في اليوم العالمي للمرأة، الذي يوافق 8 آذار/ مارس من كل عام، تحتفل نساء العالم بيومهن وبتاريخ من النضال الإنساني من أجل المساواة والعدل والحرية. وفي هذا اليوم يجب ألا نقف فقط عند حدود المناسبات والذكرى الاحتفالية، ولكنه أيضا يوم للتاريخ وللتقييم والتفكير والعمل نحو غد أفضل للمرأة والإنسانية.
ولا نبالغ هنا إن قلنا إن
المرأة صانعة التاريخ ومن خلال قصص نضالها تستطيع أن تقيس تقدم تاريخ الإنسانية. فالمرأة هي طائر الإنسانية الذي يحلق عبر صفحات التاريخ نحو أفق الحرية الرحبة التي تتوج الجنس البشري كله.
ولنا أن نفخر اليوم بحواء
المصرية التي تم اكتشافها من جديد مع ثورة يناير المجيدة، لتستعيد المرأة المصرية المجد والإرث التاريخي، وتعيد رسم صورتها من جديد أمام العالم، وترسل رسالة بأنها حواء المصرية وريثة شرعية لتاريخ من الحضارة الإنسانية ونضالات الحركة الوطنية المصرية منذ حتشبسوت وحتى شيماء الصباغ، شهيدة الورود الثلاثينية.
لن أقول إن المرأة المصرية شاركت فى صناعة ثورة
25 يناير وما زالت، ولكنني أقول إنه لولا وجود المرأة المصرية في قلب ثورة يناير لما تبلورت من الأساس صورة الثورة الشعبية؛ لأنها كانت العنصر الحاسم والأقوى، وهذا ما تنبه له نظام مبارك ووزير داخليته العادلي، ولذلك كانت الأوامر بالقتل والسحل والتحرش الجنسي بل والاغتصاب. ويشهد التحرير على هتك أعراض البنات وتعامل البلطجية المأجورين حين تم الاستعانه بهم. ولم يتم الاكتفاء بالقتل المادي، بل راح النظام يطلق الشائعات عبر وسائل الإعلام لقتل المرأة المصرية معنويا والحط من كرامتها. ولن ننسى كشوف العذرية ودلالات الإهانات التي تم إطلاقها لتحيط بكل فتاه أو امرأة تنزل التحرير أو تنوي النزول للانضمام لحراك الثورة المصرية. ولكن كل تلك الجرائم لم تنل من عزيمة حواء المصرية، واستمرارها كان عنصر القوة والمفاجأة التي أربكت الأجهزة الأمنية.. شجاعة منقطعة النظير وعدم الاكتراث حتى بالحياة. وكانت ممارسات تلك الأجهزة ضد المرأة المصرية سببا في ازدياد الغضب الشعبي وتكاتف وصلابة الحراك المجتمعي الجامع في التحرير.
لم يترك الشاب المصري والرجل المصري رفيقته وشريكته وحدها في التحرير. ففي التحرير اجتمعت الأسرة المصرية، الأب والأم والابن والابنة. ولا ننسى مشاهد التحرير ومصر الحره في أيام مجد يناير، وعلى مدار شهور طويلة، حرصت المرأة المصرية على أن تكون في أولى الصفوف للتضحية. واختلفت المشاركة النوعية للمرأة المصرية في ثورة يناير وفي الحراك الثوري المستمر عن غيرها من صور النضال التاريخي السابق، حيث معظم المشاركات شابات صغيرات السن وطالبات جامعيات، فهي وبحق (المرأة الجديدة) مصر الجديدة، الشابة اليافعة القوية.. مصر الشابة المتعلمة، المثقفة الطامحة للحرية والكرامة والمبادرة، لتقود الصفوف في قصة نضال تاريخية لتعيد صناعة مجد الأجداد وريادة مصر الكبيرة الغائبة منذ زمن.. نضال تبذل فيه المرأة المصرية كل غال وثمين (الروح والدم).. تضحي بنفسها ليتضاعف عطائها، فهي تجود بنفسها كمئات من شهيدات الثورة المصرية، وتقدم عن طيب خاطر الزوج والابن والرفيق، وما زالت زوجة المعتقل وأم المعتقل وشقيقة المعتقل، تبذل وتضحي في قصة كفاح ونضال تاريخية ومستمرة.. حواء المصرية لم تبخل يوما ومستمرة في عطائها غير المنتهي، فهي ثائرة وبحق (ثورة حب).
المراة المصرية الجديدة هي كل هؤلاء..
سالي مجدي زهران، ومريم مكرم نظير، وزكية عبد القاصد، وهبة حسين محمد أمين، ورحمة محسن أحمد خضير، وليزا محمد حسن، وأميرة محمد إسماعيل، وحبيبة محمد رشدي، وشيماء فؤاد حسين، وشيماء الباشا، وهدير عادل سليمان السيد، ومنة الله محمد عيد، وسامية محمود حسن، ونجلاء ياسين محسن، ونسمة كمال أحمد عطية، وخلود عبد العليم، وأمل حمدي جمال،وأميرة سمير السيد شحاتة، وأسماء إسماعيل، وسهير خليل زكي خليل، وهدى محمد السيد الطهطاوي، ومبروكة عبد العال أحمد، وزوجة السيد بسيوني، وكريستين سيلا، ومرام محمد، ورشا أحمد جنيدي، وسامية محمود حسن، وفاطمة الهواري، وهالة محمد أبو شعيشع، وحبيبة أحمد عبد العزيز، وأسماء محمد البلتاجي، وسمية الشواف، وحفصة أحمد عباس، وشيماء عوض، وأمينة حسين حلاوة، وسمية حسين حلاوة، وفاطمة حسين حلاوة، وشيماء الصباغ، وكثيرات غيرهن من الشهيدات..
هذه هي حواء المصرية. شمعة تحترق من أجل إنارة سماء مصر الجديدة، وهذا يفسر حرص نظام السيسي على استبدال صورة المرأة الراقصة بصورة حواء يناير، لخلق صورة بديلة، ولتكون المرأة الراقصة بديلا عن المرأة الجديدة التي صنعت يناير بدماء طاهرة لم تجف بعد!!!
كسر الثورة المصرية هو كسر المرأة الجديدة. وحواء يناير، امرأة الكرامة، كرست بوعي وإنسانية تاريخ الثورة المصرية، ولم تتحرك لمطالب فئوية أو اجتماعية محدودة، ولكنها أعادت تقديم مصر للعالم.. مصر كما لم يعرفها العالم من قبل.
وحواء مصر الجديدة ثائرة وبحق لأنها تثور من أجل الحرية، ترتدي فستان الفرح الأبيض كما ارتدته خطيبة الصحفي المعتقل منذ عامين عمر عبد المقصود، الذي يقضي عقوبة السجن لمدة 25 عاما بتهمة حرق سيارات بمدينة ميت غمر، وكان مقررا عقد قرانهما قبل اعتقاله بـ15 يوما، فذهبت وهي ترتدي فستان الفرح الذي تحتفظ به منذ أكثر من عامين، ووقفت على سلالم نقابة الصحفيين لتصرخ وتقول "أنا عاوزة حياتي".
تحية لحواء مصر الصامدة في عيدها الذي تصنعه كل يوم..
تحية لصانعة ثورة الحب المستمرة.