هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تقاطر العشرات من الناس في شهر يوليو / تموز ليتجمعوا على متن قارب
اسمه باديس الأول يملكه الملك محمد السادس، وهو راس بالقرب من مقر الإقامة الملكي
في المضيق.
دعا
الملك نخبا من داخل الدار البيضاء والرباط للمشاركة في تدشين القارب الذي يبلغ
طوله سبعين مترا، ويعتبر واحدا من أطول القوارب في العالم، وطلب منهم الصعود وهم
حفاة حتى لا تلوث أحذيتهم جسر العبور من المرسى إلى القارب.
فعليا،
زارت هذه النخبة المختارة من الضيوف المضيق مرتين، حيث أن الدعوة كانت في الأصل
لليوم السابق، ثم لما وصلوا قيل لهم، ودونما توضيح، إن التدشين تم تأجيله أربعة
وعشرين ساعة.
فعادوا
في اليوم التالي وقد ارتدوا أفضل ما لديهم من ملابس. كان الملك هذه المرة موجودا
لتحيتهم برفقة ثلاثة من الأصدقاء المقربين: الإخوان أبو زعيتر، وهم ملاكمون ألمان
من أصول مغربية.
قوارب
فارهة
يملك
محمد السادس قاربا شراعيا طوله اثنين وستين مترا يسمى البوغاز، ولكن احتفالا بمرور
عشرين عاما على تنصيبه ملكا فقد أهدى لنفسه سفينة أكبر وأحدث. ذكرت صحيفة تيل كيل
التي تصدر في الدار البيضاء إن مالك القارب السابق الملياردير بيل دوكر عرضه للبيع
بمبلغ ثمانية وثمانين مليون يورو. إلا أن السعر الفعلي للشراء سيظل طي الكتمان،
حيث أن القصر الملكي ممتنع عن الإفصاح عن أي معلومات بهذا الشأن.
وبحسب
تقارير أوردتها وسائل الإعلام اليونانية، بينما كان الملك محمد السادس يحتفي
بضيوفه، كانت زوجته السابقة لالا سلما، مع ولديهما ولي العهد مولاي حسن ولالا
خديجة، تمضي العطلة على متن قارب فاره على الجانب الآخر من البحر المتوسط فوق مياه
بحر إيجة.
تتصادف
مظاهر الترف البحري هذه مع الكشف عن أرقام، تبقى في العادة طي الكتمان، تشير إلى
زيادة معدلات الهجرة غير الشرعية من المغرب إلى إسبانيا عبر البحر.
في
عام 2018، شكل المغاربة ما نسبته 22 بالمائة من عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين
وصلوا إلى الشواطئ الإسبانية، ويتجاوز عددهم 57 ألفا. وخلال النصف الأول من عام
2019، رغم أن العدد الإجمالي للمهاجرين غير الشرعيين تراجع، إلا أن نسبة المغاربة
فيهم ارتفعت إلى ما يقرب من ثلاثين بالمائة. وفي أيار/ مايو حققت نسبتهم رقما
قياسيا حيث وصلت إلى ثمانية وأربعين بالمائة.
لا
تظهر مثل هذه الإحصائيات في موقع وزارة الداخلية الإسبانية، والتي تلتزم بسياسة
عدم الكشف عن أعداد الواصلين بحسب جنسياتهم وذلك بهدف تجنب إغضاب السلطات في
الرباط من خلال تسليط الضوء على تفشي وباء الهجرة. إلا أن مدريد تقوم بتوصيل هذه
البيانات إلى الوكالات الأوروبية ذات الصلة.
ظاهرة
الهجرة
تأخذ
هذه الإحصائيات بعين الاعتبار فقط جزءا من ظاهرة الهجرة المغربية. عندما يطأ
المهاجرون القادمون من جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا شواطئ الأندلس بأقدامهم
فإنهم يسعون لأن يقعوا في قبضة السلطات، علما منهم بأنهم سوف يوفر لهم المأوى
والمأكل لمدة تقترب من شهرين وأن احتمال إعادتهم إلى البلدان التي جاءوا منها ضئيل
في كل الأحوال.
يختلف
الوضع تماما في حالة المغاربة والجزائريين الذين أعادت السلطات في عام 2018 36
بالمائة و 32 بالمائة منهم على التوالي، ولذلك فهم يحاولون بأي ثمن تجنب الوقوع في
قبضة السلطات الأمنية الإسبانية بعد الوصول.
بالإضافة
إلى ذلك، هناك أيضا أولئك الذين يدخلون إسبانيا بشكل قانوني ولكن يختارون البقاء
فيها بعد انتهاء صلاحية إذن الدخول ونفاد مدخراتهم.
وبحسب
تقرير نشرته وكالة الأنباء الإسبانية، فإن سبع عشرة بالمائة من الخمسة عشر ألف
فتاة اللواتي أتين للعمل في قطف الفراولة في منطقة هويلفا لم يعدن إلى بلادهن –
وذلك على الرغم من أن جزءا من أتعابهن يحتجز ولا يصرف لهن إلا حين المغادرة.
تعتبر
إسبانيا المعبر الرئيسي لمن يرغب من المغاربة في الدخول إلى أوروبا، ولكنها بكل
تأكيد ليست المعبر الوحيد. ليس مستغربا بتاتا أن يغادر المغاربة بأعداد كبيرة:
فطبقا لاستطلاع أجرته قناة البي بي سي العربية فقد أعرب أربعة وأربعون بالمائة من
المغاربة عن أمنيتهم في الهجرة، أي بمعدل يزيد سبعة عشر بالمائة عما كان عليه قبل
ثلاثة أعوام. ترتفع هذه النسبة لتصل إلى سبعين في المائة وسط من هم دون الثلاثين
من العمر.
وقال
ما يقرب من نصف المغاربة إنهم يرغبون في رؤية تغير سياسي سريع في بلدهم.
الانتفاضة
القادمة؟
إذا
كانت السلطات المغربية تبذل جهدا في الحد من هجرة الأفارقة القادمين من جنوب
الصحراء الكبرى باتجاه أوروبا، فإنها لا تظهر نفس الحرص عندما يتعلق الأمر
بمواطنيها. ذلك ما تظهره البيانات المتوفرة لدى الإسبان بالإضافة إلى شهادات بعض
الأشخاص من منطقة الريف الذين كثيرا ما يحدثون الشرطة حول مدى يسر المغادرة عبر
البحر بالنسبة لهم.
يبدو
محتملا أن المنطق السائد داخل وزارة الداخلية في الرباط يسير على النحو التالي:
كلما قل عدد الشباب الساخطين داخل منطقة الريف كلما زاد احتمال بقاء هذه المنطقة
القابلة للانفجار في حالة من الهدوء والاستقرار.
في
ضوء نتائج الاستطلاع الذي أجرته مؤخرا، طرحت البي بي سي السؤال التالي: "هل
يمكن أن يشهد المغرب تفجر الانتفاضة القادمة بعد السودان والجزائر؟" لربما
أصبح هذا السؤال أكثر إلحاحا الآن بعد الاستعراض المتباهي بالثروة البحرية في
المضيق وفي مياه بحر إيجة بينما لا تتوقف مساعي المغاربة للهجرة عبر البحر في
قوارب بدائية الصنع.
تقول
مصادر وكالات الحدود الأوروبية إن مئات المهاجرين قضوا نحبهم حتى الآن، معظمهم من
الأفارقة ولكن بينهم بعض المغاربة أيضا، وهم في طريقهم إلى إسبانيا.
بينما
لا تتجاهل الصحافة المغربية نمط الحياة المترف للعائلة الملكية الحاكمة، إلا أنها
تمارس نوعا من الرقابة الذاتية الصارمة حينما يتعلق الأمر بقضية الهجرة، التي إما
أنها تناقش بحذر شديد أو يتم تجاهلها تماما. أما وسائل التواصل الاجتماعي فتعج
بالانتقادات الموجهة نحو الإسراف الملكي، بما في ذلك إجراء مقارنات بين سعر قارب
الملك والميزانيات التي تخصصها الدولة للتعليم أو الرعاية الصحية.
وما
لبثت سمعة العائلة الملكية الحاكمة أن تلقت ضربة أخرى، كما حدث إزاء قضاء الملك
فترات طويلة خارج البلاد أو حينما اشترى ساعة ثمنها مليون دولار.
هل
تكفي هذه التظلمات لدفع المغرب للسير في نفس الطريق الذي سلكه السودان والجزائر؟
من يدري، فكل شيء ممكن، وخاصة أن الأحداث التي شهدتها البلاد التي تطلع عليها
الشمس قبلهم قد حفزت كثيرا من المغاربة واستفزتهم.
عن موقع "ميدل إيست آي" البريطاني ترجمة "عربي21"
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)