هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
ترعى أمريكا لبنان من قرب ولا تدع مناسبة إلا وتجدد دعمها له. في
عقود الاقتتال والغزو الإسرائيلي والوصاية السورية، لم يخل بيان أمريكي من تمسك
واشنطن باستقلال ووحدة لبنان وسيادته. وفي مرحلة لاحقة، ساندت القرارات الدولية
القاضية بإخراج الجيوش والميليشيات الأجنبية من لبنان، وتولت دعم الجيش والمؤسسات
الأمنية تدريبا وتسليحا، وشاركت بفعالية في كل المؤتمرات الخاصة بدعم عمليات
الإعمار والتنمية والاستقرار...
الأمر
عينه تقوم به الولايات المتحدة في العراق منذ إطاحتها بالقوة نظام صدام حسين. دعمت
تحولا في السلطة أدى إلى تمكين التنظيمات الشيعية، وبينها من نشأ واستعد في ايران
فوالاها والتحق بسياستها، وأقامت نظاما يقوم على اقتسام طائفي وقومي جديد لمقدرات
البلد، وكانت الحصيلة بعد 16 عاما توطيدا لنفوذ "الحرس الثوري" الإيراني
الذي صنفته مطلع نيسان (أبريل) الماضي تنظيما إرهابيا.
تقيم
أمريكا في العراق قواعد عسكرية ضخمة تواجه تحديات مباشرة من تنظيمات موالية
لإيران، إلا أنها تشاركت معها حربا ضد "الإرهاب" و"داعش" في
الموصل وسهل نينوى. وفي سورية، صدف أن انخرط أمريكيون وإيرانيون وميليشيات تابعة
لهم في حرب وصفت أيضا بأنها "ضد الإرهاب". لم يحصل تنسيق مباشر إلا أن
اللقاء الموضوعي حول الهدف المعلن كان حاصلا، بقيادتين مختلفتين، واحدة تنتمي إلى
الأسد وأخرى إلى التحالف الدولي...
في
العراق ولبنان، تعاني السياسة الأمريكية التباسات متشابهة نتيجة تنامي نفوذ خصمها
الإيراني، ووصول العلاقة بينهما إلى حافة الصدام. والنتيجة إعفاء العراق من مرتبات
العقوبات على إيران بما يسمح له بمواصلة استيراد الغاز والطاقة الكهربائية منها،
وتحويل البلاد إلى "صراف إيراني" كما يقول منتقدون عراقيون. وفي لبنان،
لا تمنع العقوبات على قيادات في "حزب الله"، وآخرها تناول نائبين
ومسؤولا كبيرا، النظام المصرفي من العمل ضمن الشروط الدولية والأمريكية برعاية
الدولة وتوجيهاتها.
إلا
أن هذا المشهد عرضة للاهتزاز مع تصاعد حدة المواجهة بين طهران والغرب من جهة،
وبينها وبين المجموعة الخليجية العربية من جهة ثانية. فالتوتر الإيراني يترجم
حوادث خطيرة في الخليج العربي ومضيق هرمز. والردود الدولية تتوالى ضغطا لتصفير
الصادرات النفطية الإيرانية وشل قدرات طهران العسكرية. وإدراج "الحرس
الثوري" في قائمة المنظمات الإرهابية، خطوة متقدمة في الضغوط التي طالت
المرشد الإيراني وزعيم "حزب الله" اللبناني وعددا من أركانه، وما إضافة
نواب من الحزب إلى لائحة العقوبات، إلا تصعيدا واستهدافا لـ "الحرس"
والقيادة الإيرانية بالذات، آخذا بعين الاعتبار العلاقة الوثيقة بين تلك القيادة
و"حزب الله"، والتي دفعت الأمين العام للحزب في أيار (مايو) الماضي إلى
التهديد نيابة عن المرشد وإيران بـ "ردود قاسية" على القرارات الأمريكية.
استثنت
واشنطن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف من العقوبات، واختارت نائب بيروت
أمين شري لتعاقبه. في الشكل هناك ما يثير الضحك، لكن في المضمون هذا واقع الأمر من
لبنان إلى العراق، ففي البلدين متسع لصناديق بريد كثيرة، أما الظريف فمتروك للحظة
التفاوض عندما يحين أوانها.
عن صحيفة الحياة اللندنية