بعد أيام طويلة على إغلاق المسجد الأقصى ومنع الآذان فيه، لا يزال الوقت لم يحن بعد لكي تلتئم اجتماعات مؤتمر وزراء الخارجية العرب، ولم يتحرك الزعماء المسلمون لعقد مؤتمر بخصوص أولى القبلتين.. وهذا التأخر غير المفهوم وغير المبرر فاق كل سوء ظن في الوضع الرسمي العربي، إلى درجة أن هناك اجتماعا طارئا لمجلس الأمن، وهناك عشرات التصريحات الغربية التي تحذر من انزلاق الأوضاع وخطورتها، وتدعو إلى حلول تنزع فتيل التصعيد.. ولقد بلغت قلة الأدب وقلة الدين بالبعض إلى الإعلان عبر وسائل الإعلام أن الأمر لا يعنيهم وأنهم ليسوا في وارد الدفاع عن الأقصى.
إنه المجد اختاره الله للذين يدافعون عن الأقصى ويعظمون شعائر الله.. فذلك من تقوى القلوب. هذا، كل ما يمكن أن نقوله ونحن نرى تدافع المقدسيين طيلة الأيام السابقة نحو مسجدهم، يهتفون ويكبِّرون ويقيمون الليل على بواباته ويفترشون الإسفلت شديد الحرارة في النهار فلتهب أكفهم في سجودهم لا يعيقهم ذلك عن أداء الواجب.. وبلغت الفعالية ذروتها عندما أخرجت الكهل والصبي والمسلم والمسيحي فأصبحت الصلاة مقاومة وأصبح الدفاع عن الأقصى واجبا وطنيا فضلا عن كونه واجبا دينيا مقدسا..
أما أولئك الذين ارتضوا مواقع الخوالف وشدتهم الأرض إلى دونها فتنكروا للأقصى وفلسطين، فإن الله كره انبعاثهم فثبَّطهم عن المهمة الشريفة ليصمهم التاريخ بختم الذلة والخنوع يلاحقهم جيلا بعد جيل.. أولئك الذين لم يعرفوا الانتخاء إلا في تدمير بلاد المسلمين وتشريد العرب الآمنين ومحاصرة كل صوت يخرج عن سربهم.. أولئك الذين يسوقون الإبل يمنحونها لقائد الروم طلبا لرضاه وأن يمنحهم بصاقا على وجوههم الكالحة.. أولئك الذين استنصروا بعدوِّ الأمة على إخوة الدم والدين والتاريخ.. أولئك كره الله انبعاثهم فثبَّطهم.
إنها بداية النهايات لمعركة حاول كثير تشويه معالمها واستبدال وسائلها وإعطاءها عناوين غير التي لها.. وقد انكشف كل شيء ليقف فسطاط الحق والخير والرشاد، وهو فسطاط فلسطين، أمام فسطاط الشر والجريمة والعنصرية والنذالة، وهو فسطاط الحلف الصهيو-أمريكي.. ولن يكون صعبا على الأشخاص والمؤسسات والأنظمة والأحزاب أن يختاروا، فها هو التدافع حول نقطة لا يمكن تغطيتها، إنها حجر الأساس في رسالة الإسلام وعالميته، وإنها حبل الله المتين وسبيل العروج إلى السماء، إنها القدس.. فمن اختار فلسطين والأقصى وسار إليها بقناديله مسرَّجة بدمه، فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وأما الذين لووا وجوههم وولوا قبلتهم نحو البيت الأبيض، فإنهم ممن قال الله فيهم: "لو علم الله فيهم خيرا لأخرجهم"...إنهم حقا لو خرجوا فينا ما زادونا إلا خبالا..
الأقصى والقدس وفلسطين كلمات ذكر، وشعارات نصر، وعناوين رجولة، تأتي بكل جلالها في بداية مرحلة ستنهد فيها أحلام الكيان الصهيوني، وسيولي الجمع الدبر، فيما طلائع المقاومة في الأمة تنمو وتزدهر.. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يشعرون.