كتاب عربي 21

تفجيرات إرهابية وأسئلة تطرح نفسها

1300x600
التفجير الإرهابي الذي هز منطقة كزيلاي المكتظة بالمدنيين في العاصمة التركية أنقرة، مساء الأحد الماضي، أسفر عن 37 قتيلا، بالإضافة إلى عشرات الجرحى، بعد هجوم إرهابي مشابه قام به انتحاري من حزب العمال الكردستاني قبل أقل من شهر في شارع المراسم بأنقرة من خلال تفجير سيارة مفخخة ليسقط فيه 29 قتيلا وحوالي 60 مصابا. وسبقهما تفجير إرهابي آخر وقع قبل خمسة أشهر ليخلف 103 قتيلا أمام محطة القطار في العاصمة التركية.

وكانت السلطات التركية أعلنت بعد التفجير الإرهابي الذي استهدف أنقرة في 17 فبراير/ شباط الماضي أن منفذ العملية سوري ينتمي إلى حزب الاتحاد الديمقراطي، إلا أن فحص الحمض النووي للانتحاري أظهر أنه من أكراد تركيا وأن الهوية التي استخدمها أثناء العودة من شمال سوريا إلى الأراضي التركية كانت مزورة. ولذلك لم تستعجل هذه المرة في إعلان هوية منفذ العملية الإرهابية والجهة التي تقف وراءها قبل أن تتأكد من جميع تفاصيلها.

تفجير 17 شباط/ فبراير، وقع قبيل زيارة رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان لباكو لإجراء مباحثات مع نظيره الآذربيجاني إلهام علييف حول تسريع وتيرة العمل في مشروع "تاناب" لنقل الغاز الآذري إلى أوروبا عبر الأراضي التركية، واضطر أردوغان لإلغاء تلك الزيارة. وكان من المقرر أن يقوم الرئيس التركي في الخامس عشر من الشهر الجاري بزيارة للعاصمة الآذرية لحضور الاجتماع الخامس لمجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى بين البلدين، إلا أنه اضطر مرة أخرى لإلغاء زيارته بسبب التفجير الإرهابي الذي وقع يوم الأحد في أنقرة، ما دفع الرئيس الآذربيجاني إلى اقتراح أن ينقل الاجتماع إلى أنقرة بدلا من باكو.

الرئيس إلهام علييف وصل أمس الثلاثاء العاصمة التركية للتعبير عن تضامنه مع تركيا قيادة وشعبا والمشاركة مع نظيره التركي في اجتماع مجلس التعاون الاستراتيجي بين البلدين. وبعد الاجتماع تم التوقيع على ست اتفاقيات منها اتفاقية تتعلق بالتعاون العسكري، بالإضافة إلى التأكيد على تسريع وتيرة العمل لإنجاز مشروع "تاناب" قبل موعده المحدد، ما يعني أن الهجومين الإرهابيين فشلا في عرقلة المشروع.

مشروع "تاناب" الذي تسعى تركيا وأذربيجان لإنجازه قبل موعده المحدد في عام 2018 يقدم إلى أوروبا بديلا عن الغاز الروسي، كما أن تركيا بعد إنجاز المشروع سيحصل على الغاز بسعر أرخص من أسعار الغاز الروسي والغاز الإيراني وغيرهما. وبالتالي، يطرح هذا السؤال نفسه: "هل كان وقوع تفجير إرهابي في أنقرة مرتين قبيل زيارة أردوغان المقررة لباكو لإجراء مباحثات من أجل تسريع إنجاز مشروع "تاناب" مجرد صدفة أو محاولة روسية لعرقلة هذا المشروع الذي بالتأكيد أنه سيشكل ضربة للاقتصاد الروسي؟". 

التفجير الإرهابي الأخير الذي استهدف المدنيين في أنقرة جاء بعد أيام فقط من تحذير السفارة الأمريكية في تركيا المواطنين الأمريكيين من عملية إرهابية محتملة تستهدف المباني الحكومية في منطقة باهتشلي أولار القريبة من ميدان كزيلاي، ما دفع للتساؤل: "هل كانت السفارة الأمريكية على علم بوقوع التفجير الإرهابي ومكانه؟"، فيما ذهب محللون إلى أن السفارة الأمريكية قامت بتسريب معلومات حصلت عليها من السلطات التركية بهدف إثارة الرأي العام التركي ضد الحكومة وجهاز الاستخبارات.

وزارة الداخلية التركية أعلنت مساء أمس أن الانتحارية التي قامت بالتفجير الإرهابي الأخير في أنقرة تدعى سهر تشاغلا دمير وهي طالبة جامعية من مواليد 1992 وانضمت إلى حزب العمال الكردستاني في 2013 وتلقت تدريبات في سوريا مع وحدات الحماية الكردية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي. وبعد هذا البيان، ستتجه الأنظار مرة أخرى إلى حزب الاتحاد الديمقراطي الذي تعتبره أنقرة منظمة إرهابية وامتدادا لحزب العمال الكردستاني.

قوات الأمن التركية تقاتل منذ أسابيع في جنوب شرقي البلاد لتطهير بعض المناطق من الإرهابيين، وتلقت المنظمات الإرهابية ضربات موجعة في تلك العمليات، ولم تنجح في جر المواطنين إلى تمرد شعبي على الرغم من الدعوات التي أطلقها قادتها، وبالتالي ليس مستبعدا أن يكون التفجير الإرهابي عملية انتقامية ومحاولة لنقل المعركة إلى المدن الغربية. ولكن هذا لا يمنع أن تكون للتفجير الإرهابي أهداف أخرى كإشغال تركيا بمشاكلها الداخلية من خلال الهجمات الإرهابية وإثارة الفوضى في أنحاء البلاد بهدف إجبار أنقرة على قبول التفاهمات الدولية والإقليمية. ومع ذلك، يبقى السؤال الأهم  يبحث عن جوابه: "كيف سترد تركيا على استهداف عاصمتها مرتين في أقل من شهر؟".