هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
الأحزاب هي مدرسة السياسة، ومن دونها سيصعب اكتشاف سياسيين وتقدمهم
إلى الصفوف الأولى عبر تداول سلمي للسلطة.
الطريقة
السائدة في مصر منذ عشرات السنين لا تلد أحزابا حقيقية. كانت في البداية عبارة عن
صحف تمارس المعارضة المكتوبة. بعضها بدأ قويا جدا ومناكفا للنظام مثل وفد مصطفى
شردي ومعاركه الشهيرة مع اللواء زكي بدر وزير الداخلية الراحل، ومثل جريدة الشعب
التي استطاعت إسقاط هذا الوزير بنشر تسجيل لأحد خطبه أغضب الرئيس مبارك فأطاح به،
وجريدة الأحرار في أول إصدار برئاسة الراحل صلاح قبضايا. تلك الصحف كانت تؤدي مهمة
شكلية، أن هناك معارضة، وبوسعها أن تعارض وتحتد وتدخل في معارك لكسر العظم.
لكن الحقيقة أنها استهلكت الناس في معارك كلامية جديدة عليها،
فاستبدل كثيرون صحفهم الصباحية المعتادة، ليشبعوا حاجتهم الطبيعية إلى من يعترض
ويناكف ويشير إلى الفساد الإداري والسياسي، ولو من بال الكلام.
في ظل ذلك اختفى الدور الحقيقي للأحزاب وراء ترويسة صحفها. كانت
"الوفد" الصحيفة أشهر بكثير من "الوفد" الحزب، الذي لم يكن
رئيسه معروفا في أوساط الشارع بقدر معرفتها برئيس التحرير مصطفى شردي. هذا جزء
صغير جدا من وظيفة الأحزاب التي يجب أن يكون هدفها الحصول على أكبر عدد من مقاعد
البرلمان والسعي للوصول إلى السلطة عبر الانتخابات.
أما المعارضة الصحفية فليست جديدة على مصر، فقد كانت موجودة في الصحف
الرسمية عندما كان رؤساء التحرير يتمتعون بنفوذ يتجاوز رئيس الوزراء، وكان كتاب
المقالات قلة، لكنهم أثرياء في فكرهم، مستقلون في آرائهم، غزيرو الثقافة ويتمتعون
بعمق سياسي كبير وبعلاقات متشعبة. بعد 2011 تكاثرت الأحزاب بعد التسهيلات
التي طرأت على إجراءات تأسيسها، إلا أنها مجرد أسماء، لا يمكن أن يذكر الناس منها
اسما واحدا، وحتى الصحف الحزبية صارت مستأنسة إلى حد أنه يمكن اعتبارها ملاحق
للصحف الرسمية.
وبدلا من ذلك اندمج بعضها ممن حصل على مقاعد في البرلمان، في حزب غير
رسمي داعم للنظام باسم ائتلاف دعم مصر، فلا معارضة ولا صوت ناقد أو حتى غاضب.
ظاهرة غريبة تنفرد بِها بلادنا بين كل بلاد الدنيا، ونظام سياسي نعجز
عن تعريفه، فلا هو حزبي متعدد، ولا هو نظام الحزب الواحد.
وحتى الخارجين عن السرب، ممن يطلق عليهم تكتل 25/30 ليسوا حزبا،
وإنما مجموعة ارتأت أن تكون خارج الائتلاف الداعم للحكومة.
لو قارنا ممارسة السياسة هنا بما كان في زمن الاتحاد الاشتراكي
العربي عندما لم يكن مسموحا بالأحزاب أو المعارضة، ستأتي لصالح الأخير الذي تكون
من أوعية قادرة على تعليم السياسة مثل اللجنة المركزية واللجنة التنفيذية العليا
والمؤتمر القومي العام. وانعكس ذلك على مجلس الأمة، مجلس الشعب لاحقا الذي قدم لنا
نماذج من النواب المعارضين الأقوياء.
الغريب أن الدستور الحالي يسمح ببرلمان قوي ويعطيه صلاحيات لم يتمتع
بها أي برلمان مصري طوال قرن ونصف، تضارع صلاحيات الرئيس أو تزيد، لكنه تخلى عنها
طوعا تحت وطأة خرافة تقول إن مصر مهددة، وأنها تتعرض لمؤامرات خارجية لتفتيتها، مع
أنها ظلت تحت الاحتلال الأجنبي مئات السنين، فلم يحاول المحتلون تقسيمها أو
تفتيتها.
هناك حاجة إلى الشجاعة التي تقبل النقد، وتعلي من شأن المعارضة،ن
وتطلق الأحزاب من ذلك الائتلاف، لتقوم بدورها الحقيقي.
المصريون المصرية