الحملة العسكرية بقيادة
السعودية على مواقع
الحوثيين في
اليمن بمشاركة دول عربية ومساندة دول إسلامية ودعم غربي انطلقت فجر الخميس 26 آذار/ مارس، حيث باشرت المقاتلات الحربية قصف أهدافها بعد أن أعطى العاهل السعودي الضوء الأخضر لانطلاق العمليات العسكرية في تمام الساعة الـ 12 منتصف الليل، وقد تزامنت العملية العسكرية التي حملت عنوان "
عاصفة الحزم" مع حملة إعلامية واسعة تفوق مسرح العمليات العسكرية والقوة المستهدفة ميدانيا، ذلك أن الحرب على جماعة "أنصار الله" الحوثية تقع في سياق الحرب الباردة الإقليمية بين
إيران "الشيعية" وحلفائها، والسعودية "السنية" وشركائها، فقد أسفرت مسارات الربيع العربي عن تمدد إيران في المنطقة بعد أن تماهت مع سياسات "الحرب على الإرهاب" الأمريكية المستنسخة عربيا، إذ أصبح "الإرهاب" مادة سنيّة خالصة باعتراف وإقرار النظام العربي الذي خاض حروبه الداخلية للتخلص من نتائج الربيع العربي باسم "حرب الإرهاب".
مع تصاعد قوة تنظيم الدولة الإسلامية وسيطرته على مساحات واسعة في العراق وسوريا وتمدده عربيا، شكل التنظيم جاذبية استثنائية بسبب تقديم نفسه ممثلا للهوية السنية الممتهنة في مواجهة هوية شيعية مظفرة تتمتع بدعم واسناد إمبريالية إيرانية، في ظل غياب رؤية عربية إسلامية قادرة على توفير مرجعية ومظلة لتحقيق العدالة والإنصاف للمكونات السنية التي تتعرض للظلم ولإقصاء في دول عديدة، في نهاية المطاف أسفرت سياسات "حرب الإرهاب" عن الإقرار بالهوية السنية الإرهابوية، ولم تجد الدول العربية التي خاضت حروبها ضد الحركات السنية "الإرهابية" بدا من الانخراط في التحالف الدولي المناهض للإرهاب بقيادة الولايات المتحدة والتي عملت على توسيع تحالفها ضد "الإرهاب" ليشمل إيران وأذرعها من المليشيات الشيعية، إذ استبعد تقرير التقييم الأمني السنوي، الذي قدمه إلى مجلس الشيوخ الأمريكي مدير جهاز الاستخبارات الوطنية جيمس كلابر، إيران و"حزب الله" اللبناني من قائمة التهديدات الإرهابية لمصالح الولايات المتحدة، على الرغم من إدراج كل منهما باعتبارهما مصدر تهديد في تقارير سنوات سابقة، حيث أشارت النسخة غير السرية من التقرير، الذي أصدره كلابر في 26 شباط/ فبراير الماضي، بعنوان "تقييم التهديدات حول العالم لأجهزة الاستخبارات الأمريكية"، إلى جهود إيران في محاربة المتطرفين السنة، ومن بين هؤلاء مقاتلي "الدولة الإسلامية" الذين لا يزالون يشكلون أبرز تهديد إرهابي على المصالح الأمريكية في العالم.كما أن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى لإنجاز صفقة تاريخية مع إيران حول البرنامج النووي، وبهذا تضمن إيران نفوذها وترسخ هيمنتها وتوسعها كقوة نووية في المنطقة.
تهدف عملية عاصفة الحزم في المقام الأول إلى إعادة التموضع في سياق الحرب الإقليمية الطائفية الباردة، فبعد أن نجح تنظيم الدولة الإسلامية في انتزاع تمثيل الهوية السنية في العراق في مواجهة التوسع الإيراني والتصدي للمليشيات الشيعية في إطار "الحشد الشعبي" التي يقودها قاسم سليماني، باتت الدول العربية محرجة وتفتقر إلى استراتيجية فعالة لمواجهة التمدد الإيراني، بل أصبحت أحد أدوات الإمبريالية التوسعية الإيرانية تحت ذريعة "الحرب على الإرهاب"، الأمر الذي أغرى إيران باكتساح العراق وسوريا وصولا إلى اليمن عبر أذرعها من المليشيات الشيعية، وأصبحت شرعية الأنظمة العربية وخصوصا السعودية التي تستند إلى شرعية دينية سنيّة، مهددة وتفتقر إلى الجاذبية والمشروعية، وهو أمر جلل يهدد الشرعية والمشروعية داخليا وخارجيا، وبهذا أخذت العملية العسكرية عنوانا واضحا وهو "الحزم" لاستعادة تمثيل الهوية السنية ومواجهة التهديد الهوياتي الشيعي الإيراني.
لا يبدو أن عاصفة الحزم في اليمن يمكن أن تؤدي إلى نتائج حاسمة في لجم التمدد الإيراني دون تبني استراتيجية متكاملة تعيد النظر في مسألة "الحرب على الإرهاب"، فعلى مدى سنوات اعتمدت الولايات المتحدة والسعودية في حربها على تنظيم القاعدة في اليمن على حليفهما الأبرز الرئيس علي عبدالله صالح الذي حول حرب الإرهاب إلى استثمار اقتصادي عائلي، وبعد تنجيته بسبب عجزه عن القيام بمتطلبات حرب الإرهاب تعهد خليفته عبد ربه منصور هادي بالخضوع المطلق لسياسات حرب الإرهاب الأمريكية، وعندما عجز عن القيام بواجباته تبرع الزعيم الجديد لليمن عبد الملك الحوثي زعيم حركة "أنصار الله" بتقديم أوراق اعتماده للولايات المتحدة كشريك موثوق في بورصة محاربة الإرهاب الدولية.
مقاربة حرب الإرهاب للولايات المتحدة وحلفائها من العرب كانت كارثية، ومقارباتها العسكرية الأمنية فاشلة، فكما حدث في بلدان عديدة أدت سياساتها إلى تفكك وانهيار الدولة وتفتت وتشظي المجتمع في اليمن، فمنذ سيطرة جماعة أنصار الله الحوثية على صنعاء في 21 أيلول/ سبتمبر الماضي، تحولت أسس المعركة في اليمن وباتت هوياتية مذهبية، فما حدث في اليمن من اختطاف جماعة "أنصار الله" الحوثية لمؤسسات الدولة يشير إلى انهيار كامل لبنية الدولة ويلخص النتائج الكارثية لقطع مسار الثورات في العالم العربي، ويبرهن على بؤس سياسات "حرب الإرهاب" الأمريكية العربية، والتي أصبحت مطية لكل طامح بالسلطة في المنطقة، فالتحايل على فعاليات الثورة اليمنية السلمية التي خرجت في 11 شباط/ فبراير 2011 بهدف التخلص من منظومة الحكم السياسية والاقتصادية والاجتماعية البائسة التي قادت البلاد إلى حافة الهاوية وأدخلته في حدود الفشل التام، عبر المبادرة الخليجية في 3 نيسان/ أبريل 2011 المدعومة أمميا عن طريق ترتيب انتقال سلطات رئاسة علي صالح قانونا إلى نائبه عبد ربه منصور هادي مقابل منح صالح وأسرته الحصانة من الملاحقة القضائية، أسفرت عن قيام إمارتان في اليمن واحدة لأنصار الله في الشمال وثانية لأنصار الشريعة في الجنوب.
جماعة أنصار الله تماهت تماما مع سياسات حرب الإرهاب الأمريكية على القاعدة والجهادية العالمية، وخاضت حروبها عقب ثورة 11 فبراير تحت عنوان مكافحة الإرهاب، التي اتسعت حدودها في عقل سدنة الثورة المضادة إقليميا لتشمل جماعة الإخوان المسلمين، فقد اتهم زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي "حزب التجمع اليمني للإصلاح" بدعم ومساندة "القاعدة"، كما اتهم الرئيس هادي بدعم ومساندة "القاعدة"، وقال: إن لدى حركة "أنصار الله" أدلة على تورط مسؤولين كبار في الدولة ومن بينهم رئيس الجمهورية بدعم "القاعدة". فمنذ سيطرة أنصار الله على العاصمة صنعاء في 21 أيلول/ سبتمبر 2014، وصولا إلى استقالة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في 22 كانون ثاني/ يناير 2015، غابت السياسة عن اليمن وبرزت العسكرة، إذ لم يمتلك الفرقاء برنامجا سوى التأكيد على محاربة الإرهاب للدخول في كنف ورعاية الولايات المتحدة التي يقتصر اهتمامها باليمن كونه معقلا لتنظيم "القاعدة في جزيرة العرب" والذي تعتبره واشنطن الفرع الأخطر لــ"القاعدة".
في سياق التحايل على المطالب الثورية للشعب اليمني، استثمرت إيران انهيار الدولة اليمنية واستخدمت أذرعها للتمدد والسيطرة تحت ذريعة الحرب على الإرهاب، وظهر قاسم سليماني اللاعب الأبرز في مواجهة "الإرهاب السني" فالصورة الأسطورية لقائد فيلق القدس كجناح خارجي للحرس الثوري باتت سوريالية فهو يتنقل في الزمان والمكان من العراق إلى سوريا فاليمن محققا الانتصارات والفتوحات، لكن الحقيقة أن مسار سليماني يمثل فشلا ذريعا فقد مني بالهزيمة تلو الأخرى على يد مقاتلي الفصائل الجهادية الثورية في سوريا، ومقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، لكن مسارات العملية الانتقالية الفاشلة في اليمن أدت إلى تصاعد القوة الإيرانية كما حدث في العراق وسوريا نتيجة طبيعية لسياسات "الحرب على الإرهاب" وتماهي الدول العربية مع المقاربات الأمريكية، حيث أصبح اليمن منقسما ومتناحرا ومتشظيا وتتنازعه ستة قوى مسلحة وهي: جماعة الحوثيين والقوات الموالية للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح واللجان الشعبية الشعبية التابعة للرئيس عبد ربه منصور هادي، والمجموعات التابعة للحراك الجنوبي، والمجاميع المسلحة التي تتبع القبائل، والتنظيمات الجهادية المنقسمة بين "القاعدة" وتنظيم"الدولة الإسلامية".
تواجه عملية عاصفة الحزم بقيادة السعودية تحديات أبعد من الساحة اليمنية، كالإمبريالية التوسعية الإيرانية، التي ساندت انقلاب الحوثيين على الحكومة اليمنية المركزية، وعملت على تثبيت وجود الأسد العلوي في السلطة، ودعم الميليشيات الشيعية الحاكمة في العراق، وضمان هيمنة حزب الله في لبنان، كما أن عاصفة الحزم تواجه تصاعد قوة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا وتمدده إقليميا وعالميا، والذي ظهر كقوة سنية وحيدة تناهض التمدد الشيعي وتتصدى للإمبريالية الإيرانية، فالاسترايجية السعودية تتطلب حربا على جبهتين على أساس الهوية السنية، ولذلك حرصت على بناء تحالف يضم معظم الدول السنية الكبرى وهي: تركيا ومصر وباكستان.
لا يزال التحرك العسكري السعودي في اليمن في بدايته، وهو يعتمد أساسا على الضربات الجوية، وهي لا تحسم حربا ولا تتجاوز كونها عملية صد واحتواء لتقدم قوات أنصار الله المتحالفة مع قوات الرئيس المخلوع علي صالح إلى عدن، فالسعودية لا تزال تعتبر تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة في جزيرة العرب، وجماعة الإخوان المسلمين التهديد الإرهابي الأكبر للمملكة، الأمر الذي يضع مقاربتها في استعادة تمثيل السنة في تناقض صريح، فهي لا تتوافر على أذرعة سنية مسلحة كما هو حال إيران، ويبدو أن دورها يقتصر على توفير الدعم المالي والعسكري للحكومة الشرعية في اليمن، وهي حكومة تفتقر إلى القدرة والقوة اللازمة لتأمين الاستقرار وشن الحرب على الجهادية الشيعية والسنيىة الإرهابوية.
خلاصة الأمر أن عملية عاصفة الحزم في اليمن تواجه تحديات جسيمة وتفتقر إلى رؤية استراتيجية واضحة، فهي ردة فعل على التوسع الإيراني من جهة وتمدد الدولة الإسلامية من جهة أخرى، فالعامل الإرهابوي الهوياتي بات محددا أساسيا في الصراع الإقليمي، وإذا كانت إيران خاضت حروبها التوسعية باسم الهوية الشيعية، وبنى تنظيم الدولة الإسلامية استراتيجيته القتالية على أساس الهوية السنية، فإن المقاربة العربية السعودية باتت متلبسة بصراع الهوية، رغم تشديدها على الطبيعة الجيوسياسية للنزاع، ولا شك بأن الولايات المتحدة الأمريكية سعيدة بانحراف طبائع الصراع فحليفتها التاريخية المستعمرة الاستيطانية الإسرائيلية تنعم بالأمن والاستقرار، فسياسات "حرب الهوية" وإيديولوجيا "حرب الإرهاب" تنعش الاقتصادات الإمبريالية المرهقة، وإذا أرادت عاصفة الحزم أن تكون حازمة فعليها إعادة النظر في مفهوم الإرهاب الذي بات إسلاميا سنيا، والعمل على استدخال (إسرائيل) ككيان إرهابي احتلالي عدواني توسعي، وإعادة النظر باعتبار القوى السياسية الإسلامية السنية حركات إرهابية، والالتفات إلى المطالب الشعبية للثورات العربية المتعطشة للحرية والديمقراطية والعدالة، وهي المبادئ الأساسية للخروج من أفق الصراع على الهوية إلى فضاء الاعتراف والتعددية، بعيدا عن إرهاب الإمبريالية والدكتاتورية.