قضايا وآراء

السلطة والقوة والمؤسسات النيابية

1300x600
يقول أوسكار وايلد: "الديمقراطية تعني ببساطة ضرب الشعب بالهراوات بواسطة الشعب لصالح الشعب".

ذكرت كلمة الشعب ثلاث مرات وأرى أن الكلمة تحمل معاني مختلفة في كل مرة تذكر بها.

فإذا كنت في دولة من دولنا البائسة فستجد أن الثلاثة شعوب يعيشون على أرض واحدة؛ فهناك الشعب الأول الذي يُضْرب بالهراوات أو بالرصاص؛ وهم في الغالب من يتمردون على سلطة الدولة سواء كانوا متمردين صالحين كالثائرين والمناضلين، أم كانوا من الفقراء الفاسدين الذين لا يجدون سبيلا لمعاونة الشعب الثاني أو الثالث؛ فليس كل الفقراء الفاسدين متمردون. وتستطيع أنظمة تلك الدول البائسة بامتلاكها أدوات القانون والتشريع أن تضع الفئتين معا في مربع الجريمة؛ فلا زال القانون هو أحد وسائل السلطة- وخاصة الفاسدة – للتخلص من خطر المتمردين.  

والشعب الثاني هم حاملي الهراوات، سواء من الفقراء الفاسدين الذين التحقوا لسبب ما بحائط صد السلطة المستبدة من محتكري أدوات القوة بالدولة بكل أشكالها، أم كانوا من القوى المنظمة لحماية الشعب الثالث الذي يحتكر كل شيء؛ فهو يحتكر السلطة والثروة معا على حساب الجميع.

أما في الدول "المتقدمة" فكل ما حدث أنهم استطاعوا بحجم هائل من التضحيات وأيضا القتل والاحتلال والاستغلال، الوصول إلى حالة اتزان مرحلي داخل مجتمعاتهم ولكنهم ما زالوا يمارسون قدرا كبيرا من استغلال من هم "خارج حدودهم"؛ ويستخدمون الهراوات مع الجميع ويمارسون الاستبداد بالوكالة بواسطة وكلائهم من الشعب الثاني بالنسبة لهم.

إن السلطة هي من تصنع شكل المجتمع وتوزيع القوة والثروة؛ وحاولت الشعوب في محاولات كثيرة عبر التاريخ وخاصة بعد ظهور مفهوم الدولة المركزية الحصول على مشاركة في السلطة؛ هذا لأن احتكار السلطة يؤدي إلى استبداد كبير سواء على جزء من الشعب وهذا هو الأكثر قسوة أو على الشعوب الأخرى؛ و لا يشعر بمعاناته إلا القليل. ومن أهم مظاهر تلك المحاولات هو إنشاء المجالس النيابية التي يشرع فيها الشعب عن طريق ممثلي القوانين؛ والقانون كما ذكرنا أحد أدوات السلطة الرئيسة لتعريف الجريمة وبالتالي ضبط المجتمع؛ وفي غياب تمثيل حقيقي من المجتمع في التشريع يصبح القانون والتشريع أداة لخدمة الطبقة الحاكمة التي لا تنسي أن تعتبر مصالحها الخاصة هي المصلحة العامة بأي مبرر كان كما قال ماركس: "أي فئة تطمح إلى الهيمنة يجب عليها أولا التمكن من السلطة السياسية لتمثل بدورها مصالحها الخاصة كأنها المصلحة العامة".

وتسعي أنظمة الحكم إلي الحد من دور المجالس النيابية والتي تنشأ أساسا لحماية المجتمع الأضعف بالتأكيد من الدولة وسلطتها التنفيذية. وفي دولنا العامرة لا نجد أفضل من "المجلس النيابي المصري الأخير" للتعبير عن الاحتكار الكامل؛ فالمجلس مصنوع بجهاز المخابرات التابع للطبقة الحاكمة؛ وبالمناسبة تعتبر تلك الأجهزة ما حققته نجاحا مطلقا وهذا منطقي في حالات المنع الكامل للشعوب من ممارسة أي نوع من السلطة. فالمجلس النيابي عن الشعب تحول إلى أحد أدوات الاستبداد والاحتكار وسط مشهد بائس فاسد لا أمل منه.

وفي الدول "المتقدمة" التي تمتلك مجالس نيابية حقيقية تشارك في السلطة يبدو المشهد أفضل؛ ولكن ليس كثيرا؛ فالسلطة أيضا داخل نطاق ضيق؛ ويدفع ثلثي العالم ثمن استقرار تلك الأنظمة من دمه وثرواته في سبيل أن تكف شعوب تلك الدول "المتقدمة" عن الضجيج؛ وسط التنظيم الشامل للمجتمع وتوفير الاحتياجات الأساسية وغيرها من أدوات إحكام السيطرة.

نعود لأصل الأزمة، إن المجالس النيابية أصبحت؛ بقدر عال من اليقين؛ أحد أدوات الطبقة الحاكمة سواء في النظم المستبدة التي لم ترق بعد لتكون دولا بالمعنى الحقيقي أو حتى في الدول "المتقدمة" مع الاعتراف الكامل بالفارق الضخم بين الاتنين؛ ولكننا في إطار الحديث عن السلطة التي تمنح حقيقة للمجتمع لا يوجد فارق كبير بين الاثنين؛ والطغيان الذي يمارس على جزء من الشعب في النموذج الاستبدادي باستخدام المجالس النيابية يمارس على باقي العالم في الدول "المتقدمة" أو على الأقل تتجاوز السلطة التنفيذية قرارات البرلمانات كما حدث في الحرب على العراق في 2003 في أمريكا وبريطانيا.

القوة أصل ثابت في السلطة وبالتالي في أي صراع؛ والبرلمانات واجهة أنيقة لتمرير القوة وإذا لم تفعل فالقوة هي التي تحكم في النهاية؛ والمركزية الشديدة في السلطة وامتلاكها القوة تجعل من الصعب على المجالس النيابية إيقافها.

احتكار السلطة والقوة أدى إلى إضعاف عام لقوة المجتمع ربما بدرجات متفاوتة حسب درجة الاستبداد في النظم الحاكمة؛ إلا أن النمط العام واحد.

ما هو البديل إذن؟ ربما لو عدنا إلي نماذج أخري في التاريخ نجد بدائل أفضل من تلك التي نعيشها والتي قال عنها أوسكار وايلد إنها لحمل الهراوات.