هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
من التقاليد التي توارثتها البشرية في كل المجتمعات، أن الأهل يدفعون أولادهم إلى المدارس منذ نعومة أظفارهم، وأهم الأهداف التي تدفعنا إلى دفع الأبناء إلى المدارس هو محو الأمية، وتأهيل الأبناء للحصول على الوظيفة من أجل كسب الرزق الحلال.
ولكن الطلب على التعليم في مراحل التعليم الجامعي يختلف عن الطلب على التعليم في مراحل التعليم الأساسي، لأن التعليم الجامعي يتجه بالطالب نحو التخصص من أجل بناء المستقبل، بمعنى أن وصول الطالب إلى المرحلة الجامعية، يعني أن الطالب قد اتخذ قرار المهنة التي سيمتهنها في حياته المستقبلية.
ولكن في أغلب الأحوال ما يحكم التخصص في التعليم الجامعي سوق العمل، وسوق العمل تتغير من وقت لآخر، فلقد كان الطلب على المعلمين المختصين بالعلوم الدينية والعربية والتاريخ في بلادنا يتصدر القائمة، ثم أصبح الطلب يتمحور حول المهندسين والأطباء، ولكن الطلب في عصر الإنترنت تغير تغيرا كبيرا، حيث أصبحت سوق العمل تطلب المؤهلين والمتمكنين في العلوم الرقمية وتكنولوجيا المعلومات بأنواعها وشعبها السيبرانية والتفاعلية والذكية المختلفة، إضافة إلى ذلك ظل الطلب قائما على التخصصات الطبية والهندسية، ولكن بمفهوميها الرقمي والتفاعلي.
والجديد الآن هو أن التعليم لم يعد مرهونا بتعليم القاعات والفصول، بل أصبح التعليم مستمرا مدى الحياة، كذلك لم يعد التعليم تحت القبة والفصول، بل أصبح أيضا التعليم عن بعد.
وفي الشهر الماضي عقد منتدى مسك العالمي في دافوس، وبعد انفضاض اجتماعات المؤتمر أدلى المشاركون بتصريحات مختلفة عن وظائف المستقبل، وأكدوا أنها وظائف تختلف كثيرا عن الوظائف التي عهدناها في كل الأزمان الغابرة، وبشروا بأن 65 في المائة من الأطفال الذين يلتحقون بالمدارس الابتدائية اليوم ،سيحملون مؤهلا لوظائف غير موجودة في سوق العمل.
إذا: السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما نوع التعليم والتدريب لوظائف الغد التي سيتمحور حولها الطلب في سوق العمل؟
تقول جولي جيباور رئيسة قسم الموارد البشرية في مؤسسة ويليس واتسون، إن تطلعات أبنائنا المهنية لا علاقة لها بوظائف المستقبل وقالت: هل تعلمون أن 43 في المائة من خريجي الجامعات الجدد في الولايات المتحدة، يعانون البطالة الجزئية في أول عمل لهم بعد تخرجهم من الكلية؟
ومن ناحيته ذكر بيل توماس رئيس المجلس التنفيذي لمؤسسة "كي بي إم جي" للدراسات، أن وتيرة التغيير آخذة في ازدياد، إذ إن 75 في المائة من موظفي مؤسسته يتم إعادة تدريبهم المهني، وسئل جيه رايدر المدير العام لمنظمة العمل الدولية الذي كان يحضر مؤتمر دافوس سؤالا محرجا: من الذي ينبغي أن يكون قلقا بشأن وظيفته؟ فرد قائلا: الموظف الممكن أتمتة وظيفته. وأضاف: نحن الذين سنشكل وظائف المستقبل، وأغلبها غير موجود حاليا، هناك وظائف ستختفي حتما، ولذلك ينبغي أن نفكر في ماهية المهارات، مثلا ينبغي على المحامين أن يشعروا بالقلق لأن وظائفهم ستتغير، وعلى هذا المنوال كثير من الوظائف التقليدية الشائعة ستتغير وتتبدل، وإذا لم نتغير بهوانا، فإن الواقع سيغيرنا رغما عن إرادتنا.
وفي هذا السياق، أشار بيل توماس إلى أن لدينا جيل الألفية الثالثة الذي سيشكل 65 في المائة من القوى العاملة في السنوات الخمس المقبلة، وسيصبح التعليم عندهم رغبة في تنويع نشاطهم عن طريق امتهان التعليم المعرفي أو التعليم مدى الحياة، الذي سيصبح ميزة تنافسية إذا أرادت المؤسسات البحث عن الموظفين متعددي المهارات والكفاءات، ولذلك ستختفي من شاشات سوق العمل ما يسمى بموظف الخبرة الذي يستمر في وظيفته 20 سنة مثلا، بل ستزداد التنافسية بين الماهرين والمتنوعين في المهارات من الموظفين.
ومن ناحيتها، فإن آدم جرانت من جامعة بنسلفانيا تشير إلى أن التعليم لا يعطي الموظفين المهارات العملية التي يحتاجون إليها، وأن الطريق الصحيح هو أن تتولى المدارس تعليم الطلاب، وفي الوقت نفسه تدريبهم على رأس العمل، وبهذه الطريقة يتعلمون كيفية ترسيخ التعليم المعرفي في سلوكهم وأفكارهم، وأضافت أنه ليس لدى أصحاب الأعمال قاموس مشترك للمهارات التي يتعين على الموظفين معرفتها وإتقانها، وتضيف كريستي هوفمان قائلة: في الولايات المتحدة لا تستطيع الانخراط في جامعة كبيرة، إلا بعد أن يكون الطالب قد اضطلع بأعمال بحثية ناجحة، أو أعمال تجارية عبقرية في المرحلة الثانوية، وتطالب الشركات أن تساعد في تعليم طلاب الثانوية على التفكير والابتكار والإدارة، حتى يكونوا مؤهلين لمواجهة ظروف العمل بالحلول غير التقليدية.
وتقدر الإحصائيات أن الثورة الاصطناعية ستتسبب في خروج نحو ثمانية ملايين عامل من سوق العمل العالمي، ولا شك أن خروج هذا الكم الهائل من العمالة التقليدية من السوق، يستلزم بالضرورة إحلال ملايين العاملين من ذوي المهارات في مختلف مجالات تكنولوجيا المعلومات.
وكما يحدث في الأسواق العالمية من تغيرات، فإننا ننتظر أن تأخذ سوق العمل في المملكة المنحى نفسه وتلفظ السوق أصحاب المهارات التقليدية، وتفتح ذراعيها لأصحاب المهارات الرقمية التفاعلية.
ولعلنا نلاحظ أن شيئا من هذا بدأ يحدث في المصارف الوطنية والشركات والمؤسسات التعليمية، فالشركات السعودية تطلب الآن موظفين من ذوي المهارات الذكية والرقمية العالية.
وواضح أن منتدى دافوس وضع النقاط فوق الحروف، وأعلن مرحلة جديدة من المهارات التي تحتاج إليها سوق العمل العالمية، وأن الافتقار إلى هذه المهارات سيفقد الموظف وظيفته.
عن صحيفة الاقتصادية السعودية