يبدو أن فلاسفة السياسة ومنظريها سيقفون طويلا أمام الحالة المصرية التي أعقبت انقلاب 3 يوليو؛ لإعادة النظر في كل تراث علم السياسة مما قبل نيبور الفرعوني وحامورابي البابلي وكونفوشيوس الصيني وبوذا الهندي وأفلاطون وأرسطو الإغريقيين..
من المفاهيم التي شاعت في فترة من الزمان كان وصف الدولة بـ "القرصان" أو بكونها دولة "خاطفة"؛ تختطف الناس والمواطنين وتلحق بهم الضرر والأذى وكأن ذلك عملا من أعمال العصابات التي تمرست على هذا الاختطاف والتخطيط له حتى تحقق أهدافها الدنيئة، في مقدمته الرائعة في كتابه "الإرهاب الدولي" كتب ناعوم تشومسكي عن مشهد محاكمة الاسكندر الامبراطور لأحد القراصنة، وهو يصفه بكل أوصاف الإجرام، وحينما طلب منه الامبراطور الكلام، انطلق القرصان ليتحدث عن مقارنة عجيبة؛ قال "لأنني أخطف سفينة في عرض البحر تسمونني "قرصانا"، وأنت تختطف العالم بأسره فيسمونك إمبراطورا"، إن الأمر هنا يتعلق بما يمكن تسميته إرهاب الدولة لا ذلك الإرهاب المحتمل الذي يرفع شعاره أحد أهم ممارسيه حينما انقلب على الشرعية وعلى الرئيس المدني المنتخب واختطف ذلك الرئيس واحتجزه في مكان غير قانوني، أي أنه افتتح عهده بعملية اختطاف كبرى خطط لها في محاولة غصبه لسفينة الوطن.
رغم أن الأقنعة قد تعبت من السقوط، إلا أن المفتون بنفسه وبغيره لا يعي ذلك، ولا يكف كل يوم عن كشف المزيد من سوءاته وسيئاته، وأن يشهد على نفسه بأفعاله وأقواله ومن كل طريق.
ها هي سيناء التي تحدثت عن نفسها، ثم ساءلت من يقتلها ويدمرها، وهو في الوقت نفسه يدعي أنه يؤمنها ويحافظ على أمن الوطن من خلالها، ها هي اليوم تطرح على الوطن طريقا آخر..
ماذا تغير حتى تُغير علينا بحملاتك وطائراتك؟!، وتجعل التدمير خيارا لقواتك بعد أن كنت تلوح بالتعمير، وتقيم المناطق العازلة لمصلحة عدو صهيوني وتكون أداة تنفيذ لمشروع أمريكي صهيوني قديم؟!
استيقظنا منذ أيام على جملة الإعدامات والمؤبدات التي يصدرها بعض القضاة، حتى إن قاضيا واحداً قد أصدر حكما بالإعدام على نصف من حكم عليهم بالإعدام في مصر في العام الأخير، وإنه أصدر الإعدامات بما يزيد عن العالم كله في عامه الأخير..
يقوم الانقلاب منذ أتى بالتدليس على الكلمات ومحاولة أن يقوم بملئها بمعانٍ مغلوطة وخطاب زائف لا يُبتغي منه إلا أن يُحدث انقلابا في الأفهام وقلبا للمعاني..
ويحكم أيها العرب، ماذا أصابكم؟ ما لكم تركتم أنفسكم ريشة في مهب كل ريح بل كل عاصفة، من عاصفة الصحراء التي كتبت شهادة وفاة النظام العربي منذ عقدين، إلى (عواصف الوهن) التي تبدو اليوم مؤشرات على نهاية العقل العربي نفسه؟،أين التعقل وقد إنساقت الدول فى مسارات أسفر فى النهاية الى أن تجرى كافة المعارك على أ
تناقضاتكم لا تعد ولا تحصى، بل ما أنتم إلا تناقض كبير يتفاقم كل يوم بالجديد من التناقضات.. إن انقلابكم ينقض بعضه بعضا، ويأكل بعضه بعضا، ويمحو بعضه بعضا. أنت كمن نقضت غزلها من بعض قوة أنكاثا، ومن ينكث فإنما ينكث على نفسه..
الفنكوش طريقة حياة، والكفتة أسلوب ومنهج، وفساد الأسانيد والغايات إنما يشكل حالة من الحالات الأسطورية التي تتواكب مع عمل يتعلق بصناعة الأوهام وبيع الأحلام..
كثيرة هي مشاهد الظلم السياسي والاجتماعي والاقتصادي في عهد الانقلاب، بحيث صار حصرها مهمة صعبة، ليس لندرة أو غموض في وقوع الظلم، بل لكثرته ووضوحه الزائد عن حده حتى صارت مشاهده تتكرر أمام أعيننا بشكل يومي..