هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لعل السؤال الأساسي الذي يطرحه الحديث عن السباق الانتخابي الرئاسي
في مصر هو حقيقة وجود سباق انتخابي من عدمه، ناهيك عن الاحتمال الذي لا يستبعد
البعض إمكانية حدوثه وهو الوصول لحالة الاستفتاء تحت يافطة .
انتخابات،
عندما يتم استبعاد أو إبعاد كل من يترشح أو يعلن عن احتمال ترشحه في الطريق فتكون
انتخابات المرشح الوحيد. يشغل البعض أنفسهم بتوفر عدد آخر من المرشحين، بالإضافة
إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، في وقت لم يعلن السيسي نفسه عن ترشحه الرسمي
للانتخابات بعد، مفضلا أن يأتي الإعلان على طريقة الاستجابة لمطالب الجماهير
وأعضاء البرلمان والأطفال، وكل ما يمكن وضعه في قوائم تأييد ومطالبة بالترشح، قبل
الإعلان الرسمي الذي يبدو مؤجلا لاعتبارات يمكن فهمها في عالم الحكم ومتطلبات
السلطة في مصر وليس في عالم الديمقراطية ومتطلباتها بالضرورة.
تهتم
الأصوات التي تؤيد السيسي وتسعى إلى تقديم صورة يسهل تسويقها للخارج بتحقيق
المعادلة المهمة التي يمكن أن تخرج انتخابات على طريقة انتخابات الرئيس الأسبق
محمد حسني مبارك عام 2005، بتوفر عدد من المرشحين لتحقيق هدف التعددية، على أن
تكون النتيجة مشابهة لانتخابات 2014 التي فاز فيها السيسي، ولكن بدعم أكبر لخطاب
التفويض إن أمكن عبر توفر عدد كاف من الناخبين في اللجان الانتخابية، بدلا من
اللجوء إلى مد الأيام المحددة للانتخابات والدخول في ساحة الضغط على الجماهير
للمشاركة مرة باسم الدين، ومرة باسم العقوبات المادية، ومرة أخرى مقابل حديث
الجزرة واحتمال الحصول على مكاسب من المشاركة.
في حين ترى أصوات أخرى ضمن مؤيدي السيسي أن الحاجة إلى توفر تلك
الصورة التعددية غير ضروري، باعتبار أن الدستور يسمح بإجراء الانتخابات بمرشح واحد
فإن السيسي من حقه دخول الانتخابات منفردا، لأنه الوحيد الذي يصلح للحكم. ترى تلك
الأصوات بصورة أو أخرى، أن حدوث الانتخابات بهذا الشكل تعبير عن جدارة وليست
انتقاصا من الديمقراطية، لأنها غائبة في الواقع، ولأنها في خطاب السلطة وإعلامها
لا تتناسب مع حالة مصر ولا تناسب المواطن المصري.
انتخاب
السيسي المنفرد هو في النهاية أكثر اتساقا مع الفكرة الأساسية التي يتبناها العديد
من الأصوات المؤيدة له، والتي ترى أن وجوده واستمراره في الحكم تعبير عن الاحتياج
الوطني والشعبي، الذي يجعله الشخص الواحد القادر على حكم مصر، والضروري للخروج بها
من عالم الأزمات، كما تقول تلك الأصوات.
أما الصورة التعددية التي يتم الحديث عنها فهي في النهاية تعبير عن
مطالب الغرب، الذي لا يعرف الديمقراطية المصرية، ولا يعرف أن مصر ليست فرنسا، كما
قال السيسي، وليست أمريكا كما يكرر بعض منظري المرحلة.
بدوره يبرر هذا الجدل في التفاصيل دون الاختلاف على المعنى والهدف،
حديث بعض الأصوات عن إلغاء الانتخابات واستمرار السيسي بتوافق يحمل هذا المعنى،
حتى إن بعض الأصوات الساخرة ترى أن تلك الرؤية في النهاية أكثر اتساقا مع الواقع،
وأكثر مراعاة للأوضاع الاقتصادية وتوفيرا لتكاليف ضخمة لانتخابات تعرف نتيجتها
سلفا.
ومقابل
تلك الآراء تدافع بعض الأصوات المؤيدة وبقوة عن فكرة التعددية، مع التأكيد على
أهمية تواجد شخصية واحدة على الأقل في مواجهة السيسي. وهو ما يعنى تقديم مرشح قوي
يحمل سمات تؤهل للتنافس مع السيسي، خاصة أن يكون من المؤسسة العسكرية، من دون أن
يحمل خطورة تغيير النتيجة النهائية.
هذا الطرح إن تحقق يخدم حكم السيسي على أساس انه يوفر صورة التعددية
في الانتخابات، ويقدم ما يشبه حالة تنافس ورؤى متعارضة، وأسماء قادرة على إدارة
حملة انتخابات تقدم أفكارا وأفكارا مضادة، وترويج صورة النظام الديمقراطي، رغم
التحديات في إطار تسويقي للغرب، مع توفير نتيجة إيجابية إضافية للسيسي، وهي أنه ما
زال الأفضل حتى في وجود منافس عسكري.
وإن كان ما حدث مع المرشح الرئاسي الأسبق الفريق أحمد شفيق والعقيد
أحمد قنصوه طرح الكثير من التساؤلات حول إمكانية تحقيق هذا السيناريو، وأعاد إلى
الواجهة الفكرة القائلة برفض نزول أكثر من مرشح ينتمي للمؤسسة العسكرية في تنافس
انتخابي واحد، وما يحمله هذا الاحتمال إن حدث من تقديم رسالة تعبر عن وجود
إشكاليات داخلية بشكل قد لا ترغب المؤسسة العسكرية في حدوثه، فإن الإعلان عن ترشيح
حزب «مصر العروبة» للرئيس الأسبق لأركان الجيش الفريق سامي عنان لانتخابات
الرئاسة، صعّد من تلك الفكرة مرة أخرى.
ورغم أن بعض الأصوات تتعامل مع طرح اسم عنان بوصفه مرشحا قويا
ومنافسا حقيقيا وخطيرا للسيسي، أو أنه تعبير عن التنافس والتعددية وخطاب الأجنحة
المتصارعة، ليس داخل السلطة فقط، ولكن داخل مؤسسة الجيش نفسها، إلا أن هذا التناول
يتجاوز الكثير من الوقائع، وربما يقصد أن يأتي بهذا الشكل توفيرا لفكرة التنافس،
حتى إن كان تنافسا مصطنعا عبر رسم صورة لتنافس لا نراه، وخلق عداءات لا تغير في
النتيجة النهائية، وتخدم السلطة القائمة أو على الأقل تصب في مصلحة السياسات نفسها
التي قد لا يعبر عنان عن اختلافات كثيرة عنها، بقدر ما يمكن أن يحمل تغييرا في
الأساليب والإخراج وشكل الأولويات، كما كان يمكن أن يحدث مع شفيق.
على
الجانب الآخر فإن الأصوات المعارضة لحكم السيسي، والراغبة في تغيير السياسات التي
يعبر عنها، وتدافع عن أهداف ثورة 25 يناير، ما زالت في جدل الاختيار بين المشاركة
في الانتخابات أو المقاطعة، فإن كانت المشاركة تعني قبول الآليات والسياق الذي تتم
فيه الانتخابات والنتائج التي تتمخض عنها، فإنها تعطي أيضا زخما لفكرة التعددية
وحديث الشعبية. هي في النهاية إكساب لشرعية النتائج، وما يراد أن تعبر عنه
تلك النتائج بوصفها امتدادا للتفويض، وأن تفعل السلطة ما تريد أن تفعل، خاصة بعد أن
تمخضت فترة رئاسية أولى وحديث «بكره تشوفو مصر» و»تحيا مصر» عن التنازل عن تيران
وصنافير، ومزيد من المعاناة الداخلية، وتعمق مشكلات أساسية ذات أهمية، مثل مياه
النيل والديون الخارجية والأمن وسيناء والموقف من القضية الفلسطينية وغيرها.
ومن
يرى أن الحل للتعامل مع الانتخابات هو المقاطعة، يعتبر أنها فرصة لتفويت خطاب
التفويض والقبول الشعبي، وحديث التعددية والقبول بالعملية وما تسفر عنه. المقاطعة
في النهاية سحب من فكرة الشرعية عبر عدم المشاركة، والتعبير عن رفض سياسات كانت،
والتأكيد على أن استمرار تلك السياسات لا يعني قبول أغلبية الشعب المصري بها
على أرض الواقع، حتى إن لم يتم التعبير عن هذا الرفض بثورة أو مظاهرات كبرى
لاعتبارات متعددة.
وفي إطار هذا الجدل تقف العديد من الأصوات المعارضة لسياسات
الحكم في مساحة الانتظار، بين إعطاء توكيلات تسمح بترشح أصوات معارضة للسياسات
القائمة، ومدافعة عن روح ثورة يناير ومبادئها، مع تأجيل موقفها النهائي من
المشاركة في الانتخابات ذاتها، انتظارا لما ستسفر عنه مرحلة التقديم والتسجيل.
وبناء عليه فإن أسفر المسار الحالي عن تواجد شخصيات معارضة في مكانه تسمح لهم
بالترشح للرئاسة، يتم إعلان المشاركة في الانتخابات، وإن لم يحدث وتم قصر
الانتخابات على الشخص الواحد أو اللون الواحد، يتم إعلان المقاطعة، ويحضر هنا بشكل
أساسي الموقف من المحامي الحقوقي خالد علي والسفير معصوم مرزوق بالنسبة للقوى التي
تدعم ثوره 25 يناير ومطالبها، التي تصر على إبقاء تيران وصنافير على أجندة النقاش
الوطني، مقابل حديث الإنجازات والمشاريع القومية والتجاوز عن التنازلات التي قدمها
النظام، والثمن الذي يتم دفعه من احتياجات الشعب الضرورية في الحاضر والمستقبل، من
أجل العاصمة الجديدة وقناة السويس الجديدة.
يحمل
حديث التنافس الانتخابي المعروف نتيجته سلفا إلى الواجهة، ثقه الأرنب عندما دخل في
تنافس الواثق ضد السلحفاة. ولكن تلك الثقة والمعرفة المسبقة بفارق السرعة بين
الطرفين بما يرتب معرفة النتائج سلفا، جاءت القصة لتؤكد أنها ليست مطلقة بتلك
الصورة، وأن الثقة المطلقة قد تحمل عوامل ضعفها، في الوقت نفسه الذي قد تحمل
المعرفة المسبقة بحدود القدرة وطبيعة الخصم عوامل قوة تؤهل للاستمرار، وتغيير ما
يتصور أنه نتائج معروفة سلفا.
قد
تأتي الانتخابات بصور متعددة وصولا إلى النتيجة المعروفة سلفا، سواء تم تلميعها
باسم التعددية أو صراع الأجنحة، أو باسم المرشح الوحيد الجدير بالمنصب، وقد تحدث
تطورات غير متصورة في الطريق تصل بالسلحفاة إلى القمة وتعيد حسابات الجميع، وربما
تعيد رسم صورة الوطن إن كانت سلحفاة بسياسات مختلفة، وليست أرنبا آخر يحمل أفكار
وسياسات وتنظيرات حكم مبارك والسيسي نفسها.
القدس العربي