بورتريه

الضاري إذ يترجل بعيدا عن بغداد بزمن عربي مغرق في الكآبة

الضاري حفيد أحد قادة ثورة العشرين ضد البريطانيين - أرشيفية
حفيد أحد أهم قادة ثورة العشرين، الشيخ ضاري الحمود، الذي قطع مع رجاله خط الإمداد عبر الفرات للقوات البريطانية، وأوقعها تحت حصار مرير.

 كان ضاري الجد حلقة الوصل بين جميع الثوار على اختلاف مناطقهم ومذاهبهم، وكان يتولى تمويل الثورة بالرجال والسلاح والمؤونة، كما كان يمنع الإمدادات البريطانية من المرور عبر الفرات، حيث كانت قبيلته تسيطر على الضفاف الغربية للنهر.

وقد تعرضت قبيلة زوبع، التي يقودها ضاري، لعقوبات انتقامية بسبب مواقفها الوطنية، وعندما حاول مساعد المندوب السامي في لقاء بينه وبين الشيخ ضاري استفزازه وإهانته، سل سيفه وقتله.

 وفي العام 1927، صدر عفو عام عن رجال الثورة، ولكن، استثني منه الشيخ ضاري وأبناؤه، وعندما كان الشيخ مسافرا إلى حلب للعلاج، بعد أن اشتد عليه المرض، تعرض لخيانة من السائق الذي سلمه للبريطانيين، وكان في الثمانين من عمره، وتوفي عام 1928 أثناء اعتقاله، بسبب المرض الشديد والإهمال، وكانت جنازته يوما مشهودا في تاريخ العراق الحديث.

وكانت العائلة قد شيعت قبل سنوات الشيخ ضامر الضاري، الذي قتل على أيدي مسلحين مجهولين أمام منزله في أحد أحياء بغداد. وبدا هذا الاغتيال وكأنه موجه لهيئة العلماء المسلمين، ولأمينها العام ومؤسسها الشيخ حارث الضاري، الذي ظهر في وسائل الإعلام والفضائيات منافحًا، لا تلين له قناة عن السنة وعن المقاومة بعد سقوط بغداد تحت الاحتلال الأميركي.

و ضمن الخط الوطني للعائلة في المقاومة، كثيرا ما دعا الحفيد حارث الضاري الشعب العراقي إلى القيام بثورة شعبية ضد حكومة نوري المالكي الطائفية والإقصائية.

وكثيرا ما وصف المالكي بالاستبدادي والمغرور، متهما إياه بالسعي إلى إنشاء دولة الحزب الواحد والشخص الواحد والمذهب الواحد، مثلما هو الشأن في إيران، على حد تعبيره.

كما انتقد سياسات المالكي، مشيرا إلى الفساد المالي، وارتفاع نسبة البطالة في صفوف العراقيين، وتدني مستوى عيشهم، واكتظاظ السجون بالنزلاء من أهل السنة، إضافة إلى الاعتقالات العشوائية والإعدامات والتهجير.

واعتبر أن العراق منذ سقوط بغداد محكوم لجهتين أجنبيتين، هما الولايات المتحدة وإيران، وحذر من عواقب استمرار الهيمنة الأميركية والإيرانية على بلاده.

من جانبها، عدّتْهُ الحكومة العراقية "إرهابيا"، وأصدرت مذكرة اعتقال بحقه.

الحفيد حارث الضاري، الأمين العام لهيئة علماء المسلمين السنة في العراق، المولود في قضاء أبو غريب قرب بغداد عام 1941، التحق بجامعة الأزهر عام 1963، وحصل على شهادة الليسانس العالية في كلية أصول الدين والحديث والتفسير، ثم الماجستير في التفسير سنة 1969، وبعدها درس علوم الحديث، وحصل أيضاً على الماجستير سنة 1971، ليحصل بعدها على الدكتوراه في الحديث عام 1978.

عمل أستاذًا في جامعتي بغداد في العراق واليرموك في الأردن، وأستاذًا بكلية الدراسات الإسلامية في دبي، وله أربعة كتب مؤلفة في الحديث وعلومه، وله أكثر من خمسة عشر بحثاً.

وتعدّ هيئة علماء المسلمين إحدى أبرز ثلاث منظمات لرجال الدين السنة في العراق، منذ  السقوط الثاني لعاصمة الخلافة العباسية بغداد في التاسع من نيسان/ أبريل عام 2003، وأسسها الضاري بهدف مناهضة الاحتلال والعملية السياسية الإقصائية.

وكان حارث من المعارضين الأشداء للاحتلال الأمريكي للعراق، كما عارض مشروع الحكومة المركزية بتقسيم العراق إلى أقاليم؛ إذ رأى فيه "بأنه حل قاصر لن ينهي المشكلة الحقيقية التي يعاني منها أهل السنة، ولن يضع حدا لظلم ما تسمى الحكومة المركزية التي يظن البعض أن الأقاليم ستخلصهم من شرها".

وطالما هاجم الضاري الحكومات العراقية المتعاقبة منذ  عام 2003، وحمّلها وحزب "الدعوة"  مسؤولية ما يجري في العراق من تمزيق للنسيج الاجتماعي، عبر تنفيذ سياسات وصفها بـ"الطائفية"، التي تسببت في" قتل وتهجير مئات الآلاف منهم، وغيّب مئات الآلاف رجالا ونساء في السجون"، بحسب قوله.

ولم تستطيع الحكومة العراقية تحمّل معارضة حارث الضاري الذي عقد مؤتمرا للمعارضة العراقية في عمان العام الماضي، وهو ما دفع بغداد إلى مطالبة الأردن بتسليمه بتهمة "الإرهاب" .

يعَدَّ الشيخ حارث الضاري من الخط الوطني الذي يدافع عن وحدة الشيعة مع السنة.

 وكان حارث الضاري يركز منذ عام 2003 على قضية وحدة العراق.

برحيله عن عمر يناهز الـ73 عاماً، بعد معاناة طويلة مع مرض السرطان، تفقد الأمة أحد علماء السنة في العراق، وواحد من العلماء المختصين في علوم الحديث.

رحل بعيدا عن وطنه، حيث يقيم في العاصمة الأردنية عمان منذ 2003، رحل بينما المدن التي طالما دافع عنها تحاصر من قبل المليشيات المسلحة .