مقالات مختارة

3 سيناريوهات أمام الأزمة السودانية

ياسر محجوب الحسين
1300x600
1300x600

لا شك أن محاولة اغتيال رئيس الحكومة السودانية عبدالله حمدوك الإثنين الماضي، كانت الحدث الأبرز محليا وإقليميا، لكنها في الوقت ذاته، لم تكن سابقة خطيرة أو الوحيدة في مسرح السياسة السودانية؛ لكنها ربما كانت الأكثر دراماتيكية.


صحيح أن ثقافة الاغتيالات السياسية لا وجود لها في السودان، بيد أن الصراع السياسي بين الفرقاء السودانيين بلغ حدا بعيدا في إنتاج واستثمار بعض الأحداث الدراماتيكية. في أبريل من عام 1986 أعلن أن الراحل حسن الترابي زعيم الجبهة الإسلامية حينها، قد تعرض لمحاولة اغتيال وأن سيارته أطلقت عليها النيران في أحد شوارع العاصمة الخرطوم، واتهمت الجبهة جهات وصفتها بالعميلة هدفها عرقلة الانتخابات.


وفي نوفمبر 1988 أعلن أن هجوما مسلحا استهدف منزل محمد عثمان الميرغني زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي. وهكذا تبخرت الحادثتان بعد أن قضى السياسيون حاجتهم التي كانت في نفوسهم.


اليوم الحكومة التي يرأسها حمدوك وهو الشخصية المستهدفة بالمحاولة المعلن عنها، مطالبة بالكشف بأقصى سرعة عن الجناة وتقديمهم لمحاكمة علنية وعادلة، ومطالبة كذلك بعدم استغلال الحادث لإجراءات أمنية على حساب الحريات وحقوق الإنسان، وإن كانت هذه المحاولة تمثيلية (على الأقل هناك شكوك جدية بشأنها)، وكان المقصود منها فك الحصار عن حمدوك وحكومته بسبب الضوائق المعيشية، والعودة إلى مربع الشحن العاطفي للجماهير، فإن مثل هذه المحاولات تزيد من عدم الاستقرار وتؤثر سلبا على الاقتصاد، وتزيد من معدلات انخفاض العملة الوطنية، وتعطي مبررا لبقاء السودان على قائمة الإرهاب بسبب الاعمال الإرهابية.


ولعل مسرح الحادث يكشف للوهلة الأولى أن ما حدث ليس محاولة اغتيال جدية بأي حال من الأحوال. فتفخيخ السيارة المستخدمة في أي محاولة اغتيال، عادة ما يكون بمادة TNT أو مادة C4 شديدتي الانفجار، ولحظة الانفجار يتأثر محيط الانفجار في دائرة نصف قطرها 2 كلم بأضرار متفاوتة.

 

وعندما تتم مقارنة صور الحادث الأخير بصور حوادث أخرى خارجية، يتضح وجود فوارق شاسعة من ناحية حجم الدمار، مما يشير إلى أن المتفجرات التي استخدمت في الحالة السودانية تبدو غير ذات جدوى، ويتعزز الاعتقاد بأن ما حدث لا يتعدى كونه رسالة ما، أكثر من كونه محاولة اغتيال فعلية.


ولعل الأمر الأكثر إثارة، هو الكشف عن أن حمدوك لم يكن أصلا في السيارات المستهدفة ساعة وقوع الحادث، حسب تصريحات لوزير شؤون الرئاسة والمخابرات العامة.


فهل هذه المحاولة مسرحية هدفها رفع شعبية الحكومة التي التي بلغت مستويات متدنية؟ أم إنها بالفعل محاولة من قبل أنصار النظام السابق بهدف عرقلة مسار الحكومة بأي ثمن وإرسال رسالة عنيفة في بريد الخصوم؟ أم إنها محاولة للتخلص من قيادات ورموز النظام السابق الذين يقبعون في السجون دون محاكمات حتى هذه اللحظة؟ وما يعزز ذلك أيضا، تصريح أحد قادة تحالف الحرية والتغيير الحاضنة السياسية لحكومة حمدوك حين قال: "يجب العمل الآن على التعجيل بمحاسبة رموز النظام السابق، واتخاذ القرار بشأن إبقاء رؤوسهم على أعناقهم أم فصلها".


ودون ترجيح كفة أيّ من تلك الاحتمالات، فإن الأمر الواضح في كل هذه الاحتمالات عدم جدية هذه المحاولة، التي لو أوكل إخراجها لأحد مخرجي أفلام الآكشن المحترفين لكانت أقرب للتصديق.


وتزداد المخاوف بسبب ربط المحاولة بالارهاب لأجل تمرير قانون لمحاربة الإرهاب كما يحدث في مصر، ويأتي ذلك على هوى دول إقليمية متهمة بالتدخل في الشأن السوداني. ومن خلال هذا القانون سيتسنى الحجر على الحريات، فالعملية السياسية الديمقراطية التي يراد لها أن تتعزز بقيام الانتخابات بعد نهاية الفترة الانتقالية، أمر لا تستسيغه تلك الدول المتربصة.


إن لدى حمدوك وحكومته وحاضنتهم السياسية مخاوف كبيرة تصل لحد الهستيريا عقب تفاقم أزمة نقص الوقود والخبز، الأمر الذي رفع سقف توقعات غضب الشارع وثورته. وتتداول بعض الأوساط السياسية عددا من السيناريوهات التي ظلت تدور في أذهان مستشاري وبعض مؤيدي حكومة حمدوك، تهدف لتجنب ما لا تحمد عقباه. فالسيناريو الأول؛ أن يذيع حمدوك بيانا عاجلا للشعب السوداني، يعلن فيه أن المكون العسكري ممثلا في الجنرال عبد الفتاح البرهان ونائبه الجنرال محمد حمدان حميدتي، يعمل على إفشال حكومته ويطلب من الجماهير الخروج للشارع وتفويضه تفويضا كاملا لإدارة البلاد، مما سيجعل المكون العسكري يدخل في صدام مباشر معه، الأمر الذي سيجعله في حل من أي فشل لازم أداء حكومته في الفترة الماضية.


أما السيناريو الثاني؛ حل الحكومة وتشكيل حكومة أزمة من عدد قليل جدا من الوزراء، وكون ذات أهداف محددة، بغرض امتصاص غضب الشارع وكسب الوقت؛ انتظارا لدعم خارجي يسعف الوضع الاقتصادي.


أما السيناريو الثالث؛ أن يتم الإعداد الجيد لمحاولة اغتيال مزعومة وهو ما تم تنفيذه بالفعل -وفقا لتلك الأوساط السياسية-، إلا أن التنفيذ كان ضعيفا للغاية؛ لذا كانت الاستجابة ضعيفة جدا لتسيير تظاهرات مليونية تندد بالمحاولة، وتظهر الدعم السياسي لحمدوك وحكومته الغارقة في الأزمة الاقتصادية.

 

(الشرق القطرية)

0
التعليقات (0)

خبر عاجل