قالت صحيفة "الغارديان" في افتتاحيتها إن حق النساء
المسلمات في لبس
الحجاب والنقاب في أماكن العمل والأماكن العامة لم يخضع للتدقيق كما هو الآن.
وتقول الافتتاحية، التي ترجمتها "
عربي21"، إن "حق ارتداء الحجاب للمسلمات تم التنازع عليه في تلك الدول الأوروبية التي يحتوي دستورها على فصل واضح بين الدين والدولة: ففرنسا وبلجيكا منعتا النساء من لبس النقاب في الأماكن العامة منذ أكثر من 5 سنوات عام 2011، لكن صعود الشعبوية في أنحاء القارة الأوروبية أشعل النقاش في مناطق أخرى، وحيث أصبحت الهجرة والاندماج سمتين بارزتين للقضايا السياسية المطروحة، فإن الائتلافات الحاكمة في هولندا والنمسا سعت إلى فرض قيود شبيهة، كما صادقت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في نهاية العام الماضي على حظر جزئي في ألمانيا".
وتشير الصحيفة إلى أنه "في هذه الظروف المشحونة، فإن محكمة العدل الأوروبية قامت يوم الثلاثاء بإصدار حكم يجعل من حق أرباب العمل منع الموظفات من لبس الحجاب في العمل، في قضيتين أحيلتا إلى المحاكم البلجيكية والفرنسية، وتوصلت المحكمة إلى ثلاثة استنتاجات رئيسة هي، أولا: إن منع الحجاب بناء على منع عام للشعارات الدينية أو السياسية أو الفلسفية لا يشكل تمييزا مباشرا بحسب قوانين الاتحاد الأوروبي، وثانيا: بأنه يحق لرب العمل أن يسعى إلى إظهار سياسة حياد ديني أو سياسي بخصوص لباس الموظفين، لكن فقط بالنسبة للموظفين الذين يتصلون مباشرة بالزبائن، وثالثا: لا يحق لرب العمل أن يعتمد على الرغبة التي يعرب عنها أحد الزبائن بعدم تقبل الخدمة من موظفة محجبة بصفتها أساسا للمعاملة التمييزية".
وتلفت الافتتاحية إلى أنه "تم الترحيب بهذا الحكم من بعض قطاعات اليمين الأوروبي على أنه انتصار، وتم شجبه من الجمعيات الحقوقية والمجموعات الدينية على أنه سحق حرية الفرد الدينية، ومن المقلق فعلا بأن الحكم المتعلق بالحياد يمهد الطريق أمام أرباب العمل لتبني قواعد عامة فيما يتعلق باللباس، التي تساوي نظريا بين الموظفين، إلا أنها عمليا تستثني بعض الأديان، لكن من المبكر معرفة إن كان هذا هو الأثر الناتج عن الحكم".
وتبين الصحيفة أن "ما تركته محكمة العدل الأوروبية قابلا للتفسير من المحاكم المحلية يحمل الأهمية ذاتها، وكان حكم المحكمة واضحا من أن المنع العام في مكان العمل للشعارات الدينية أو السياسية قد يشكل تمييزا غير مباشر إن وضع أتباع بعض الديانات في وضع سيئ، لكنه يترك للمحاكم المحلية تحديد إن كان الحظر يتناسب مع الطريقة التي يسعى فيها أرباب العمل لتحقيق أهدافهم المشروعة، وأخذت بعين الاعتبار عوامل، مثل مدى وضوح الشعار الديني، وطبيعة الوظيفة التي يقوم بها الموظف، والهوية القومية للبلد المعني، ويأتي هذا في السياق الذي أتى فيه حكم المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، التي أقرت القرار الفرنسي بمنع النقاب في الأماكن العامة، حيث وافقت مع هدف الحكومة بتشجيع المواطنين أن (يعيشوا معا)، بالإضافة إلى أنها أقرت بحق موظفة شركة الطيران البريطانية بلبس الصليب؛ لأنه لا يتعارض مع عملها، لكنها حكمت ضد حق الممرضة بلبسه؛ لأنه قد يعرض صحة المرضى وسلامتهم للخطر".
وتتساءل الافتتاحية قائلة: "فمن هو الشخص الأنسب ليحكم كيف تتم موازنة حق الفرد في حرية التعبير عن دينه مع أثره على الآخرين وحق الدولة في المطالبة بالانخراط في العادات الثقافية للأغلبية؟ هناك قواعد منطقية: من المؤكد أنه من غير العدل أن يفصل موظف في بنك لأنه يلبس عمامة، أو موظفة لأنها ترتدي حجابا؛ لأن ذلك لا يؤثر في إمكانياتهما في العمل، لكن حظرا على ذلك اللباس قد يكون منطقيا في حالات العناية الصحية، إن ثبت أن اللباس الديني قد يؤثر في الصحة".
وتختم "الغارديان" افتتاحيتها بالقول: "في المساحات الرمادية تصبح هذه الموازنة صعبة ومعقدة، إن حكم يوم الثلاثاء يترك للمحاكم المحلية الكثير، وهذا سيجعل القيم الأوروبية المشتركة تطبق بشكل مختلف في سياقات ثقافية ودستورية مختلفة، لكنها قد تقود إلى تبني بعض البلدان لسياسات قد تجد بلدان أخرى من الصعب قبولها".