صحافة دولية

هافنغتون بوست: لماذا تسلح روسيا إيران بصواريخ أرض جو؟

هل تدخل صفقة الصواريخ في إطار تطور العلاقات الإيرانية الروسية؟
نشرت صحيفة هافينغتون بوست باللغة الفرنسية تقريرا حول تزويد روسيا إيران بصواريخ أرض جوّ من نوع "إس300"، أوردت فيه أن نظام الصواريخ المضادة للطائرات بعيدة المدى والقادرة على تدمير الصواريخ البالستية والطائرات المحلقة على ارتفاع منخفض هو موضوع ذو أهمية في الشرق الأوسط، خاصة وأن روسيا ظلت لمدة طويلة مترددة بشأنه.

وقالت الصحيفة، في هذا التقرير الذي اطلعت عليه "عربي21"، إن موسكو كانت قد وافقت على تزويد إيران بهذه الصواريخ في 2007، ولكنها تراجعت عن قرارها في 2010، ليفاجئ فلاديمير بوتين العالم بتوقيعه، في 13 نيسان/ أبريل، على مرسوم يقضي بتزويد طهران بصوايخ "إس300" من جديد.

وأشار التقرير إلى أنه لا يمكن تجاهل الدافع الاقتصادي لروسيا، حيث إنه كان من المعلوم منذ العام الماضي، أن الكرملين سيلجأ لبيع صواريخ "إس300" لإيران إذا ما واصلت القوى الغربية ضغطها على الاقتصاد الروسي، ورأى أن الأمر يتجاوز كونه مجرد ردّة فعل من موقف الولايات المتحدة حول الأزمة الأوكرانية.

وفي السياق ذاته، كتبت الصحيفة أن روسيا تضع نصب عينيها السوق الإيرانية، التي قد تفتح أمامها إذا ما نجحت المفاوضات حول الملف النووي، حيث تريد روسيا احتكار تجارة السلاح مع الجمهورية الإيرانية الغنية بالنفط، التي تمثل بالنسبة لها "بلد الأحلام" من الناحية الاقتصادية، خاصة وأن المجمع الصناعي العسكري الروسي يمر بفترة صعبة في سنة 2015.

كما أشارت إلى أن العديد من البلدان المتعاونة اقتصاديا مع روسيا تعاني نتيجة لانخفاض أسعار النفط، الأمر الذي أثر على طلباتها العسكرية، وأضافت أن الولايات المتحدة وإسرائيل تمثلان منافسة شديدة لا يمكن الاستهانة بها، خاصة أن واشنطن لا تتردد في فرض العقوبات على روسيا، القوة الثانية في مجال السلاح في العالم.
 
ولفت المقال إلى أن السوق الإيرانية بإمكانها توفير العديد من الفرص المهمة، حيث تطمح طهران إلى تطوير ترسانتها العسكرية وأسطولها الجوي أساسا، المكون من طائرات "ميج29" التي تعود لسبعينيات القرن الماضي، خاصة أن المملكة العربية السعودية، الخصم اللدود، قد أصبحت المشتري رقم واحد للسلاح في العالم متقدمة بذلك على الهند.

كما أفادت الصحيفة بأن خلافات إيران مع الغرب لن تنتفي كليا حتى بعد إغلاق الملف النووي، ولذلك، فالمنافس الحقيقي لروسيا هو الصين التي بإمكانها توفير أسلحة من طراز عال وبأسعار مغرية، كما بإمكانها توفير دعم دبلوماسي أكثر صلابة لطهران، ما دفع بالكرملين للمبادرة باحتكار السوق الإيرانية الفتية، والتي تقدر بأربعين مليار دولار.

وأشارت الصحيفة إلى أن روسيا اليوم تعتمد مبدأ طمأنة زبائن السلاح الروسي، متفادية أخطاء حكومة ميدفيديف في 2010، التي كانت قد رضخت للضغط الغربي، ورفضت تزويد إيران بالصواريخ المدفوع ثمنها مسبقا، ما جعل بقية المشترين يشككون في مصداقية الكرملين، ويتهمونه بالتواطؤ مع الولايات المتحدة.

وأضاف التقرير أن السياسة الداخلية لروسيا تلعب دورا هاما في الموضوع، باعتبار أن الكرملين في مواجهة عنيفة مع الغرب عامة والولايات المتحدة خاصة، وهو ما أجبر بوتين على استعمال "ورقة" الوطنية، حيث أكد من خلال قراره باستئناف العلاقات مع إيران، لليمين ولكافة المواطنين الروس، أن الأولوية في أجندة بوتين هي استقلالية روسيا الاتحادية وضمان مصالحها أولا.

وقالت الصحيفة إن هذه الواقعية السياسية لم تأت من عدم، بل هي نتيجة متوقعة للعلاقات المتوترة بين واشنطن وموسكو.

وأكدت أن علامات الاستفهام التي تحيد بتوقيت قرار بوتين، لا تنتفي بمجرد معرفة الدوافع الاقتصادية أو فهم السياسة الداخلية لموسكو.

وأوضحت أن قرار دعم روسيا لطهران، بهذه الطريقة غير المباشرة، حول مفاوضات الملف النووي، يرتكز على ثلاث نقاط أساسية، أولها أن بوتين يريد إعلام الجميع بأنه لن يساند أي عقوبات سيتم فرضها على إيران، حيث إن قراره بيعها صواريخ "إس300" هو عبارة عن رسالة مفتوحة للدول الغربية، مفادها أنها مجبرة على التوصل إلى اتفاق مع طهران، لأن هذه الأخيرة ستحظى بدعم روسيا الكلي بعد الثلاثين من حزيران/ يونيو المقبل.

أما النقطة الثانية -حسب الصحيفة- فتتمثل في أن الحكومة الروسية تصر على اعتماد دبلوماسية عقلانية، من خلال "مكافأة" إيران على براغماتيتها في لوزان خلال المفاوضات حول الملف الإيراني.

وأشارت الصحيفة، في نقطتها الأخيرة، إلى أن قرار بوتين هذا يمكن أن يكون خطة منه، لاستعمال نفوذه من أجل تعقيد المفاوضات أو حتى إفشالها، باعتبار أن تصالح الولايات المتحدة وإيران، ودخول طهران في سوق النفط العالمي، سيكلف روسيا 27 مليار دولار، حسب البنك المركزي الروسي.

وأضافت أن عملية بيع صواريخ "إس300" لإيران قد تثير حفيظة القوى المعادية لها، مثل إسرائيل والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وحتى فرنسا، وستعقّد عملية المفاوضات حول الملف النووي، ما يجعل من حضور طرف ثالث في الحوار، روسيا مثلا، ضرورة قصوى.

وفي الختام، خلصت الصحيفة إلى أنه مهما كانت الأسباب، ومهما كان المسار الذي ستتخذه الأحداث في قادم الأيام، فإن روسيا ستحاول تحقيق أقصى استفادة ممكنة من الأحداث المتسارعة في العالم، لضمان مصالحها الاقتصادية والسياسية.