية موضوعية، أقول إن الشعور بالأمن هو الذي يسود، جميع أنواع الأمن، وخاصة الأمن القانوني، والأمن الغذائي، والأمن الصحي، وهذه الأنواع هي التي انكشفت في الدول حتى العظمى، وهذه الأنواع هي مقياس قدرة إدارة البلاد وضبطها، ومدى النجاح فيها يعطي تقييما صحيحا للقائمين على الأمور.

 

ويسجل للرئيس، منذ بداية الوباء، إطلاقه حزمة من التدابير لمواجهة الوباء تحمل اسم "درع الاستقرار الاقتصادي"، وتخصيص (100) مائة مليار ليرة تركية (قرابة 15.5 مليار دولار) لمواجهة أعبائها، وعدد كبير من الإجراءات للحد من الآثار السلبية للوباء، وجهها للجهات والأشخاص المتضررين أو المحتمل تضررهم كافة.

 

أولا/ الشرعية:

 

الرئيس (أردوغان) والشرعية: ملامح عامة: تعزيز النظام العام (الأمن العام والصحة العامة والسكينة العامة)

 

- منذ اللحظة الأولى، أولى الرئيس جل اهتمامه للوباء، استشعارا منه بأمانة النفوس التي يمكن أن يصيبها أو يقتلها، فكان يوجد على مدار الساعة، يشرف بنفسه على الإدارة.

 

- أثبت التشريع كفايته للمرحلة، فلم يستخدم حقه الدستوري في إعلان حالة الطوارئ، وهذه ميزة تسجل للأجهزة التشريعية في الدولة، وتسجل للرئيس الذي يعرف الترسانة القانونية الموجودة، ويعرف قدرته جيدا على الإدارة، فكان الإبداع في استعمال التشريعات العادية، والإبداع في نشر الأمن القانوني، والإبداع في مراقبة الإجراءات وتوجيهها والتصويب المباشر لأي انحراف أو قصور، وضبط حدود العلاقات بين الشعب والمسؤول، والموازنة بين حماية الشعب ومراقبة عمل المسؤول، وخير مثال على ذلك إقالة وزير المواصلات خلال الأزمة، ورفض استقالة وزير الداخلية، والوقوف بحزم بجانب رئيس الشؤون الدينية أرباش، عندما نددت نقابات محامين بمضمون خطبته يوم الجمعة (الأول من رمضان).

 

- متابعته الدقيقة للأحداث اليومية مع الموجودين على الأرض التركية، مثل اتصاله بعائلة الشاب السوري علي العساني الذي قتلته الشرطة خطأ في ولاية أضنة، لكسره الحظر وعدم تنفيذه أمرا بالوقوف من الشرطة، وتوجيهه باتخاذ الإجراءات القانونية كافة في حق الفاعل.

 

- اهتمام بالمشاريع العملاقة تحت التنفيذ، ومتابعتها بنفسه خلال فترة الحظر، خاصة المرافق الصحية مثل مستشفى باشاك شهير ومستشفى بمطار أتاتورك القديم.

 

- متابعته أحوال الأتراك في بلدان العالم، وإرسال الطائرات لجلبهم إلى الوطن، ما يعزز الإيمان بالوطن والوطنية.

 

- اهتمامه بصحة المواطن التركي الفرد، فيرسل طائرة لجلب مواطن تركي مريض من السويد.

 

- والقائمة تطول ولا مجال للتعداد أكثر، ومن مطالعة ومراقبة الصحف والإعلام، يُدرك أن هذا غيض من فيض.
وزير الداخلية (صويلو) والشرعية: رائد الشعور بالأمن والطمأنينة والسكينة للموجودين في تركيا:

 

- شديد حنون، مسؤول مرهف يسكنه شعور المسؤولية ويخضع بقناعة للمساءلة، الوطن أكبر همومه.

 

- أدى وظيفتين من وظائف الإدارة العامة الثلاث باقتدار وشفافية ومسؤولية يحسد عليها، فكان الأمن العام السمة التي تطبع تركيا وما زالت، وكذلك السكينة العامة شعور الجميع.

 

- ضبط الشارع التركي بلا عنف يذكر ونظم الحركة والتواصل في كل البلاد بطريقة عبقرية، وكأن الذي يسكن تركيا مراقب من شرطي لكل واحد، وكل ذلك مصحوب بأمن داخلي وسكينة.

 

- يسجل له إبداع في تكريس الأمن الغذائي، حيث وفر الغذاء لجميع الموجودين بيسر ونظام وانتظام.
وزير الصحة (قوجه) والشرعية: رائد الأمن الصحي.

 

- صاحب الوجه اللطيف الجميل البشوش الذي يوحي بالطمأنينة والسلامة، ويسجل للرئيس إبداعه في اختيار هذا المبدع.

 

- المدير التنفيذي الفذ لإجراءات مواجهة البلاء، أدى الوظيفة الثالثة للإدارة العامة، وهي الصحة العامة بمهنية عالية جدا.

 

- نشر طمأنينة تحسب له بين الموجودين على أرض تركيا بالقدرات الصحية (الصحة العامة) للأجهزة التنفيذية التابعة له، فأدوا وظيفتهم، وهي الأخطر، بأمانة واقتدار وقوة ويقين مكنتهم من الانتصار.

 

- مد اهتمامه إلى المواطن التركي في كل مكان من الأرض، وبنى علاقة الوطن بالمواطن خارج الجغرافيا، وهذا له أثره البعيد.

 

ثانيا/ المشروعية:

 

بالتذكير بأن المشروعية تتعلق بأشخاص القائمين على تنفيذ القانون، وهل حازوا على رضا الأتراك أولا، والموجودين ثانيا، وحقيقة يستحقون الدرجات العالية في تحقق مشروعيتهم، ويمكن تلمس المشروعية مما يأتي:

 

الرئيس (أردوغان):

 

- متابعة المواطن وغير المواطن لتحركات وأعمال الرئيس برضا واطمئنان.

 

- "استطلاع نشرته شركة "ميتروبول" على صحيفة "عربي 21" بين 19 و27 آذار/مارس، وشمل عينة تضم ألفا و526 شخصا من 28 محافظة، من خلال مقابلات هاتفية. واعتبرت "ميتروبول" أن النتائج تظهر اهتماما متزايدا بـ"القيادة القوية"، جراء حالة القلق التي تسببت بها الجائحة، حيث أظهر الاستطلاع زيادة بأكثر من 14% في شعبية الرئيس أردوغان، الذي أبدى حزما في قيادة جهود مكافحة جائحة "كورونا" بالبلاد، فقد وصلت شعبية الرئيس إلى 55.8%، بارتفاع قدره 14.7%، وهي الأعلى منذ المحاولة الانقلابية الفاشلة ضده عام 2016."

 

وزير الداخلية (صويلو):

 

- ردة فعل المواطنين الأتراك وغير الأتراك المقيمين على أرض تركيا، بل تعدت إلى ردة فعل عالمية ترفض استقالته التي تقدم بها؛ إثر خلل في تنظيم الحظر، حيث أعلن عنه قبل ساعتين من موعده، ما تسبب في ازدحام الناس على محلات بيع المواد الغذائية، ما كسر التباعد الاجتماعي المفروض للوقاية من الإصابة بالمرض.

 

- رفض الرئيس الاستقالة، يظهر حرص الرئيس على مشروعية هذا الرجل المبدع المسؤول، ومن ثم على مشروعية أعضاء الحكومة بشكل عام.


وزير الصحة (قوجه):

 

- تزايد عدد متابعيه على وسائل التواصل الاجتماعي.

 

- التعليقات الإيجابية الكثيرة التي تشيد بدوره المهني ومهارته في قيادة عملية مجابهة المرض وإدارته للطواقم الصحية في البلاد.

 

- حرصه على إعادة المواطن التركي المريض من السويد بعد مناشدة ابنتيه للحكومة التركية.


وفي الختام، تعد إشادة العديد من المنظمات الدولية، ومن رؤساء دول العالم، ومن أفراد الشعوب على امتداد الأرض، اعترافا دوليا بقدرة القيادة التركية وأعضاء الحكومة على إدارة الأزمة، سواء داخل تركيا أم خارجها، من خلال تقديم المساعدات أو تقديم المثال الحي على أساليب الإدارة الناجحة وقت الأزمات.

0
التعليقات (0)