لم يعد يخفى على أحد، سواء من جهات داخلية أو خارجية، رسمية أو غير رسمية، أن المواطن الفقير الذي يزداد فقراً ويحكم الحصار على كيانه وبنيانه هو من بات يتحمل العبء الأكبر لعمليات الاستنزاف الاقتصادي الممنهجة، ديناً وإفقاراً
ثورة يناير كانت بين حقبتين؛ حقبة طالت على عهد مبارك "المخلوع"، وحقبة تلتها بانقلاب عسكري أسس ما أسميناه نظام الثالث من يوليو الذي مارس أعلى سياسات طغيانه، وأقسى ممارسات ظلمه
حينما يبرر تلك السياسات الطاغية، ويواجه تلك الاتهامات بانتهاك حقوق الإنسان، فإنه لا يملك إلا تخريجات خطابية تعبر في حقيقة الأمر عن كلام أقرب ما يكون إلى الهذيان منه إلى ضرورة مراعاة الحقوق المعتبرة في حق الإنسان وحماية الكيان وممارسة كل ما يتعلق بحريته في حقوقه الأساسية وكذلك حقوقه المدنية والسياسية
إنهم في واقع الأمر بما يقومون به من سياسات يمثلون عقوقا للحقوق، ونفوقاً للإنسان، وخنقاً للمجتمع بأسره ضمن صناعة جمهورية الخوف تحت عناوين زائفة يطلقون عليها "الجمهورية الجديدة"، مع ما تشهده هذه الجمهورية من إغلاق للمؤسسات والجمعيات الحقوقية وتشييد السجون الجديدة
من أهم الآليات والمداخل التي يسلكها المستبد في هذا المقام أنه يحاول دائما أن يربط هذه الثورة بكل نقيصة والآثار السلبية التي عرفتها مصر عقب ذلك، ويسند كل تلك السلبيات إلى الثورة في ذاتها لا إلى استبداده وممارساته وسياسات طغيانه
نؤكد على كل ذلك من خلال تسريب انتشر وذاع بين الكافة، حتى طالب هؤلاء على وسائل التواصل الاجتماعي منظومة الحكم بأن تقوم وترد لتدفع الاتهام، وبعد صمت أيام إذا بهؤلاء يخرجون علينا بتكذيب مريع، أبسط ما يقال عنه أنه لا يمتلك اتساقا، ولم يعرض حجة
المعنى المهم هنا ألا تكون دعوى الحقوق الإنسانية مدخلا لتعميم نمط يمثل تلك المركزية الحضارية الغربية، بما يعكس في حقيقة الأمر نظرة تشكل استبدادا حضاريا لتلك المنظومة من القيم الغربية
تعامل النظام المصري باستخفاف معهود في مثل هذه القضايا، ففي الوقت الذي حظيت فيه هذه القضية باهتمام بالغ من الجانب الفرنسي سواء في وسائل الإعلام أو البرلمان الفرنسي، فإن النظام المصري عمد إلى حجب الموقع الذي نشر التقرير
عمليات كلها تدخل في سياق مخابراتي يحاول إلهاء الناس بقضايا تتسم بكثير من الافتعال الذي يستدعي حالة من الانفعال، في سبيل شغلهم عما هو أهم، أو عن نقد حقيقي لأحوال مجتمعهم. فهذه المحاولات الإلهائية التي يشهدها عموم الناس تنال من صميم حياتهم ومعاشهم، وتؤثر على حاضرهم ومستقبلهم
هكذا هو سجنهم مهما أرادوا بتلك الدعاية الممجوجة، والإعلانات المزورة التي تقوم على التمثيل الزائف في محاولة لتكملة الصورة الزائفة، والبائسة التي تتعلق بالتفكير الاستبدادي الفاشي، مع اعتقادهم بأنهم بحملة علاقات عامة وأغان مصورة سمجة مستخفة يستطيعون أن يصوروا الأوضاع على غير ما عليه من حقائق دامغة
وهو إذ يقوم بعمليات تترجم معاني الهوان والإهانة والمهانة، فإنه يمارس ذلك ليس في اللفظ فحسب ولكن في السياسات أيضا، مقدما كل أنواع الفساد والاستبداد وكأنه حالة إصلاحية تقوم على قاعدة من العبودية والقهر، إلى جانب استخفافه بقهر المواطن مطالبا إياه مع طقوس الظلم اليومية بألا يتألم
الدروس لا تزال تأتي من تلك الخبرة التي تستقى من أحداث عدة؛ امتدت في شكل احتجاجات وثورات وفي شكل حضور للعسكر، وفي أشكال قد تتخذ ما يمكن تسميتها متوالية لا تتوقف من الانقلابات