كتاب عربي 21

تأثير العامل الأمني على نتائج الانتخابات المقبلة في تركيا

1300x600
منذ أن قام حزب العمال الكردستاني باغتيال عنصرين من الشرطة التركية في يوليو الماضي وإعلانه عن إنتهاء الهدنة، تشهد منطقة شرق وجنوب شرق تركيا اضطرابات أمنيّة على وقع الهجمات التي يشنّها الحزب من جهة، والحملة الأمنية المضادة التي تقوم بها القوات المسلحة التركية لدحره من جهة أخرى.

وتنعكس هذه الحالة الأمنية بطبيعة الحال على المزاج العام للناس في تلك المنطقة، وتشكّل عودة حزب العمال الكردستاني إلى حمل السلاح عامل ضغط نفسي ومعنوي في نفس الوقت على الناخبين هناك. قبل عدة أسابيع أشرنا إلى أنّ حزب العدالة والتنمية قد يواجه صعوبة في حصد المزيد من الأصوات الكردية المؤيدة له في تلك المنطقة بسبب العامل الأمني والضغط النفسي والمعنوي لحزب العمال الكردستاني على المواطنين هناك، إذ إنّ الناخب الكردي سيفكّر مرّتين قبل أن يقرر الإدلاء بصوته إلى حزب العدالة والتنمية وذلك خوفا من عمليات ثأر أو عقاب يقوم حزب العمال الكردستاني بتنفيذها في وقت يبدو فيها أنّ صوت السلاح هو الأقوى.

من الواضح أن السلطات التركيّة تنبّهت الى هذه المشكلة، فقد تم الاعلان قبل أيام عن ضرورة الإعداد جيدا للانتخابات من الناحية الامنيّة، ولهذا الغرض بالتحديد فقد ناقش مجلس الأمن القومي التركي الذي انعقد يوم الاربعاء الماضي عدّة مواضيع من ضمنها الإجراءات المزمع اتخاذها في الانتخابات البرلمانية المبكرة في الأول من تشرين الأول المقبل، في أجواء من الأمن والسلام، ولتأمين إدلاء المواطنين بأصواتهم بحرية ودون التعرض لضغوط من أي نوع.

الشطر الاخير  من الفقرة المسابقة بالتحديد هو الأكثر أهمّية في الموضوع الذي نتحدث عنه. هناك انطباع عام بأنّ استخدام السلاح أو التهديد باستخدام السلاح من قبل حزب العمال الكردستاني في المناطق التي يتواجد فيها سيكون الاداة الأكثر فعالية لمحاولة خفض نسبة التصويت الكرديّة لصالح حزب العدالة والتنمية في المناطق التي تتعرض لعمليات عسكرية شرق وجنوب شرق تركيا.

هذا الانطباع العام لا يأتي من فراغ، فقد أوردت عدّة وسائل اعلام أنّ عددا من المواطنين في تلك المناطق استلموا بالفعل رسائل تهديد تحذّر من التصويت لاحقا لحزب العدالة والتنمية. لكن وبغض النظر عمّا اذا كان موضوع الرسائل صحيحا أم لا، فلا شك انّ طبيعة الوضع الأمني في تلك المناطق ستترك تأثيرها.

لا تنحصر الانعكاسات الامنية هناك بطبيعة الحال على حزب العدالة والتنمية فقط، بل ستترك أثرها أيضا على حزب الشعوب الديمقراطية الكردي. لقد خسر الأخير كثيرا من رصيده خلال الشهرين الماضيين. فقدرة حزب الشعوب الديمقراطية الكردي على جذب اصوات الناخبين من خارج الدائرة الكردية أصبحت أمرا مشكوكا به في أحسن الاحوال بعدما عاد حزب العمال الكردستاني الى رفع السلاح.

ولتعويض هذا النقص لم يعد أمام حزب الشعوب الا التركيز على الرسالة القومية وحشد الصوت الكردي ومحاولة الاستئثار به. ومن هذه الزاوية فان الاضطرابات الامنية تحمل تأثيرا إيجابيا وسلبيا في نفس الوقت على الحزب. عدم فرض الدولة لهيبتها في منطقة شرق وجنوب شرق تركيا خلال المرحلة القادمة من الممكن ان يفيد حزب الشعوب الديمقراطية لناحية دفع شريحة من الناخبين للتصويت له تحت سيف تهديدات حزب العمال الكردستاني، لكنّها ستصيب الحزب بأضرار كبيرة لناحية عزوف الصوت غير الكردي عن التصويت له، ولناحية اعتزال الفئة التي صوّتت له سابقا على ما حققه من إنجازات من خلال عملية السلام.

وبهذا المعنى يكون الضرر الذي تسبب به حزب العمال الكردستاني للعملية السياسية في تلك المنطقة كبيرا جدا. زعيم الحزب صلاح الدين ديميرتاش يعلم ذلك تماما، ولعل هذا ما يفسر تصريحه الأخير الذي إستخدم فيه حجّة الدولة ضدّها عندما قال أنّ "الرئاسة تريد وضع يدها على الصناديق وتريد ان تمارس الضغط على مراكز الاقتراع" وانّ هدف الحزب هو الوصول في الانتخابات القادمة الى نسبة 20% من الأصوات ولكنه لن يستطيع بسبب هذه الاجراءات. بمعنى آخر، يبدو هذا التصريح بمثابة التمهيد لتبرير التراجع الذي سيطرأ على نتائج الحزب في المرحلة القادمة؛ ولن نضطر الى الانتظار طويلا هذه المرّة لنرى إن كان ذلك صحيحا أم لا.