مقالات مختارة

عبثية الفيتو الروسي

1300x600
ترتكب روسيا خطأ كبيرا إن اعتقدت أن بإمكانها خوض حرب باردة مع الغرب في وقت لا تتجاوز فيه قوتها الاقتصادية نصف اقتصاد ولاية كاليفورنيا وحدها، فاستخدام سوريا كورقة لعقد صفقة كبرى مع الولايات المتحدة لا يبدو أنه يعطي أكله لغاية هذه اللحظة، لأن الغرب لا يزال يرفض المساومة على ملفات حساسة من بينها أوكرانيا.

سبق الرابع من أبريل تصريحات أمريكية تفيد بأن واشنطن لا تمانع من بقاء نظام الأسد كجزء من الحل لأن أولويتها هي القضاء على داعش، وبهذا الموقف الجديد سحبت الولايات المتحدة من روسيا ورقة بقاء النظام كورقة تفاوضية، وهو ربما يفسر جزئيا انزعاج الرئيس بوتين الذي كان يعتقد أن البنية الذهنية للرئيس الأمريكي الجديد تسمح بعقد صفقة كبرى تحقق مكاسب استراتيجية لروسيا في القرم وأوكرانيا وتحافظ في الوقت ذاته على مصالحها في سوريا ما بعد بشار.

وهذا بدوره يفسر جانبا من قرار توظيف السلاح الكيماوي مرة أخرى ليس فقط لاختبار جدية الرئيس ترامب بل ربما لدفع ورقة بشار مرة أخرى، لعل روسيا تتمكن من الحصول على المقايضة المنشودة. وبهذا المعنى فإن استخدام روسيا لحق النقض لمشروع قرار في مجلس الأمن يدين نظام بشار لارتكاب مجزرة السلاح الكيماوي في خان شيخون جاء بهدف حماية نظام بشار حتى يأتي وقت عقد الصفقة.

غير أن الأمر ليس بهذه البساطة، فروسيا التي استخدمت الفيتو للمرة الثامنة في غضون ست سنوات تجد نفسها معزولة في المجتمع الدولي الذي أجمع على تحميل نظام بشار مسؤولية استخدام السلاح الكيماوي، ويبدو أن ثنائية الخيار بين بشار أو الإرهاب لم تجد نفعا هذه المرة بعد أن توحد المجتمع الدولي، باستثناء إيران وروسيا، في إدانة جرائم الحرب الكيماوية، فالصين لم تنضم إلى روسيا في استخدام حق النقض الفيتو هذه المرة، لأنها -أي الصين- تعلي من قيمة التفاهم مع أمريكا على الصدام.

أهمية الضربة الأمريكية تكمن في أنها نزعت الغطاء السياسي الذي حاولت روسيا عسكريا توفيره لنظام بشار انتظارا لصفقة ما لا يبدو أنها تلوح في الأفق، فأمريكا معنية بحل سياسي تقوده روسيا على أن يكون جادا بحيث يحقق الانتقال السياسي المنشود، فلم تعد مقولة أن مصير بشار يقرره الشعب السوري مقنعة وبخاصة أن روسيا تستعملها كسحابة دخان لإخفاء محاولاتها الحثيثة في الحسم العسكري وإجبار المعارضة السورية المعتدلة على الاستسلام لمنطق موازين القوة السائد في أرض الميدان.

بكلمة لن يحصن الفيتو الروسي بشار الأسد ولن يجعل منه شريكا مقبولا حتى في محاربة الإرهاب، فالجانب الأمريكي الذي يستعد لطرد داعش من الرقة سيحرم محور روسيا في سوريا من المشاركة به، وهذا يعني أن الخيارات أمام روسيا بدأت تضيق وبخاصة أن هناك شكوكا كثيرة لقدرتها على ضبط سلوك مليشيات تابعة لإيران تعمل في سوريا.

يمكن القول إن الرئيس ترامب وضع خطا أحمر جديدا من غير المرجح أن يقوم نظام بشار أو روسيا بتجاوزه دون التعرض لعقوبات قاسية، وتلوح الولايات المتحدة بفرض عقوبات جديدة على روسيا إن أخفقت الأخيرة في إثبات أنها بصدد التحرك جديا لحلحلة الوضع السوري والمضي قدما في عملية انتقال سياسي، بدلا من الاستمرار في سياسة التضليل والتوظيف لورقة بشار، على أمل الحصول على مقايضة استراتيجية كانت ولا تزال المبرر والدافع للاستثمار العسكري الروسي في سوريا.

"الشرق" القطرية