قضايا وآراء

لماذا يصوت الجمهوريون لترامب؟!

1300x600
أثار تقدم دونالد ترامب رجل الأعمال وقطب العقارات الأمريكي في انتخابات الحزب الجمهوري التمهيدية للسباق الرئاسي بالولايات المتحدة دهشة العديد من الخبراء والمحللين السياسيين، الذين راهنوا على أن ترشحه للرئاسة الأمريكية ما هو إلا مزحة مثيرة للسخرية، أو في أفضل حالاتها مجرد خطوة أقدم عليها ترامب لجذب الانتباه إليه وتكثيف المتابعة الإعلامية لشخصه كفرد محب للظهور الإعلامي، لدرجة أن البعض دعا إلى تناول أخبار حملة ترامب الانتخابية في أقسام الفن والترفيه بالصحف والمواقع الإخبارية الإلكترونية.

إلا أن تقدم ترامب في الانتخابات التمهيدية أثبت عكس ما ذهب إليه هؤلاء الخبراء، حيث ظهر جليا أن ترامب منافس حقيقي في الانتخابات التمهيدية، وأنه ليس قادرا فقط على الفوز بترشح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأمريكية، بل إنه قد يفوز برئاسة الولايات المتحدة في نهاية المطاف. وقد أثار فوز ترامب وتقدمه في الانتخابات التمهيدية سؤالا جوهريا حول أسباب إقبال شريحة معتد بها من الناخبين الجمهوريين على الإدلاء بأصواتهم لصالح ترامب، ويمكن إجمال هذه الأسباب في التالي:

1- استغلال غضب الناخبين الجمهوريين من النخبة السياسية الجمهورية التقليدية:

ويبرز السبب الرئيسي وراء إقبال الناخبين الجمهوريين على التصويت لترامب في غضبهم من المؤسسة الحزبية الجمهورية وبحثهم عن مرشحين من خارجها، حيث يأتي تصويتهم لترامب نتيجة لفقدان الثقة في النخبة السياسية الجمهورية التقليدية، حيث يرون أن النخبة التقليدية تسعى إلى فرض أجندتها على القواعد الحزبية، وفرض مرشحين يعبرون عن المصالح الضيقة للمؤسسة الحزبية الجمهورية، الأمر الذي دفعهم لتغيير طبيعة العلاقة بين نخبة الحزب الجمهوري وقواعده، وذلك بالتصويت للمرشح الجمهوري المثير للجدل والمنتفض على المؤسسة الحزبية الجمهورية دونالد ترامب.

كما يرجع غضب قواعد الحزب الجمهوري من نخبه إلى فشل هذه النخب من وجهة نظرهم في تحقيق الأمن الاقتصادي، وعدم تمكنها من التعامل مع ظاهرة الهجرة بشكل إيجابي، بالإضافة إلى فشلها في مواجهة الإرهاب، وقد تمكن ترامب من إقناع الناخبين الجمهوريين إلى أنه البديل الأفضل لمرشحي المؤسسة الحزبية الجمهورية، حيث استطاع بخطابه الشعبوي إرسال رسالة لقواعد الحزب مفاده أنه قادر على مواجهة الإرهاب ووضع نهاية له، وأنه الأقدر على تحسين الاقتصاد الأمريكي.

2- الاستفادة من شحنة الكراهية ضد أوباما:

كما أنه يمكن تفسير إقبال الناخبين الجمهوريين على التصويت لصالح ترامب إلى استغلاله لحالة الغضب والسخط الكبير الذي استطاع الجمهوريون منذ تولي الرئيس باراك أوباما للرئاسة من أشعال جذوته لدى قطاع عريض من الشعب الأمريكي، حيث أخذوا في التشكيك في أهلية الرئيس أوباما وقدرته على إدارة دفة البلاد، والترويج لسياساته الداخلية والخارجية على أنها فاشلة ومدمرة للولايات المتحدة، معتقدين أن خطاب الكراهية ضد أوباما سيمكنهم من الرجوع إلى سدة الحكم وذلك من خلال استغلاله في حشد الأمريكيين لصالحهم في مواجهة الديموقراطيين، إلا أنهم لم يتخيلوا أن خطاب الكراهية الذي أسسوا له ضد أوباما سيختطف منهم لصالح أحد الشعبويين وهو ترامب الذي يعد المستفيد الأول من هذه الخطابات، حيث أخذ يضرب على وتر كراهية قواعد الجمهوريين لأوباما بشكل أقوى من أي مرشح جمهوري آخر، مما ساعده في استقطاب المزيد من أصوات الناخبين الجمهوريين.  

3- انتهاج خطاب تمييزي وعنصري موائم مع توجهات الناخبين الجمهوريين:

كذلك يمكن القول إن خطاب ترامب المتسم بالعنصرية والتفرقة والتمييز ضد المهاجرين والمسلمين والنساء كان أحد أسباب تمكنه من استقطاب أصوات الناخبيين الجمهوريين المحافظين الذين ينتمون في أغلبهم إلى العنصر الأبيض، والمتشككون في أغلبهم من الآخر، حيث إن تعليقات ترامب المنتقدة للهجرة والإرهاب تجذب قطاعا كبيرا من أعضاء الحزب الجمهوري العاديين، وذلك على الرغم من الانتقادات الحادة التي توجه لتصريحاته من قبل قيادات الجمهوريين والديمقراطيين وعدد من المرشحين المنافسين لترامب على الرئاسة. 

حيث نجد أن تصريحات ترامب الداعية إلى منع المسلمين "مؤقتا" من الدخول إلى الولايات المتحدة، عززت شعبية ترامب لدى قواعد الحزب الجمهوري، فقد بين استبيانٌ أجرته شركة راسميوسين الأمريكية، عبر الهاتف ونشره موقعها الإلكتروني ديسمبر الماضي، أن 46% من الأمريكيين يفضلون منعا مؤقتا لدخول المسلمين إلى الولايات المتحدة، بينما عارض 40% من الأمريكيين ذلك، فيما لم يستطع 14% أن يقرروا بين الخيارين. وقد أشار الاستبيان إلى أن 66% من الناخبين الجمهوريين يفضلون منعا مؤقتا دخول جميع المسلمين إلى أن تتمكن الحكومة الفيدرالية من تحسين قدرتها على تدقيق خلفيات "الإرهابيين المحتملين" ومنعهم من القدوم إلى الولايات المتحدة، بينما عارض 24% هذا المشروع، ورفض 10% منهم أن يختاروا أيا من الجانبين.

4- تسخير الإعلام لمنحه التقدم على منافسيه:

تمكن ترامب بتصريحاته المثيرة للجدل من جذب وسائل الإعلام لتسليط الضوء عليه، حيث أصبح ترامب حديث الساعة ليس فقط في الميديا الأمريكية بل في كافة وسائل الإعلام حول العالم، ولا يخفى أن تركيز وسائل الإعلام على شخص ترامب كمرشح مثير للجدل قد مكنه من الدعاية لنفسه بشكل غير مباشر، حيث إن هناك علاقة وثيقة بين تفوق ترامب في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، والتغطية المكثفة من قبل وسائل الإعلام لكل تصريحاته وخطواته الانتخابية.

وختاما، يجب التأكيد على أن إقبال الجمهوريين على ترشيح ترامب ما هو إلا كشفا لحقيقة حزب يتصف بالعنصرية وكراهية الآخر، ويعكس توجهات المتعصبين من الأمريكيين تجاه الآخر سواء كان مواطنا أمريكيا مثلهم، أو فردا ينتمي لثقافة أو ديانة أو بلد آخر، فإقبالهم على ترامب ليس أمرا مثيرا للدهشة بقدر ما هو تعرية لحقيقة الجمهوريين الذين خربوا من قبل بلادا أخرى لأسباب ظاهرها الديمقراطية ومكافحة الإرهاب، وباطنها "صراع الحضارات" و"الحروب الصليبية".
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع