قضايا وآراء

القضية الفلسطينية كأولوية للعرب للخروج من أزماتهم

جواد الحمد
1300x600
1300x600

تتزايد الأزمات العربية اليوم بدءاً بالأزمة السورية، والليبية، واليمنية، وانتهاءً بأحدثها وهي الأزمة الخليجية، كما تعاني دول عربية، مثل مصر والسودان والجزائر، من مشاكل واحتقانات داخلية تُلقي بظلال ثقيلة على فاعليتها على المستويين الإقليمي والدولي.

 

وهي في المجمل أزمات تركت آثارها السلبية على الوضع العربي وقضاياه، وخصوصاً القضية الفلسطينية.. ما شجع الإدارة الأمريكية على المبادرة بطرح رؤيتها لتسوية القضية الفلسطينية أو بالأحرى تصفيتها تحت مُسمّى صفقة القرن.

 

ومع ذلك، تبقى القضية الفلسطينية القاسم المشترك الذي لا يزال يجمع العرب، بصرف النظر عن بعض المحاولات لإعادة تعريف العدو ومصدر التهديد المتفق عليه عربياً بأنه إسرائيل.

 

ومن هنا يسعى هذا التحليل إلى التنبيه على أهمية هذا القاسم المشترك وبما يشكّله من فرصة أمام العرب ليتّحِدوا عليها كقاعدة انطلاق باتجاه الخروج من أزماتهم.


مخاطر سياسات الولايات المتحدة الجديدة

 
تتعرض القضية الفلسطينية لمخاطر جمّة كما تعرّضت لها مراراً من قبل، لكنّ هذه المرحلة التي يتحالف فيها اليمين الصهيوني المتطرف في إسرائيل والصهيونية المسيحية في الولايات المتحدة تشكّل منعطفاً ربّما أكثر خطورة، خاصةً أن الظروف العربية الداخلية تمرّ كذلك بعملية تفكيك وتناحر صراع محاور، وخلافات في كثير من الملفات، وربّما يعدّ تحول سياسات دول عربية نحو محاربة إيران إلى جانب إسرائيل انحرافاً استراتيجياً عن بوصلة القضية والصراع العربي- الإسرائيلي والمصلحة العربية.

 

يُضاف إلى ذلك الخلافات الفلسطينية التي طال أمدها في ظلّ غياب أي جهد عربي ناجح لإنهائها، الأمر الذي يُضعف الموقف السياسي العام للأطراف السياسية الفلسطينية على المستوى الدولي.

 

ولذلك فإن نجاح السياسات الأمريكية الجديدة في خلق واقع دولي، وفرضه على الشعب الفلسطيني أو على الأردن، لا يحظى باحتمالات عالية، والتجربة التاريخية تؤكد أنّ الشعب الفلسطيني، وبدعم من الشعب الأردني والشعوب العربية، أفشلَ محاولات مختلفة للتصفية أو التسويات الظالمة

ويصرّ الأمريكيون على اتخاذ سياسات وقرارات تتساوق مع توجهات إسرائيل المتطرفة حتى لو تناقضت تماماً مع كل ما يتعلق بالصراع في القانون الدولي، وإن الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لدولة إسرائيل وأن الجولان المحتلّ جزء من إسرائيل يدلّل على نمطية العقلية والإدارة الأمريكية وكيفية تعاملها مع القضية الفلسطينية ومسألة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية عام 1967.

 

ولذلك فإنّ جهود الإدارة الحالية مُنصبّة على تفكيك ملفات القضية واتخاذ مواقف حاسمة تجاهها ومطالبة دول العالم بتبنّيها دون تطبيق القانون الدولي خلافاً لما درجت عليه الإدارات السابقة. 


وعلى الصعيد نفسه اعتبرت الإدارة الأمريكية أنّه ليس على الدول العربية، مثل دول الخليج والأردن ومصر، القبول بهذه التوجهات التدميرية للقضية فحسب، بل تبنّيها وترويجها والدفاع عنها، والضغط على الفلسطينيين للقبول بها والتوقف عن المطالبات التاريخية أو السياسية، والتخلي عن دعم أي مقاومة وسعي لإنهاء الاحتلال ونيل الحقوق الفلسطينية، ولو حتى في كواليس الأمم المتحدة.

 

ولذلك يمكن القول بأن القضية الفلسطينية في مثل هذه الظروف تتعرض لخطر التصفية أو التسويات الظالمة في أحسن الأحوال.


ومع كل هذه الإشكالات والمخاطر، إلا أنّ الفلسطينيين بكل اتجاهاتهم، رسمياً وشعبياً، والأردن كذلك بكل اتجاهاته رسمياً وشعبياً، يرفضون تماماً التعامل مع مثل هذه التوجهات، ويدفعون ثمناً باهظاً لمواقفهم هذه.


ولذلك فإن نجاح السياسات الأمريكية الجديدة في خلق واقع دولي، وفرضه على الشعب الفلسطيني أو على الأردن، لا يحظى باحتمالات عالية، والتجربة التاريخية تؤكد أنّ الشعب الفلسطيني، وبدعم من الشعب الأردني والشعوب العربية، أفشلَ محاولات مختلفة للتصفية أو التسويات الظالمة للقضية والشعب، ولذا فالشعب الفلسطيني هو حجر الأساس في مواجهة الاحتلال والإدارة الأمريكية.

 

ولذلك سارع الأردن الرسمي بالاستقواء بالشعب الأردني بكل قواه وأطيافه، وبادرت الحركة الإسلامية والقوى السياسية في الأردن بالوقوف إلى جانب الدولة وتأييد موقفها، وبدأت التوافقات تتزايد في المجتمع الأردني لتصليب الجبهة الداخلية أمام صفقة القرن ورفض الوطن البديل، وعلى الصعيد الفلسطيني، ورغم الانقسام القائم، إلّا أنّ الضغوط الأمريكية تشكل فرصة للتوحّد على موقف واحد وجبهة واحدة، بعيداً عن أي خلافات، وهو ما يشكل عقبة حقيقية أمام أي قرارات أمريكية.


التطبيع العربي مع إسرائيل ضربة للقضية الفلسطينية 

 
إنّ أيّ علاقة من أيّ نوع وبأيّ مستوى مع إسرائيل تشكل دعماً للمشروع الصهيوني، وتشكل طعنة في ظهر الشعب الفلسطيني ومقاومته للاحتلال، وهذه المعادلة هي مرجعية القياس. واليوم تسود البيئةَ السياسيةَ العربيةَ حالةٌ من عدم الإدارك للعدو وحقيقته، مع فقدان التوازن في سياسة بعض الدول بسبب الخلافات البينية، وبسبب الأكاذيب الإسرائيلية تجاهها بأنّها ستقف معها ضدّ إيران، وبسبب الضغوط الأمريكية على هذه الدول العربية بأنّ التطبيع مع إسرائيل يشكل المعبر لتحقيق مصالحها.

 

وينبغي التذكير هنا، وحتى لا ينسى العرب، بأنّ الولايات المتحدة وقّعت الاتفاق النووي مع إيران ولم تستشر أيّ دولة خليجية أو عربية، وأنّ الإدارة التالية ألغت الاتفاق من جانب واحد ولم تستشر كذلك أيّاً من العرب، ولذلك فإنّ علاقات الولايات المتحدة وإسرائيل مع إيران لا علاقة لها بمصالح العرب، ولا تأخذ بعين الاعتبار تحقيق الأمن والاستقرار العربي كما يزعمون، وإنّ الذي مكّن لإيران في العراق هي الولايات المتحدة، كما أنّ إسرائيل زوّدت إيران بصفقات سلاح ضخمة (إيران غيت) لدعم قواتها العسكرية في حربها مع العراق خلال الفترة 1982-1988. ولذلك فإنّ التطبيع مع إسرائيل لن يجلب الأمن والاستقرار لأي دولة عربية كما لم يأت به لغيرها من قبل، ولن ينهي تطلعات وسياسات إيران في المنطقة كما ثبت تاريخياً. 


وإنّ لمسألة إيران حلولاً أخرى ناجحة كما فعلت السعودية وقطر عام 2007 في احتواء تزايد أخطار الحرب بين الطرفين بمبادرة خليجية، حيث دعت القمة الخليجية في الدوحة آنذاك الرئيس الإيراني، واستقبله في المطار الملك عبد الله بن عبد العزيز والشيخ حمد آل ثاني، ونجحت الدبلوماسية الخليجية العربية في نزع فتيل المواجهة، وتمّت عمليات دبلوماسية لاحقة بين الطرفين لتطوير الحالة إلى علاقات سلمية وتعاون اقتصادي بديلاً عن الحرب التي تدمر الجميع، لكن هذا النهج عند الطرفين لم يستمر للأسف.

 

شكّلت أزمة الخليج عام 2017 منعطفاً مؤثراً على دول مجلس التعاون الخليجي وعلى العالم العربي، وشكّلت تبايناً خطيراً في المواقف لدرجة أنّ دولاً عربية أصبحت قابلة للابتزاز على صعيد العلاقة مع إسرائيل وموقفها من القضية الفلسطينية

ومن ناحية ثانية، تعاني إسرائيل اليوم من ضيق شديد في البعد الاستراتيجي، وهي عاجزة عن التعايش مع الإشكال الفلسطيني، حتى في ظلّ الانقسام، فلا هي على حال مستقر في خط المفاوضات مع حركة فتح وحلفائها، ولا هي على حال مستقر في خطّ المقاومة حتى في ظلّ الحصار القاهر على قطاع غزة، إضافة إلى تزايد إشكالية علاقاتها مع تركيا الدولة الإقليمية الكبرى في المنطقة، وما تزال تتحسب لأيّ سياسات إيرانية قادمة تطال أمنها الخاص وليس أمن دول الخليج، ما يجعلها تسوِّق أيّ تطبيع معها (أي إسرائيل)، وعلى أيّ مستوى، وكأنّه انفراجة استراتيجية للحصار والمقاطعة العربية.

 

ولكنّه في الميزان العربي السليم يشكّل دعماً لاستمرار عدوانية إسرائيل وإطالة أمد احتلالها لفلسطين ولقهر الشعب الفلسطيني وتهويد القدس، فضلاً عن أنّ أيّ توجّه للتطبيع مع إسرائيل لا يخدم أيّ مصالح وطنية أو قومية عربية. لذلك فإنّ هذه التوجهات تشكّل توهّماً في تحقيق مكاسب وهمية.


وقد فشلت كل الجهود التطبيعية والإغراءات المالية والسياسية التي قُدِّمت من العرب لإسرائيل وتوقيع المعاهدات معها منذ عام 1978، بما في ذلك المبادرة العربية للسلام عام 2002، حيث فشلت في تغيير استراتيجية ونهج إسرائيل في استمرار عدوانها على الفلسطينيين وحقوقهم وأرضهم، بلا أي احترام لأي موقف عربي.

 

وهي دروس لا يمكن لأيّ مراقب سياسي القفز عنها. كما أنّ أيّ محاولات تطبيعية مع إسرائيل لا تصبّ على الإطلاق في مصلحة القضية الفلسطينية ولا تخدم حتى عملية السلام المتوقفة، بل تخدم تنامي قوة ونفوذ اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي لا يؤمن بالسلام على الإطلاق، وبالتالي فهي (بالتطبيع مع اسرائيل) إنّما تشجع سياساتها التهويدية والمعادية للعرب والفلسطينيين وتعقّد حلّ القضية السياسي المزعوم.

 

أزمة الخليج والقضية الفلسطينية 

 
شكّلت أزمة الخليج عام 2017 منعطفاً مؤثراً على دول مجلس التعاون الخليجي وعلى العالم العربي، وشكّلت تبايناً خطيراً في المواقف لدرجة أنّ دولاً عربية أصبحت قابلة للابتزاز على صعيد العلاقة مع إسرائيل وموقفها من القضية الفلسطينية وما يسمى أمريكياً "مكافحة الإرهاب"، وهو ما شجّع الرئيس الأمريكي للضغط على كثير من الدول العربية للحماية من خطر إيران.

 

القضية الفلسطينية اليوم بحاجة إلى استراتيجية عربية مختلفة، ومواقفٍ عربيةٍ أكثر جدّية والتزاماً في الواقع، وليس فقط في قرارات الجامعة العربية ورقياً

ونظراً لعدم قدرة آليات مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية وغيرهما على التوصل لحلّ الأزمة فقد شكلّت جزءاً محزناً وسلبياً في المشهد العربي، وأضعفت الموقف العربي لمواجهة السياسات الغربية المعادية من جهة، وسياسات إيران في اختراق المنطقة من جهة أخرى، وفي مواجهة السياسات الصهيونية والأمريكية التي تدمّر القضية الفلسطينية أيضاً، وأضعفت الموقف العربي إزاء موجة الإرهاب العالمية ضدّ المسلمين، وحملات نشر الكراهية ضدهم في كل مكان فيما يعرف بالإسلاموفوبيا، ناهيك عن استنزاف دول الخليج ذاتها على الصعيد الاقتصادي والإعلامي والسياسي، وبناء فجوة بين شعوبها، وتنامي أدوار دول إقليمية غير عربية على حساب العرب في كثير من أزمات المنطقة.


كما أنها أضعفت دور المجلس في العمل على بناء الاستقرار والأمن في المنطقة. ولذلك فإنّ استمرار وتفاقم أزمة الخليج يشكّل مِعوَل هدم للمصالح العربية ومن ضمنها الخليجية، وتوفر الفرصة للطامعين بالعالم العربي وثرواته لتحقيق العديد من أهدافهم على حساب أهداف الأمة العربية ومصالحها وخاصة فيما يتعلق بثروات دول مجلس التعاون الخليجي جميعاً.

 

وبالتحليل المنهجي فإنّ هذه النتائج والتداعيات تشكل عاملاً سلبياً إزاء القضية الفلسطينية وتتيح الفرصة للأمريكيين والإسرائيليين لفرض تصوراتهم بشكل أكثر جرأة من ذي قبل.


الدور العربي اللازم لحماية القضية الفلسطينية 

 
القضية الفلسطينية اليوم بحاجة إلى استراتيجية عربية مختلفة، ومواقفَ عربيةٍ أكثر جدّية والتزاماً في الواقع، وليس فقط في قرارات الجامعة العربية ورقياً، والقضية الفلسطينية تستند أساساً على الشعب الفلسطيني الثابت في أرضه والمقاوم باستمرار للاحتلال، ولذلك فإنّ على العرب حكومات وحركات سياسية وأحزاباً وتيارات فكرية أن تعمل على تقوية هذا العامل الاستراتيجي (ثبات الشعب الفلسطيني ومقاومته) في تحقيق إنهاء الاحتلال بتقديم الدعم الكامل له في الداخل والخارج، وتوفير متطلبات صموده واستمراره في إحياء قضيته، ومواجهة الاحتلال لإضعافه ودفعه للتفكير جدّياً بالانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967 على الأقل.

 

وتأكيد التوافق العربي الرسمي على الحدّ الأدنى المتفق عليه بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي المحتلة، وإقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة على كل هذه الأراضي وعاصمتها القدس، وإعادة اللاجئين الفلسطينيين والنازحين إلى أراضيهم وبيوتهم التي هُجِّروا منها، والعمل على تحقيق تماسك دولي بالتعاون مع دول إسلامية أخرى ما تزال تتمسك بهذا الموقف مثل تركيا وباكستان وماليزيا وإندونيسيا وإيران، والعمل على توفير مظلة عربية لإعادة توحيد الصفّ الفلسطيني وخصوصاً بين فتح وحماس وبين الضفة الغربية وقطاع غزة.

 

كذلك العمل على المحافظة على قوة وتماسك وضع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948، وتشجيع العمل للقضية الفلسطينية في كافة الدول العربية، سواءً من الفلسطينيين أو من مواطني هذه الدول، وبالطبع يستلزم هذا وقف كافة أشكال التطبيع مع الاحتلال ومقاطعته ليشعر بالتهديد الوجودي، وليفكّر بالاستجابة للضغوط بإنهاء الاحتلال، مع عدم اتخاذ سياسات عربية جُرِّبت وفشلت تماماً وأتت بنتائج عكسية وبزيادة أمد الاحتلال وصلفه وتطرفه، لا سيما أنّ الانتخابات الاسرائيلية في أبريل 2019 أثبتت أنّ الأحزاب الصهيونية والناخب الصهيوني حسم أمره في خط اليمين المتطرف الذي لا يؤمن بالسلام مع العرب، ولا يؤمن بالانسحاب من أيّ جزء من فلسطين لاعتبارات أيديولوجية عقائدية وخرافات تلمودية.


ولذلك فإنّ العمل اليوم يجب أن يَنصَبّ من قِبل من يؤمن بالقضية الفلسطينية على توحيد الجانبين الفلسطيني والأردني شعبياً ورسمياً ودعمهما بكل ما يحتاجانه للصمود ومواجهة الضغوط بالحراك السياسي والإعلامي والقانوني والمقاومة الشعبية للاحتلال، إلى جانب المقاومة المسلحة والانتفاضة على الاحتلال.

0
التعليقات (0)

خبر عاجل