"احتسبوني عند الله، أنا ذاهب للجهاد بسوريا".. بهذه الكلمات ودع الشاب الأردني بلال (اسم مستعار) عائلته باتصال هاتفي من مطار اسطنبول قبل ثلاث سنوات لتبقى الصدمة حاضرة على وجوه عائلته حتى يومنا هذا، غير متقبلين فكرة "استشهاد" ابنهم الجامعي في قتال إلى جانب
تنظيم الدولة في ريف حلب.
عمل بلال الذي ترعرع في أحد أحياء عمان الشرقية (وصف يطلق على الجانب الفقير من المدينة) محاسبا ماليا في إحدى الشركات بدخل متوسط، ويملك مركبة خاصة و"كان يعيش حياته بشكل طبيعي" كما يقول شقيقه متحدثا لــ"
عربي21".
ذهاب بلا عودة
لم يكن البحث عن شباب أردنيين التحقوا بتنظيمات إسلامية متشددة في سوريا والعراق بالأمر الصعب في بلد صغير بلغ فيه عدد الملتحقين بتلك التيارات منذ اندلاع الأحداث في سوريا 5 آلاف شخص من مختلف مناطق المملكة ومختلف البيئات الاجتماعية.
فالعشريني عبد الله أبو حليمة المدعو (أبو مهند الفلسطيني) وصديقه المقرب جهاد الغبن (أبو الفوارس الأردني) البالغ من العمر 20 عاما التقيا مع الشاب محمد (أبو البراء الأردني) البالغ من العمر 23 عاما ابن البرلماني الأردني مازن الضلاعين في "نصرة الشعب السوري"، كل على طريقته، لكن النتيجة واحدة وهي "الشهادة"، بحسب اعتقادهم.
وخسر الأردن ما يقارب 2500 شاب قتلوا في المعارك الدائرة في سوريا والعراق من أصل 5 اآاف مقاتل حسب تقديرات التيار السلفي الجهادي الأردني.
وشعر الطالب الجامعي جهاد الغبن (الذي ترعرع في حي نزال، أحد الأحياء الفقيرة بالعاصمة عمان) "بظلم أهل السنة وإبادتهم من قبل النصيرية في سوريا" كما كان يردد قبل أن يلتحق بجبهة النصرة في ريف إدلب، وانشغل الغبن (شخصية متدينة) قبل السفر إلى سوريا بالترويج لمقاطع فيديو عبر حسابه على "فيسبوك" تظهر مدى تعذيب مواطنين سوريين على يد أفراد من الجيش النظامي السوري والمليشيات التابعة له.
وخرج الغبن في منتصف عام 2013 إلى سوريا مرورا بتركيا ليلتحق هو وأبو حليمة وصديقان آخران هما أنس قبلان "أبو جلمود المقدسي" وإسحاق صوالحة (المهاجر الأردني) بـ"سريّة المهاجرين الأردنيين" التابعة لجبهة النصرة استلم خلالها الغبن مسؤول الإعلام في السرية، بينما كان أبو حليمة مدربا على السلاح، في حين كان القبلان منشدا ظهر في أكثر من مقطع فيديو على موقع اليويتوب ينشد لجبهة النصرة.
وفي عام 2014، غرد الغبن قبل مقتله بأشهر قليلة معلنا "استشهاد" الصوالحة (26 عاما) في معارك بين جبهة النصرة والجيس السوري النظامي في مدينة حماة.
وشكل سفر الشاب جهاد إلى سوريا "مفاجأة" إلى ذويه الذين وصفوه "بالمتدين" والمرح و"ذي الأخلاق الحميدة"، يقول مقربون من الشاب جهاد لـ"
عربي21" إنهم "لم يعرفوا كيف تأثر جهاد خصوصا أنه كان يعيش حياة طبيعية وكان منخرطا في الحراك الإصلاحي الأردني".
90 % من الأردنيين المنتسبين للتنظيمات شباب
وتشير الأرقام إلى أن "جل المتنسبين لهذه التنظيمات هم شباب تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 25 سنة"، كما يؤكد المحامي الأردني موسى العبدللات المتخصص في الدفاع عن سجناء التنظيمات.
ويقول العبدللات لصحيفة "
عربي21" إن "عدد الأردنيين في صفوف التنظيمات الإسلامية في سوريا والعراق بلغ 5 آلاف شخص، 80% منهم يقاتل إلى جانب تنظيم الدولة، و20% مع جبهة النصرة، وتبلغ نسبة الشباب منهم تقريبا بحدود 90% جاؤوا من بيئات اجتماعية مختلفة من شتى المحافظات وصنوف المجتمع، فمنهم أطباء وأساتذة جامعات وطلاب على مقاعد الدراسة من مختلف التخصصات".
وتعتقد بعض عائلات غادر أبناؤها للقتال في سوريا أن "بريق إعلان الخلافة من قبل تنظيم الدولة جذب العديد من الشباب الملتزم الطامحين إلى إقامة دولة غسلامية في وقت شكل الشحن الطائفي والمذهبي وتعرض فئة من المسلمين للقتل عاملا مهما في إثارة روح القتال عند بعض الشباب الملتزم دينيا".
كما لعبت شبكات التواصل الاجتماعي دورا كبيرا في تجنيد الشباب "عن بعد"، حيث يروي شقيق بلال أنه وبعد تلقيه "مكالمة الوداع من شقيقه"، ذهب لتفقد حساب أخيه على موقع "تويتر" ليتفاجأ بأن أخاه كان على تواصل مع جماعات جهادية في سوريا رتبت له عملية السفر من تركيا إلى سوريا، ويقول إن "أخاه تنقل بين أكثر من جماعة متشددة حتى انتهى به المطاف للقتال مع تنظيم الدولة، وفي عام 2015 تلقت العائلة خبر مقتله عن طريق رسالة هاتفية قصيرة".
دور بارز لشبكات التواصل الاجتماعي في التجنيد
ولا يقتصر دور شبكات التواصل الاجتماعي على التجنيد فقط، حسب الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية مروان شحادة، الذي يرى أن "دورها يشمل أيضا بث ونشر فكر الجماعات المتطرفة التي وجدت في هذه الشبكات إعلاما بديلا كسر الرقابة الأمنية، بالإضافة لدورها في جمع التبرعات والتنسيق لتنفيذ العمليات، وباتت هذه الشبكات تلعب دورا مهما في استقطاب وتجنيد الشباب من مختلف مناطق العالم".
وحول سر جاذبية هذه التنظيمات للشباب، يعتقد شحادة الذي تحدث لــ"
عربي21" أن "العامل الديني هو السبب الأبرز وراء ذلك، إلى جانب عوامل أخرى كالتهميش والقمع والإقصاء والاستبداد وغياب العدالة في توزيع الثروة والسلطة الساسية".
السلطات الأردنية تلجأ للحل الأمني
الحكومة الأردنية المتهمة "بتسهيل" خروج "الجهاديين" إلى "المحرقة السورية" كما وصفها خبراء في شؤون الجماعات الإسلامية، عادت – حسب عائلات شباب التحقوا بالتنظيمات- إلى تضييق الخناق على منتسبي التيار السلفي الجهادي وزجت بهم في السجون خاصة بعد مقتل الطيار الأردني معاذ الكساسبة على يد تنظيم الدولة.
واتخذت السلطات الأردنية قرارا أمنيا عام 2014 بمنع عودة أي مقاتل أردني اشترك في عمليات القتال في سوريا، بينما اعتقلت عددا قليلا ممن استطاع العودة، وذلك بناء على قانون منع الإرهاب المثير للجدل.
وقامت وزارة الأوقاف الأردنية بدور "خجول" في محاربة الفكر المتطرف من خلال عزل بعض الأئمة المؤيدين لتنظيم الدولة الذين بلغ عددهم 30 إماما، فيما حاورت بعض سجناء التيار السلفي الجهادي في السجون حسب تصريحات وزير الأوقاف هايل الداود.
ودعت دراسة صادرة عن مركز الدرسات الإستراتيجية الأمنية التابع لمديرية الأمن العام للدولة الأردنية إلى "القيام بالإصلاحات الداخلية وبما يكفل المساواة وإعادة توزيع الثروة ومواد التنمية وتلبية مختلف الحاجات الأساسية للفرد بشكل متوازن، وذلك للتصدي للفكر المتطرف الناتج عن التأثير المتبادل بين الإرھاب والنواحي الاقتصادية السياسية والاجتماعية".
وينتقد رئيس مركز هوية للدراسات محمد الحسيني "غياب إستراتيجية حكومية شاملة لمحاربة الفكر المتطرف بين صفوف الشباب الأردنيين".
ويقول الحسيني لـ"
عربي21" إن "الخيار الأمني يغلب بشكل عام على باقي الخيارات لدى الحكومة الأردنية في تعاملها مع الفكر المتطرف، والخيار الأمني مطلوب بالتأكيد عند التعامل مع تنظيمات تشكل تهديدا، إلا أنه لا يكفي منفردا للتعامل مع الخطر الفكري للتطرف، ولا ترتقي محاولات الحكومة للتعامل مع الفكر المتطرف إلى الإستراتيجية الشاملة، إنما هي محاولات في مجال التعليم والأوقاف، لوا توجد إستراتيجية شاملة واضحة المعالم".
وربما تفرض الأحداث الأمنية التي حصلت مؤخرا في مدينة إربد (شمال الممكلة) على الحكومة الأردنية تغيير إستراتيجيتها في التعامل مع الفكر المتطرف، خصوصا أن افرادا من الخلية التابعة لتنظيم الدولة في المدينة لم يكن لهم باع طويل في السلفية الجهادية وجلهم شباب أردنيون مغمورون جاؤوا من بيئات مهمشة اقتصاديا.