مقالات مختارة

رسالة إلى داود الشريان

1300x600
«القول بأن الحملة التي قادها إعلاميون مصريون على السعودية ليس لها من موجه ولا سبب ــ غير ممكن. وليس في العالم العربى إعلام يتحدث بمعزل عن رأي الجالسين على مقاعد السلطة».

العبارات السابقة فقرات نصية من مقال الكاتب السعودي داود الشريان في عموده اليومي المتميز «أضعف الإيمان» تحت عنوان «رسالة إلى الإعلام المصري»، بالصفحة الثالثة من الحياة السعودية اللندنية عدد الاثنين الماضي.

لو أن كثيرين في السعودية أو الخليج قالوا هذا الكلام، فربما مر مرور الكرام، أما أن يقوله داود الشريان، فأمر يستحق المناقشة؛ لأن الشريان واحد من ألمع الكتاب السعوديين، وهو مستنير ومتفتح العقل ومن «غير المطبلين»، ويكتب في مساحات لم يكن كثيرون في المملكة يقتربون منها.
لو أن الشريان يتابع أداء الإعلام المصرى بدقة منذ شهور، لتأكد أن الصفة الرئيسية التي يمكن إطلاقها عليه هي العشوائية، وفكرة وجود مايسترو يدير جوقة الإعلام انتهت إلى حد كبير منذ 25 يناير 2011.

ما يلمح إليه الشريان هو أن الحكومة المصرية وأجهزتها، تعطي إشارة الهجوم على المملكة، وإذا صح هذا الأمر، فكيف يمكن تفسير أن صحفا وكتابا كثيرين ينتقدون ليل نهار الحكومة المصرية ومعظم أجهزتها، بل وقرارات كثيرة للرئيس عبدالفتاح السيسي؟

إذا صح ذلك، فكان المنطقي أن تمنع الحكومة هذه المنابر من انتقادها أولا، قبل أن تأمرها بمهاجمة السعودية!

وإذا افترضنا ثانية أن هناك جهة مصرية أخرى غير الحكومة هي التي توجه هذه الحملة المفترضة ضد المملكة، فمن هي يا ترى هذه الجهة التي تملك تلك القوة الأسطورية، بحيث توجه إعلام دولة مثل مصر؟!

يعلم الجميع أن جماعة الإخوان هي التي تخصصت في مهاجمة السعودية طوال حكم الملك عبدالله، وعندما جاء الملك سلمان بدأوا يتوددون إليه لعل وعسى، إضافة إلى بعض الأصوات هنا وهناك وأحيانا بعض المتطوعين!!

بعض ما كتبه الشريان عن الإعلام المصري صحيح، لكنه لم يكن موفقا تماما حينما جزم بأن ما كتب عن السعودية في الفترة الأخيرة كان حملة موجهة، أقول ذلك جازما، لأننا مثلا في هذه الصحيفة «الشروق»، كتبنا تقارير كثيرة عن تطورات العلاقات المصرية السعودية، عرضنا فيها كل الآراء والأفكار، ونشرنا مقالات لكتاب مصريين وأجانب مختلفين يعبرون عن آراء متباينة بشأن هذه العلاقات، وهو ما تكرر فى صحف أخرى، كل ذلك ينفي تماما صفة التوجيه. وإذا كان بعض الكتاب المصريين الذين قد اختلفوا مع بعض التوجهات السعودية هم بالأساس مختلفون مع حكومتهم ورئيسهم في مصر، فكيف يمكن القول بأنهم يتحركون في إطار حملة منظمة؟!

لو أن هناك حقيقة ثابتة فهي أن الإعلام المصري لم يعد كتلة صماء واحدة خصوصا بعد 25 يناير. يمكن توجيه عشرات الانتقادات والملاحظات عليه، لكن وصفه بأنه يتحرك بالريموت كنترول هو قول ظالم جدا، ناهيك عن أنه يعكس عدم إلمام ومتابعة جيدة لهذا الإعلام.

وإذا كنا لا نستطيع الجزم بأن مقالات الرأي في دولة شقيقة مثل السعودية، لا تتم في إطار توجيهات، فهل يمكن أن يحدث ذلك في مصر؟!.

ظني الشخصي أن الإعلام العربي أحد الأسباب الجوهرية في «وكستنا وخيبتا ومصيبتنا» الراهنة، وهو يؤدي في مرات كثيرة دور المحرض والمهيج، من أول الإعلام الرياضي إلى السياسي وما بينهما، وجزء من هذا الإعلام يتحرك أحيانا بأوامر حكومية، لكن ذلك لم يعد موجودا في مصر، ولو وجد فهو قليل جدا.

أتمنى أن يجد الأستاذ داود الشريان الوقت ليتابع الإعلام المصري بمختلف درجاته الجاد منه والهزلي، الرصين والمنفلت، وسيكتشف أن الأمر أقرب ما يكون إلى «سمك، لبن، تمر هندي»، وأن هيمنة الحكومة على الإعلام لم تعد كما كانت.

أتمنى أن ننشغل جميعا من الآن في البحث عن أسس راسخة للعلاقات المصرية السعودية، باعتبارها علاقات استراتيجية بالفعل، بحيث لا تتأثر بمقال رأي هنا أو هناك.. والحديث موصول.



(نقلا عن صحيفة الشروق المصرية)