مدونات

كيف تتولد القضايا من داخل السجون؟

هيثم غنيم - ناشط مصري
"لم أكن أتخيل أن تكون أحاديث الزنزانة سببا في التحقيق معي من جديد واعتقال المزيد من الخارج"..

هكذا بدأ أحد الشباب الذين تم اعتقالهم سابقا بالحديث معي.. وهكذا تذكرت الكثير من المآسي داخل أسوار السجون نتيجة رعونة الأنفس وحب التفاخر والاطمئنان الزائد.

القصة باختصار بدأت باعتقال هذا الشاب من أحد الكمائن الشرطية وهو يقود سيارة واكتشاف قوة الكمين أن بالسيارة منشورات مناهضة للنظام العسكري الحاكم، تم القبض عليه واقتياده لوحدة المباحث بقسم الشرطة ليتم الاعتداء عليه بالضرب لمعرفة من قام بطباعة هذه المنشورات، لم يتحدث الشاب فحقيقة الأمر أنه لم يكن يعرف من قام بطباعتها ولكن كان يعرف من صاحبها الذي نسيها في سيارته ولكنه لم يكن ليسلمه لسلطة عسكرية لا تتورع عن فعل شيء وليس لديها قيم وقوانين عادلة تحركها.

تم إيداع الشاب في زنزانة السجن ليتعرف على مجتمع جديد خليط من سجناء سياسيين وسجناء جنائيين.

مجتمع جديد له قوانينه الخاصة 

في أحد الأفلام قال أحد السجناء لزميلة عن سبب وجوده في السجن: "يا عزيزي في السجن كلنا أبرياء"، هذه القاعدة من قوانين السجون الداخلية غير المكتوبة وخصوصا عند السجناء على ذمة قضايا جنائية.

يقول الشاب عن مشاهدته في الزنزانة هم لا يتحدثون عن سبب سجنهم الحقيقي، بينما كان المعتقلون السياسيون يتحدثون بأريحية عما حدث ومعارضتهم للنظام وأصدقائهم الذين شاركوهم في هذا وماذا كان يفعلون.

شهران مضيا في تلك الأحاديث.. كان خلالها قد علم القصة الحقيقية عما يفعله كل معتقل بالخارج وبعض أصدقائهم.. كان التفاخر والأريحية في التحدث والسرد هو السمة الغالبة.

استفسر يوما من أحد المعتقلين لماذا تتحدثون هكذا ولا تخافون؟!!! فكان الرد عليه: "إحنا اتقبض علينا خلاص واحنا هنا وسط إخوتنا"، هذا المنطق العجيب لم يكن موجودا عند الجنائيين كانوا لا يتحدثون عن الخارج كثيرا بشكل يضرهم أو يضر أصدقاءهم... استفسر من أحد المسجلين "خطر" يوما عن سبب هذا فقال له: "مفيش سجن من غير عصافير".

لم يفهم الكلمة إلا بعدما تم اصطحاب بعض السجناء السياسيين في الزنزانة ليختفوا أياما ليعودوا بعدها وقد زادت أرقام المعتقلين أرقاما جديدة.

لقد كان هناك عصفورة في الزنزانة من السجناء تقوم بتسجيل ونقل أحاديث التفاخر للضباط المسؤولين ليتم قياس أهميتها والعمل عليها.

خلاصة التجربة: السجن ليس مكان للتفاخر والتحدث بأريحية حتى مع أصدقائك، السجن مكان اعتقال أنت مقيد الحرية فيه. تستطيع أن تستغله فقط في القراءة وتعزيز ثقافتك وعلومك المعرفية وممارسة التمارين الرياضية.

لا تثق بأحد في إعطاء المعلومات حتى لو كان معتقل على ذمة قضية سياسية.. ليس تخوين له ولكن لأنك لا تدري من يسمعكم ولا تدري هل سيتم التحقيق مرة أخرى مع هذا الشخص وتعذيبه فيضطر لإعطاء معلومات جديدة كان قد اكتسبها منك فتصير أنت سبباً في اعتقال أفراد جدد.

لذلك هناك قاعدة أمنية معروفة وهي "المعرفة على قدر الحاجة"، لذلك فلا تتحدث بما لا يفيد المستمع فأنت تضره وتضر نفسك وتضر آخرين، وأيضا لا تسمح لنفسك بأن تستمع لشيء لن يفيدك وإن أراد شخص أن يعلمك بشيء لن يفيدك فأوقفه وقل له "المعرفة على قدر الحاجة".

لماذا أكتب لكم عن هذه النقطة تحديدا؟

أكتب من أجل قصة أخرى علمتها بشكل شخصي لصديق تم اعتقاله من قبل قوات ضباط أمن الدولة وظل يعذب لمدة أسبوع ليس لأنه شخص خطير؟ أو معارض سياسي؟ بل لأن ضباط أمن الدولة كانوا يبحثون عن صديق له يعلمون أنه سبب في تنظيم مظاهرات فعالة في منطقته... ولأنهم لم يستطيعوا الوصول لصديقه فلقد علموا من أحد من قاموا باعتقاله وتعذيبه أن هذا الشخص له صديق اسمه فلان.

فقبضوا عليه وعذبوه.. ولكنه لأنه كان حريصا ألا يعرف مالا يفيده فلم يكن لديه أي معلومات.

ولكنه عذب لأن شخصا علم معلومة لا تفيد قالها هذا الشخص يوما تفاخرا، أن فلان الذي ينظم المظاهرات في منطقته هو صديقه.

فقبض عليه وعذب بسبب التفاخر... ونجا صديقه الذي كان يبحث الأمن عنه لأنه لم يكن يعلم أحد عن أي معلومة عنه.. وهذا السبب كان من ضمن أسباب اقتناع أمن الدولة بعد فترة أن هذا الشخص ليس لديه معلومات ولا يعلم هذا الشخص بشكل شخصي فقاموا بتركه.

لذلك رسالتي لأهالي المعتقلين: نبهوا أولادكم أن السجن ليس وسيلة للتفاخر بالمعلومات داخله، لأن هناك من يسمع ويسجل وينقل ليتم القبض والتحقيق والتعذيب والاعتقال.

ولشباب الثورة بكافة أطيافهم:
 "أمسك عليك لسانك"
"المعرفة على قدر الحاجة"
"السر الذي يخرج من بين شفتيك لم يعد سرا"..