قضايا وآراء

هل تواطأ النظام المصري مع منظمة الصحة العالمية؟

فاروق مساهل
1300x600
1300x600
في خطوة غير مسبوقة أمر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتجميد التمويل الأمريكي لمنظمة الصحة العالمية، والبالغ قدره 453 مليون دولار في عام 2019م (ليمثل 20 في المئة من إجمالي ميزانية المنظمة وعشرة أضعاف ما قدمته الصين)، متهما إياها بتقديم معلومات خاطئة حصلت عليها من الصين وتسببت في وفاة آلاف البشر. والمعلوم أن الصين هي الدولة التي ظهر على أراضيها لأول مرة فيروس كوفيد-19.

تفاوتت ردود الفعل الأمريكية والعالمية على قرار ترامب بقطع المعونة عن المنظمة بين معارض ومؤيد، فالديمقراطيون استنكروا انفراد ترامب بهذا القرار دون استشارة الكونجرس، إلى قائل بأنه في عام انتخابات الرئاسة الأمريكية يريد ترامب أن يبعد اللوم عن نفسه، حينما تأخر في الاستجابة لكارثة انتشار الفيروس عبر القارات، إلى قائل آخر بأن الوقت غير مناسب وأي محاسبة يمكن إرجاؤها لما بعد استقرار الأوضاع، خاصة أن تبعات كارثة الفيروس على بلدان العالم في الصحة والاقتصاد والسياسة والمجتمعات لم تكتمل بعد.

إلا أن هناك مَن يصطف مع ترامب ويتهم منظمة الصحة العالمية بالتواطؤ مع الصين متمثلة في حزبها الشيوعي، حينما صدر عن المنظمة بيان في 14 كانون الثاني/ يناير 2020م تُردّد فيه بجرأة ما أعلنته الصين بأن تحقيقاتها الأولية لم تثبت انتقال الفيروس من إنسان إلى إنسان، مما أحدث تراخيا مبدئيا في التصدي للفيروس بالرغم من قيام مجموعة من الأطباء بإخطار الجهات الصحية في الصين والصحة العالمية قبل 18 يوما من صدور البيان، بوجود حالات عن مرض غامض.

وفي يوم 14 نيسان/ أبريل 2020م نشر موقع "ذي ناشيونال بَلْس" مقالا للكاتب "ديريك دَنْ"، يذكر فيه أن إصبع الاتهام في الانحياز لبيان الصين بعدم انتقال الفيروس من آدمي لآخر، يشير إلى رئيس منظمة الصحة العالمية الدكتور "تيدروس أدهانوم غيبريسوس". وذكر الكاتب عدة شواهد لإثبات العلاقة بين تيدروس والصين، منها أنه كان وزيرا للصحة في الحكومة الشيوعية الإثيوبية، وهو منصب جعله مقرّبا من الصينيين، في الوقت الذي استثمرت فيه الصين بكثافة في إثيوبيا، وبحكم منصبه قيل وقتها إنه قام بالتعتيم على ثلاثة أوبئة للكوليرا. ورددت مجلة "وايرْد" معلومات واتهامات شبيهة مؤكدة أنه كان بالإمكان إنقاذ المزيد من الأرواح، إذا قال تيدروس الحقيقة عن الفيروس من البداية، بدلا من تضليلنا من قبل القائمين على المنظمة. وكجزء من حملة الدعاية التي يمارسها الحزب الشيوعي الصيني، فإن الدكتور تيدروس صرّح بأن الصين قد ضربت المثل في مواجهة جائحة كورونا وقادت العالم في هذا المضمار. واختتم الكاتب مقاله في "ذي ناشيونال بلس" بتحذيره بأن استمرار تيدروس على رأس المنظمة معناه المزيد من الموتى، وبناء على هذه المعلومات، فإن الرئيس ترامب قرر وقف الدعم لمنظمة الصحة العالمية.

وبينما كانت دول العالم تتسابق محمومة في مجابهة انتشار الفيروس بين مواطنيها بكل جديّة وبتخطيط علمي، وبينما كانت سلطات الانقلاب في مصر تقابل الموقف الجديد بالاستنكار والاستهتار؛ إذا بمنظمة الصحة العالمية تصدر بيانا تمتدح فيه الكيان الانقلابي المصري في التصدي لأزمة تفشي الفيروس، مما حدا بأذرع الانقلاب المختلفة أن تستغل بيان المنظمة في حقن المزيد من الأكاذيب والتدليس، وبالإيحاء بقوة المناعة عند المصريين، التي ترجع إلى وجبات طعام بعينها أو بالتطعيم ضد مرض التدرن الرئوي وما إلى ذلك، مما جعل غالبية المواطنين يتجاهلون تحذيرات متفق عليها في كل بلدان العالم.

ولقد أبدينا في وقتها دهشة بالغة ورفضا قاطعا لبيان الصحة العالمية الذي انتهز الانقلابيون صدوره، وبرروا به عدم اتخاذ خطوات كافية للوقاية والحماية من عدوى الفيروس ورفض الإفراج عن المحبوسين، بل إن الاعتقالات لم تتوقف أبدا واستحدثت تهمة جديدة تستهدف منتقدي هزلية سلطة الانقلاب في التعامل مع وباء كورونا، وانتقاء فئات معينة لإجراء فحص الفيروس عليها، وتزوير سبب الموت في شهادات الوفاة.

والغريب أن بيانات منظمة الصحة العالمية استمرت في الإشادة بدور كيان الانقلاب في التعامل مع كارثة الفيروس من ِقبل مندوب لها في القاهرة، هو "جون جبّور"، وذلك في الوقت الذي يئن فيه المصريون تحت وطأة تمكّن الفيروس منهم، وارتفاع صياحهم وعويلهم وسقوط الضحايا منهم، مقابل عدم اكتراث السلطات الانقلابية بما يجري، مما دعا اللجنة الطبية في المجلس الثوري المصري للبحث عن احتمال وجود علاقة متحيزة بين سلطة الانقلاب ومنظمة الصحة العالمية؛ شبيهة بتلك التي بين الصين والمنظمة، فتبيّن أن الدكتور تيدروس رئيس المنظمة كان وزيرا للخارجية الإثيوبية من عام 2012م وحتى 2016م، وهي المدة التي وافق فيها السيسي لإثيوبيا على بناء سد النهضة دون أدنى قيود، ودون أي استشارة من اللجان المتخصصة، أو من مجلس النواب الانقلابي أو بواسطة استفتاء الشعب المصري عليها، وهي الموافقة التي ما تزال تفاصيلها غامضة على المصريين حتى الآن.

بالإضافة إلى ذلك، فإن تيدروس التقى مع سامح شكري، وزير الخارجية الانقلابي، لأمور متعلقة بسد النهضة، وكان آخر لقاء بينهما بعد تعيين الدكتور تيدروس رئيسا لمنظمة الصحة العالمية، وهو اجتماع غريب في شباط/فبراير 2019م. والمعلن عنه أنهما تباحثا في موضوعات متعلقة بالصحة في مصر، مثل خرافة "100 مليون صحة" وتطور علاج فيروس الكبد، فلماذا لم تحضر الاجتماع وزيرة صحة الانقلاب (وهذا من صميم وظيفتها) بدلا من وزير خارجية الكيان الانقلابي سامح شكري؟

ومثل شبهة التورط مع الصين، هل يمكن أن يكون موقف رئيس منظمة الصحة العالمية مجاملة غير مسؤولة للكيان غير الشرعي في مصر ليستغلها لرفع أسهمه في أسواق شرعية مزيفة؟

إن اللجنة الطبية للمجلس الثوري المصري تقوم حاليا بالتحري عن وجود شبهة في موقف الصحة العالمية بتقريظها موقف الكيان الانقلابي في مصر، المخالف تماما لحقيقة الأوضاع المزرية على أرض الواقع، ومن ثم التقدم بطلب للتحقيق من خلال الأمم المتحدة.
2
التعليقات (2)
عبد الله السيد
الإثنين، 27-04-2020 04:37 ص
كلام صحيح.
ihabr
الإثنين، 20-04-2020 03:23 م
سيناريو خيالي يصعب تصديقه

خبر عاجل