مقالات مختارة

صحّ واش راهم يقولو؟”!

جمال لعلامي
1300x600
1300x600

السلطة السياسية من خلال الحكومة والبرلمان والمجالس “المحلية”، من خلال الوزراء والنواب والولاة ورؤساء الدوائر والأميار والمنتخبين المحليين، قتلت الثقة في قلوب الأغلبية المسحوقة من الجزائريين، ولذلك لا يكاد يقف اليوم المواطنون في أيّ قرار أو إجراء قادم من السلطة، حتى وإن كان صادقا أو صحيحا، وهي بالتالي في نظر الجميع “كذبت ولو صدقت”!

يستوقفك سؤال يتكرّر على ألسنة مواطنين في الشوارع، والمقاهي والأسواق وأماكن العمل، وحتى في البيوت: “صح واش راهم يقولو؟”، ويقف المسؤول عاجزا أمام ذكاء السائل، فلا يستطيع أن يُجزم له إن كان ما سمعه صحيحا أم كاذبا، وهذا نتيجة تراكمات وتجارب أفرغت كلّ شيء من محتواه خلال السنوات الأخيرة والمتأخرة!

الكثير من التصريحات القرارات والإجراءات والتعليمات، إما كانت صادرة عن رئيس الجمهورية أو الوزير الأول، أو الوزراء، ظلت حبرا على ورق، ومنها ما صدر في الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية، لكنه لم تجد طريقها إلى التطبيق، وكان أيّ مواطن يقصد الجهة أو المصلحة المعنية، يتفاجأ لردّ عنيف ومستفز، مفاده وبالمختصر المفيد “ما وصلنا والو” !

الأخطر من ذلك، أن مسؤولين بلغت بهم العنجهية إلى ترديد استفزازات من شاكلة “أنا ديسيديت”، ومنهم من يردّ على المحتجين والغاضبين في ولايته أو بلديته “روحو تشتكو”، وآخرون كان يواجهون غضب المواطنين بعد إبلاغهم بأن الرئيس قال أو الوزير أعلن أو القرار نشر في الجريدة الرسمية، يردون بالفمّ المليان “روحو ليهم يفروهالكم” !

هذه هي مصيبة المصائب، التي وأدت الثقة ودفنت بقاياها في مقبرة الفلكلور، وهو ما قتل الثقة ولم تعد متوفّرة حتى في الوثيقة، وجعل الناس يشكون في كلّ شيء، ولا يثقون في أيّ شيء، ويوثقون كلّ شيء، من أجل الاستعانة بها وقت لا تنفع لا ثقة ولا وثيقة ولا “توريقة” ولا هم يحزنون!

من الطبيعي أن تتحوّل جميع الأخبار القادمة من السلطة السياسية، إلى “فيشنك”، وإلى “بارود عراسي”، فما بني على باطل فهو باطل، وقد تورّط أغلب المسؤولين، السابقين واللاحقين، الأحياء منهم والأموات، في تسمين اللاثقة، وتحريض الأغلبية والأقلية على تكذيب ما يأتي من الرسميين، خاصة وأن نصف الكأس المملوءة، كانت مملوءة غالبا بـ “الهفّ”، ونصفها الفارغة كانت “فستي” سال وساح من تلك الكأس!

المواطن الذي كذبوا عليه لسنوات، في سياق كذبهم على أنفسهم حتى صدقوا أكاذيبهم، لم يعد قادرا على تصديقهم مجدّدا، فالمثل الشعبي يقول “ألـّي قرصو الحنش يولّي يخاف من الحبيلة”!

عن صحيفة الشروق الجزائرية

1
التعليقات (1)
احمد / الجزائر
الأربعاء، 24-04-2019 12:51 ص
لهذا لا يفهمنا الاشقاء العرب