قضايا وآراء

الإخوانوفوبيا مرة أخرى

1300x600
من يلاحظ حجم القلق الذي تبديه دولة مثل الإمارات العربية المتحدة تجاه جماعة الإخوان المسلمين على مدى سنوات ما بعد الربيع العربي، والذي تحول من مجرد موقف سياسي إلى كونه مرضا كالوسواس القهري الذي لا يمكن أن تتخلص منه الإمارات وتيار لبراليو المملكة المحسوب على أبوظبي، في دلالة واضحة على موقف غير نقدي وغير عقلاني على الإطلاق بعد كل هذه التطورات التي دفعت بالمنطقة العربية كلها إلى حافة السقوط في دوامة العنف والفوضى الطائفية.

لم يكن تقرير لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطاني الذي انتقد موقف الحكومة البريطانية المنحاز للموقف السياسي لبعض دول الخليج تجاه تيار الإخوان الممتد في معظم دول العالم كأكبر تيار إسلامي لم ينجر للعنف والإرهاب طوال تاريخيه، رغم حجم القمع الذي لاقاه هذا التيار المنقلب عليه بثورات مضادة في مصر وليبيا واليمن وسوريا وغيرها من البلدان، التي كانت ديمقراطياتها الوليدة على وشك فرز هذا التيار كاختيار شعبي ديمقراطي حر.

ولولا الثورة المضادة والعنيفة التي قوضت مسار هذه الديمقراطيات وأدخلت مجتمعاتها في أتون أزمات سياسية طاحنة وفجرت عنفاً هنا أو هناك، ودفعت المنطقة الخليجية إلى إطلاق عاصفة الحزم لمواجهة انهيارات المنطقة مذهبياً ووقوعها فريسة سهلة في يد المشروع الإيراني، الذي ملأ فراغ الفوضى التي خلقتها السياسات المعادية  للديمقراطية وحواملها الاجتماعية كالإخوان المسلمين وغيرهم.

مثل هذا الموقف العدائي غير المبرر من قبل الإمارات تجاه الإخوان المسلمين، لا تفسير منطقي وموضوعي له حتى اللحظة، لانتفاء أي دافع منهجي أو علمي أو عقلاني أو حتى سياسي في مثل هذا الموقف الذي لا يستند سوى على كومة وهم العداوة وشيطنة الآخر ويغض الطرف عن جماعات مذهبية باتت بمثابة كومة بارود قابل للاشتغال وتفجير المنطقة العربية كلها عنفاً وصراعاً، كما هو حال اليوم مليشيات الحشد الشعبي التي تجتاح مدنا سنية بالعراق وسوريا واحدة بعد أخرى وتطلق تهديداتها ووعودها تجاه الخليج كله.

هذا التناقض في المواقف البسيطة والواضحة يجعل المراقب يقف حائراً أمام هكذا سياسات سلمت المنطقة للفوضى والانهيار وصانعو هذه السياسات كامنون في قلب هذه المنطقة التي غدت كلها ككومة القش القابلة للاشتعال في أي لحظة، ولن يستثنى حريقها أحداً، وخاصة حينما يكون هذا الأحد هدفاً رئيسياً لهذا الحريق، وهو ما يدفعنا فعلا للتفكير ملياً بتفسير هذا الانتحار السياسي لهذه الأنظمة التي تسعى لحتفها بنفسها وهي تتوهم أنها ستنجو من حريق على أطرافها وفي القلب منها.

فالإخوان المسلمون اليوم، الذين على امتداد تاريخهم السياسي، لم يخرجوا عن طور كونهم تيارا تربويا فكريا ظل محافظاً على أفراده ومنتسبيه وعدم انجرارهم في أي دورات عنف أو فوضى يدفعون إليها، وقدموا الكثير من التضحيات في سبيل هذه الخيار الذي آمنوا به كتيار تغيير سياسي مدني سلمي، طوال تاريخه الممتد لأكثر من ثمانية عقود.

الكارثة، أنه وبعد هذا المآل الذي يمضي نحو المنطقة، ومدى انكشاف كثير من تلك السياسات الخاطئة تجاه الإخوان وتجاه ثورات الربيع العربي عموما، لا يزال هناك من لم يستفد من هذا الدرس، ويسعى لمراجعة سياساته، بل على العكس تماماً، يتغاضى عن كل ما يراه أمامه من فوضى وخراب، ويصر على التورط في سياسات "غبية" و"عدمية" تساهم في الزج بالمنطقة للوقوع فريسة سهلة بيد المشروع الإيراني الذي كانت ثورات الربيع العربي ومولوداتها الديمقراطية واحدها الكفيلة بإيقاف هذا المشروع وتفجير الحالة الإيرانية ثورة مماثلة ضد الكهنوت الديني والطائفي الذي يقود المنطقة كلها إلى صراع طائفي مرير، سيحترق بنيرانه الجميع.

ليس دفاعا عن الاخوان، ما نقوله هنا وإنما دفاع عن المنطقة التي أوشكت على الانهيار والخراب الكبير الذي تبدا بخارطة من الدم لن تتوقف عند هذا الحد، وإنما ستمضي نحو مزيد من الاقتتال والفوضى والتهجير والتشريد وإعادة رسم ملامح أكثر سوداوية وضبابية مما هو كائن اليوم، هذه الخريطة التي يراد إعادة رسمها وتمريرها وتمويلها بأموال المنطقة نفسها.

سقطت العراق بيد المشروع الإيراني وتبعته سوريا ولبنان اليوم واليمن ومصر وليبيا، وكل ذلك بفعل سياسة الإخوانفوبيا التي رفعتها أنظمة الخليج طوال السنوات الماضية، تلك السياسات العدمية التي أثبتت الأحداث حجم كارثتها وخطئها، وأن الاستمرار فيها يعني الدفع بالمنطقة نحو الجحيم، والتقسيم والاقتتال، وهو الذي يقوله ويصرح به جل الساسة الإيرانيين وتوابعهم في المنطقة العربية، من حسن نصر الله إلى الحوثي إلي ياسر الحبيب الذي يدرب كتائب الموت الحسيني في قلب العاصمة البريطانية لندن نفسها التي قالت لجنة كريسبين بلانت، أن جماعة الإخوان المسلمين أبعد ما تكون عن العنف والإرهاب طوال تاريخها.