قضايا وآراء

التدخل الروسي لإنهاء الأسد أم لنصرته؟!

1300x600
يجمع المحللون العسكريون والسياسيون على حد سواء أن التدخل الروسي لن يمر مرور الكرام، وسيكون له انعكاسات خطيرة على الوضع السوري والإقليم ناهيك عن آثاره الدولية، ولاسيما إذا تدخلت روسيا بقوات بريّة على غرار التدخل السوفييتي بأفغانستان أو الأمريكي في العراق.

وتتناسب الانعكاسات بحجم التدخل وآلياته، فالروس يتدخلون سياسيا وعسكريا منذ اليوم الأول على أمل الحفاظ على الأسد أو على نظامه أو شيء منه بالحد الأدنى، لكن التدخل الروسي السابق–كما هو واضح- مد في عمر نظام الأسد الذي بدا مؤخرا على شفا الانهيار أمام تقدم الثوار في الشمال وحول العاصمة، وتقهقره أمام تنظيم الدولة في شرق البلاد وشرق حمص، وبدا فشل النظام في الزبداني المحاصرة منذ أكثر من عامين رغم الاستعانة بالنخب القتالية من حزب الله والكثافة النارية والجوية مؤشرا واضحا على هشاشة القوة العسكرية للأسد في الفعل مما استوجب التدخل الروسي لحماية ما يمكن حمايته.

ويتوقع من التدخل الروسي بداية أن ينحصر في الساحل السوريوالعاصمة دمشق مما يسهم في رفع معنويات أنصار النظام المنهارة، وليس هدف التدخل –فيما نعتقد- استعادة أراض خسرها النظام السوري، فأقصى ما يقدمه الروس للأسد الحفاظ على ما أبدعته عبقرية الأسد السياسية العسكرية مما يسمى سورية المفيدة.

وقد يتجاوز الروس مرحلة سورية المفيدة في حال تطور العمل القتالي للفصائل في الجنوب ودمشق وما حولها إلى مرحلة الدويلة العلوية على الساحل السوري المرتبطة عسكريا وسياسيا بالاتحاد الروسي وليس ذلك بمستبعد عن السياسة الصدامية للروس، فهم احتلوا القرم وشرق أوكرانيا متنكرين للأعراف والقوانين الدولية.

وسوف تحتمي هذه الدويلة العلوية بالدب الروسي على غرار الحماية التي تؤمنها أمريكا لإسرائيل، ولعل هذا السيناريو الأخطر للتدخل الروسي، وربما يعتقد الروس من خلاله إمكانية الضغط على الغرب والخليج لتحقيق مكاسب اقتصادية وعسكرية وانفراجات سياسية تُنهي العزلة التي يعيشها الروس وتزداد.

وتشير الوقائع العسكرية على الأرض حقيقة أن القدرات الروسية على الفعل في الداخل السوري محدودة، وربما محدودة جدا ولاسيما في حال دعم الثوار بسلاح نوعي مضاد للطيران، فمنظومات الدفاع الجوي الصاروخية التي قدمها الروس للأسد لن تنفع شيئاً في وقف تقدم الثوار، فالمنظومة الصاروخية تهدد التحالف ضد تنظيم الدولة بمقدار تهديدها لإمكانية تدخل جوي ضد الأسد وهو مستبعد.

ويبدو من ردة الفعل الباردة للولايات المتحدة والغرب عموما أن الغرب راغب في تورط الروس لأنهم على ثقة بأن ذلك سيستنزف الروس داخليا إذ ستنشط المجموعات الجهادية في روسيا ولاسيما تلك التي بايعت تنظيم الدولة وخارجيا كذلك مما يضعف القرار السياسي الروسي، ويسمح للغرب بابتزاز الروس كما ابتزوا السوفييت عقب حرب أفغانستان.

ولن يهدد التدخل الروسي حقيقة مصالح الغرب بل على العكس من ذلك إذ ستزيد حظوة الغرب عند الخليجيين الذي سيحتمون به لتخليصهم من الخطر الروسي، كما أن الحكومات العربية عموما والخليجية خصوصا ستخشى حينها من تصاعد التيار الجهادي أكثر في حال طال الصراع وازداد التدخل الروسي إذ ستتحول الحرب على أرض الشام لحرب مقدسة.

وتبقى إسرائيل التي تعهد بوتين في آخر زيارة له عندما زارها أثناء جولته في الشرق الأوسط بحماية أمنها القومي الرابح الأكبر من أي تدخل روسي، لأنه في الحد الأدنى سيؤدي لإطالة أمد الصراع مما يعني مزيداً من الخراب والدمار لسورية، أما في حال نجاح الروس وإيران في إقامة كانتون علوي في الساحل السوري، ونجاح الأمريكان في كانتون كردي مماثل في الشمال السوري فالسعادة تكون أكبر إذ سيعطي ذلك مبررا شرعيا للوجود الإسرائيلي.

ونعتقد خلافا للتحليلات العسكرية والسياسية التي تجزم بأن التدخل الروسي سيدعم نفوذ الأسد ونقول التدخل الروسي سيسهم بتسريع سقوط الأسد، إذ سيؤدي التدخل الروسي لتوحيد جميع الجهود الثورية والجهادية مما يزيد من قدرتها على الفعل، كما ستُجبر الدول الداعمة للثورة السورية على تقديم سلاح نوعي للثوار يقلب المعادلة لأن التدخل الروسي لن يهدد أمنها الخارجي وحسب بل سيعصف بالبيت الداخلي، وهذا خط أحمر لن تنتظر دول الإقليم موافقة الولايات المتحدة من أجله.