تصاعدت وتيرة الهجمات الإلكترونية التي شنّها قراصنة على امتداد مائة دولة، يوم الجمعة الماضي، وفي مقدمتها القارة العجوز، حيث بلغت في يوم واحد 75 ألف هجمة. اختار القراصنة اسم «أريد البكاء» للفيروس الذي يختبئ في رسالة بريد إلكتروني، وما إن يفتحها المستخدم حتى يسيطر الفيروس على كل ملفاته، ويطالبه بفدية حتى يفك الشفرة. وقد تضررت خدمات مستشفيات بريطانية نتيجة توقف أجهزتها، كما اشتكت مؤسسات وشركات أخرى في إسبانيا، وإيطاليا، والبرتغال، وروسيا، وأوكرانيا، من تعرّضها لهجمات مماثلة.
الجديد بهذا الأمر، هو أن قراصنة الإنترنت ومجرميه أجروا تغييرات في أساليب عملهم وتكتيكاتهم، منها تحويل الضحية إلى زبون، أي بيع البيانات التي تتم سرقتها إلى مصدرها الأصلي، من خلال منعه من الوصول إلى بياناته إلا بعد دفع مبلغ مالي لتحريرها، وهو ما أصبح يعرف بهجمات الفدية. وشهدت هجمات الفدية معدلات مرتفعة، منها ما شاهدناه قبل عدة أيام، علما أن مكتب التحقيقات الفيدرالي كشف عن 2500 هجمة عام 2015، وخسائر تقدر بحوالي 1.6 مليون دولار تكبدها أفراد ومؤسسات.
نعم، لقد تحول الفضاء الإعلامي وشبكة الإنترنت بيئة خصبة للاحتيال وسرقة البيانات من قبل القراصنة ومجرمي الشبكة العنكبوتية.
هنا عالم يبدو بعيدا عن ساحات المعارك، حيث دوي المدافع والقنابل والصواريخ وأساليب القتل البشعة، هنا ساحات معارك أخرى أقرب إلى الفوضى التي لا تقل ضراوتها عن مثيلتها القتالية العسكرية التي تترك جثثا، وإن كانت تخلف دمارا وخسائر مادية ومعنوية. كيف لا، والضرر الذي تلحقه الهجمات الإلكترونية بالاقتصاد العالمي، يربو على تريليون دولار سنويا!
أصبح المجال الافتراضي بمنزلة ساحة قتال جديدة تشكل تهديدا يضاف إلى قائمة التهديدات التقليدية التي تواجه العالم، وتتجاوز في أبعادها وآثارها الحدود الجغرافية والسياسية، وتلقي في تداعياتها على مستقبل الأمن القومي والحيوي للدول. وأصبحت عمليات الاختراق -التي يقوم بها «الهاكرز» كمجموعات محترفة ومتخصصة بدأت تظهر ويتسع نشاطها بصورة متزايدة خلال العقد الأخير، وباتت تعدّ جزءا لا يتجزأ من هذا العالم، الذي فرض نفسه مع الشبكة العنكبوتية قادرة وبعملية واحدة على إغراق أجهزة خوادم الحاسوب برسائل من أنظمة متعددة، تشل سير عملها، وتوقف نظم الإنتاج.
ففي عالم الإنترنت اليوم ،بتنا أمام حرب خارجة عن سيطرة الدول وأجهزتها الأمنيّة، لا تعترف باتفاقيات ولا معاهدات ولا مواثيق، أبطالها الافتراضيون -بالإضافة إلى الدول- هم أفراد وجماعات أقرب لـ «الخلايا النائمة» التي تصحو وقتما تشاء، وتعود لسباتها متى أرادت ذلك!