نشر معهد واشنطن تقريرا لفابريس بالونش، قال فيه إن حزب الاتحاد الديمقراطي (حزب كردي) في
سوريا، لن يتوانى عن التعاون مع دمشق وموسكو في الشمال، إن استمرت تركيا والولايات المتحدة في منع توحيد الجيوب الكردية.
ويقول الكاتب إنه "أصبح من الواضح أن هدف موسكو في سوريا هو الحفاظ على حكم بشار
الأسد، وتعزيز وجودها العسكري على ساحل المتوسط، وتستطيع تحقيق الهدفين حتى لو لم يبق مع حلفائها في دمشق سوى المناطق الساحلية العلوية. ومع ذلك فإن على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إن أراد أن يكون في وسط رقعة الشطرنج في سوريا، الدفع بجنوده إلى داخل البلد، وبالذات حلب. وخسارة الأسد لحلب كاملة ستضعف من وضعه التفاوضي".
ويضيف بالونش: "يسيطر جيش النظام حاليا على حوالي ثلث حلب، وتتصل المنطقة ببقية المناطق التي يسيطر عليها النظام بممر ضيق محاصر من الشرق من
تنظيم الدولة، ومن الغرب من جبهة النصرة".
ويجد التقرير أنه لكسب المعركة في حلب، فإن على الأسد أن يتحالف مع حزب الاتحاد الديمقراطي، وهو الحزب الشبيه بحزب العمال الكردستاني. مشيرا إلى أن حزب الاتحاد الديمقراطي حريص على ربط الجيوب حول كوباني وأفرين، وفتح ممر للشيخ مقصود (الحي الكردي في حلب)، حيث أشار زعيم الحزب صالح مسلم في مقابلة له في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر، إلى رغبة الحزب في إقامة تحالف مع الأسد وروسيا؛ للتوصل إلى هذا الهدف.
ويشير الكاتب إلى أن حلب بلد تنقسم إلى خطوط طائفية واجتماعية، فعندما بدأت الحرب كان عدد سكانها السنة العرب يشكلون الثلثين (2.5 مليون) ثم الأكراد (20 - 25% كثير منهم مستعربون) والمسيحيون يشكلون (10% نصفهم من الأرمن)، كما أن هناك مجتمعا تركمانيا في المدينة من منطقة أعزاز، بالإضافة إلى عشرات آلاف العلويين، وأكثرهم موظفو دولة قادمون من المناطق الساحلية.
ويستدرك التقرير بأن الانقسام الرئيسي في حلب اجتماعي وليس طائفي، بين سكان المدينة وسكان الريف، وهذا يعني جزئيا بين الفقراء والأثرياء. فالمناطق الغربية استقر فيها أهل المدينة عبر الأجيال، والمناطق الكردية والشرقية هي عبارة عن مناطق استوطن فيها الريفيون. وهناك كراهية شديدة من السكان المدنيين للريفيين، حيث يتهمنوهم بمحاولة (ترييف) حلب، وهو ما سيتسبب بتدميرها في نظرهم.
ويلفت بالونش إلى أنه بالنسبة للريفيين، فإن الروابط العشائرية في المناطق الشرقية والشمالية من المدينة تبقى بالقوة ذاتها التي توجد فيها في المناطق الريفية. كما أن السلطات المحلية أوكلت سلطات الشرطة إلى عشائر تضررت كثيرا من حصار الثوار لحلب في تموز/ يوليو 2012 (مثل عشيرة بري). بينما ثوار الريف وجدوا حاضنة في المنطقة العشوائية الشرقية، ولكنهم اصطدموا بالميلشيات الكردية في حي الشيخ مقصود، وواجهوا مشكلة مع سكان غرب المدينة، الذين يدعمون الجيش السوري ضد الغزو الريفي.
ويبين التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، أنه خارج حلب يختلف الأمر، فالانقسام الرئيسي في شمال غرب سوريا هو بين العرب والأكراد، ولم تكن هناك أقليات دينية في هذه المنطقة قبل الحرب، واليوم هناك فقط أربع مناطق شيعية وهي (الفوعة وكفريا والزهرا ونبل)، وهناك مجتمع درزي صغير في جبل السماق وقرية اليعقوبية المسيحية، التي أصبحت خالية من السكان. أما عفرين وكوباني فهما منطقتان كرديتان وبينهما عدة قرى كردية، ولكنها أعطيت كلها أسماء عربية في عهد حزب البعث. وكذلك أعطيت القرى التركية المحيطة بأعزاز أسماء عربية.
ويفيد الكاتب بأنه خلال الشهور الأولى من الثورة خسر النظام معظم مناطق الشمال الغربي، وظل سكانه معادين للأسد، ما عدا الجيوب الشيعية والمسيحية. لافتا إلى أن قوات النظام استطاعت الحفاظ على مناطق استراتيجية، مثل إدلب وجسر الشغور وأريحا حتى ربيع 2015 عندما خسرتها؛ وذلك بسبب تركيز القوات العسكرية للنظام وتمزق المعارضة.
ويوضح التقرير أنه بسبب البيئة المناوئة في الشمال الغربي، فقد اتبع الأسد سياسة الأرض المحروقة هناك؛ للتخلص من الثورة، وقصف مناطق الثوار في حلب، بهدف إصابة المدنيين بجروح عميقة تجعلهم يعزلون المقاتلين تمهيدا لإخراجهم، كما حصل في حمص.
ويذكر بالونش أنه مع مرور الوقت انخفض عدد السكان في المناطق الشرقية في حلب من أكثر من مليون نسمة إلى عشرات الآلاف، ومع هذا فقد فشل هذا الإجراء؛ لأن الثوار سيطروا على إدلب، ويشكلون خطرا على الجيش السوري في حلب.
ويورد التقرير أن الجيش اضطر لقتال تنظيم الدولة، الذي هدد شبكته البرية والجوية. مبينا أن التنظيم يحاصر مطار كويريس العسكري منذ شهور، وقد يواجه مصير أبو الظهور والطبقة ذاته، حيث قام التنظيم بذبح الجنود العلويين.
ويستنتج الكاتب أنه لذلك قد تكون إحدى أولويات الحملة الجوية الروسية هي مساعدة قوات الأسد في القاعدة الجوية بضرب تنظيم الدولة، وهذا أيضا يعطي تبريرا للتدخل، الذي أعلنت موسكو أنه يهدف لمحاربة الإرهاب، وبالذات إرهاب تنظيم الدولة. مستدركا بأن بوتين قد يذهب إلى أبعد من ذلك بضرب جبهة النصرة وأحرار الشام، وهما الركيزتان الأساسيتان لجيش الفتح، الذي تدعمه السعودية وقطر وتركيا. وهذا قد يضع الثوار أمام خطوط حمراء جديدة، مثل "أوقفوا أي محاولة للهجوم على قوات النظام في المناطق التي يسيطر عليها في حلب وإلا ...".
وينوه التقرير إلى أن تركيا قد أبلغت حزب الاتحاد الديمقراطي بعدم السماح له بالتمدد غربا أكثر من كوباني، كما أن أي هجوم كردي مثل هذا سيكون خرقا للاتفاق مع أمريكا التي لا تريد أن يسيطر الحزب على جرابلس وأعزاز. مستدركا بأنه من الصعب التصور ألا يستغل الأكراد السوريون الفرصة، فكثير منهم يعتقد بأنه قد حانت فرصتهم التاريخية لتوحيد المناطق الكردية، ويعدون المنطقة الواقعة بين عفرين وكوباني منطقة كردية تاريخيا، ويجب أن تنضم إلى كردستان الغربية.
ويشير بالونش إلى أن رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي لم يكرر الأهداف الكردية فحسب، بل أشار إلى أن حزبه على استعداد للتحالف مع
روسيا والنظام لتحقيق أهدافه.
ويخلص الكاتب إلى أن أمام الزعماء الغربيين خيارين في التعامل مع التدخل الروسي؛ إما أن يقفوا مكتوفي الأيدي على أمل أن تكون سوريا أفغانستان بوتين، أو أن يلعبوا بحسب قوانين لعبته، ويكون لهم دور في تشكيل مستقبل سوريا. ويرى بالونش أنهم في كلتا الحالتين يجب عليهم أن يدركوا أن حزب الاتحاد الديمقراطي لن يتوانى عن التحالف مع روسيا والنظام لتحقيق أهدافه.