سياسة دولية

كاتب بريطاني يقرأ مستقبل الجيش التركي والتناقض الأوروبي

جنرالات الجيش التركي المتورطين بمحاولة الانقلاب العسكري- أرشيفية
تناول الكاتب البريطاني، دافيد بارشارد، المختص بالعلاقات التركية الأوروبية، عملية التطهير التي تطال الجيش التركي بعد فشل محاولة الانقلاب العسكري على الحكم الديمقراطي في تركيا

وفي مقال له في صحيفة "ميدل إيست آي"، الثلاثاء، كشف بارشارد، وهو مؤلف دراسات عدة في العلاقات التركية الأوروبية، أن الاتحاد الأوروبي الذي ينتقد عملية التطهير هذه في الجيش التركي، هو ذاته رغم عدم إعلانه عن ذلك، عمد في مطلع الألفية الجديدة إلى تشكيل لجنة مهمتها التحقق من الدور الذي يلعبه الجيش التركي في الحياة السياسة للبلد، وقد خلصت اللجنة إلى أنه يتوجب إنهاء مثل هذا الدور إذا ما أريد لتركيا أن تصبح عضوا في الاتحاد الأوروبي.

وأشار إلى أن هذه المعلومات حصل عليها من مصدر تابع للاتحاد الأوروبي في تركيا، موضحا أنه بذلك، لم يجد الجيش التركي بدا من الخضوع لصعود حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، وقد كان السبب الرئيس في فشل المحاولة الانقلابية، هو أنه منذ مطلع التسعينيات تقريبا انعقد العزم لدى شرائح من الرأي العام المدني في تركيا على مقاومة أي انقلاب. 

وبحسب قوله، ظن انقلابيو الخامس عشر من تموز/ يوليو الماضي، أن بإمكانهم التغلب على الرأي العام من خلال إطلاق الرصاص على الجماهير.

اختراق أتباع غولن للجيش

وأشار في مقالع إلى أنه منذ عام 2008، انكسر نفوذ العلمانيين القدماء داخل الجيش من خلال الاعتقالات والمحاكمات، ومن خلال سجن ما يقرب من 300 ضابط بما في ذلك 72جنرالا.

وكانت تلك التصفيات من تدبير مدعين عامين وقضاة موالين لغولن من خلال اللجوء كما تبين فيما بعد في المحكمة إلى أدلة مزورة. ولذلك فقد جرى بعد فشل المحاولة الانقلابية إعادة بعض هؤلاء الضباط الذين تعرضوا للسجن من قبل إلى مواقع رفيعة داخل المؤسسة العسكرية، وفق قوله.
 
وتابع بأن "ما لم يدركه سوى عدد قليل جدا من الناس خارج المؤسسة العسكرية، هو المدى الذي جرى من خلاله اختراق الجيش بشكل منتظم منذ عام 1986 من قبل أتباع غولن".

وقال إن الحكومة التركية تزعم أن معظم الكوادر العسكرية التي استوعبت في مدارس القوات المسلحة منذ عام 2000 كانت من الغولنيين، وذلك أن هؤلاء كانوا قد مُكنوا من الحصول على أوراق امتحانات الدخول مقدما، وهي مزاعم توازيها اتهامات مشابهة وجهت إلى الغولنيين بأنهم تلاعبوا بنظام الدخول إلى الجامعات، لإيثار أتباعهم.

ولفت إلى أنه بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا في الخامس عشر من تموز/ يوليو، تخطط الحكومة لإجراء إعادة هيكلة كاملة للقوات المسلحة وأجهزة الاستخبارات التركية، ما سيكون له تداعيات واسعة النطاق على دول الجوار المباشر في المنطقة، وكذلك على التوازن الاستراتيجي بين حلف الأطلسي (الناتو) وروسيا.

وأضاف أن الرئيس رجب طيب أردوغان، يريد إجراء إعادة شاملة لتشكيلة الجيش على إثر المحاولة الانقلابية الفاشلة التي وقعت الشهر الماضي، التي تعرض خلالها برلمان البلاد للقصف بالطيران، ولقي ما لا يقل عن 260 شخصا حتفهم.

وبحسب رأيه، فإن "هذا أمر متفهم. لقد كانت المؤامرة واسعة النطاق، لدرجة أن الضابط المرافق لأردوغان علي يازيجي وقائد حرس قصر الرئاسة، متهمان بأنهما شاركا فيها".

الجيش التركي أمام مفترق طرق 


ورأى بارشارد في مقاله أن القوات المسلحة التركية، تقف الآن على مفترق طرق، بعد ذهاب الضباط الغولينيين ورفاقهم وبعد اعتقال 119 جنرالا وأدميرالا، وهو ما يعادل تقريبا ثلث عددهم داخل الجيش، وبعد توقيف ما يقرب نصف حملة هذه الرتب عن عملهم، وفقدانهم للمواقع التي كانوا يحتلونها قبل المحاولة الانقلابية الفاشلة. بالإضافة إلى ذلك، فقد جرى تطهير الجيش مما يقرب من ثلاثة آلاف جندي.

وقال إن "الأولوية الأولى هي منع وقوع محاولة انقلابية أخرى، إلا أن الهدف الثاني، وهو الأهم على المدى البعيد، هو استبدال سمة القوات المسلحة التركية الموالية للغرب ولحلف الناتو بسمة تجعلها أكثر انتماء للإسلام، ربما انسجاما مع تطلعات تركيا لتعاون عسكري أوثق مع البلدان الإسلامية السنية الأخرى، وبشكل خاص المملكة العربية السعودية"، وفق قوله.

إلا أن السؤال الأهم، بحسب قوله، هو ذلك الذي يتعلق بمستقبل علاقات المؤسسة العسكرية التركية بحلف شمال الأطلسي (الناتو)، موضحا أنه "قد يتقلص الاعتماد على الناتو، ولكن من غير المتوقع أن ينتهي تماما، حيث إن الإقدام على ذلك يتطلب كتابة كراسات تدريب جديدة وتوقيف عدد لا يحصى من الإجراءات العسكرية وعمليات التزويد المعتمدة حتى الآن، وهو الأمر الذي من شأنه أن يضعف قدرات الجيش المنهمك حاليا في مواجهة عسكرية مع كل من حزب العمال الكردستاني وتنظيم الدولة الإسلامية، ويتوجب عليه أن يظل يقظا في مواقع أخرى كذلك".

وقال، إنه يمكن للمشرعين الغربيين أن يقطعوا الطريق على كل ذلك، إذا ما اختاروا القيام بتحركات مناهضة لتركيا، على نسق حظر السلاح الذي فرضه الكونغرس الأمريكي في سبعينيات القرن الماضي. 

جيش إسلامي

وتناول أنه "من المحتمل، أن نرى ظهور ما يمكن أن يوصف بأنه قوات مسلحة تركية جديدة، تأتمر مباشرة بأمر إردوغان وقصره الرئاسي وتتسم بصفة إسلامية واضحة". 

وأوضح أن مثل هذا التغيير قد لا يؤدي بالضرورة إلى تراجع القدرات العسكرية للبلاد لفترة طويلة: فمن خلال امتلاكها لجيش قوامه 620،000 عنصر، بإمكان تركيا استخدام المهارات والموارد والتقنيات المتوفرة لدى قواتها المسلحة الحالية في بناء بديل جديد.

وقال: "على الرغم من أن تركيا تبدو حاليا ميالة نحو تقليص دورها العسكري على الساحة الدولية، وواضح أنها تسعى للتوصل إلى توافق مع روسيا حول سوريا -وربما أيضا حول مصير الرئيس بشار الأسد- إلا أن هذه المرحلة قد لا تطول كثيرا بمجرد أن يصبح الجيش الجديد على أهبة الاستعداد، خاصة إذا ما استمرت التحركات الهادفة إلى إنشاء دولة كردية في سوريا". 

وأشار أخيرا إلى أن السوابق التاريخية تفيد بأن الجيوش الجديدة التي تتشكل بعد الثورات ويكون على رأسها جنرالات جدد تكون في العادة قوية وصارمة.

لمتابعة المقال كاملا اضغط هنا