قام
تنظيم الدولة بذبح عمال
مصريين أقباط في
ليبيا الأسبوع الماضي، بالطريقة التي صارت معهودة، وهي قيام أشخاص ملثمين من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام بجز رؤوس الضحايا، ووصف الذبح بأنه بشع، حتى بمعايير التنظيم الوحشية.
ويقول ديفيد غاردنر في مقال له في صحيفة "فايننشال تايمز": "إنه لا يقوم بعمل كهذا إلا من يملك عقلا منحرفا، ومع ذلك فتدنيس الحياة البشرية كان أمرا مقصودا. فمثل جرائم تنظيم الدولة كلها، كان عملا استفزازيا محسوبا، فطرق الجهاديين، الذين يرتدون القمصان السوداء، وحشية، ولكن تنظيم الدولة ذكي أيضا".
ويضيف الكاتب أنه من المعروف جليا أن التنظيم يحاول بناء خطوط تناقض، وخلق تصدعات في لبنان وتركيا والأردن والسعودية، وهي دول هشة تحيط بالدولتين الفاشلتين العراق وسوريا.
ويقول غاردنر: "قد شاهدنا أيضا كيف يتوسع التنظيم في شمال أفريقيا، خاصة أن تنظيم أنصار بيت المقدس، المسؤول عن عدد من العمليات ضد قوات الأمن المصرية، قام بإعلان (ولاية سيناء)، التابعة لتنظيم الدولة. ففي ليبيا المقسمة، التي تعيش حربا أهلية، زحف التنظيم بهدوء في الوقت الذي ركز فيه الغرب وحلفاؤه العرب على سوريا والعراق".
ويرى الكاتب أن "الخلافة" تهدف إلى تقليد النجاح الكبير للخلافة في التاريخ الإسلامي الأول، حيث خرج المسلمون الأوائل من الجزيرة العربية، وأضافوا أراضي إلى أراضيهم. ولكن تنظيم الدولة كان من الواضح أنه ينتظر وصول "القوى الصليبية"، التي يحاول جذبها إلى عرينه.
ويجد غاردنر أنه لهذا كله، فالمذابح التي يرتكبها التنظيم تخدم ما كان يعرفه الفوضويون في القرن التاسع عشر، وهو "دعاية العمل"، وكان العمل الأكبر هو ما قام به تنظيم القاعدة بالطائرات التي حلقت فوق برجي مركز التجارة العالمي في 11 أيلول/ سبتمبر 2001.
ويبين الكاتب أنه عند هذه النقطة يجب ألا يكون هناك أي لغز تجاه "ديالكتيك" الجهاديين. فقد تم تحديده في كتاب مهم كتبه أيمن الظواهري، المنظر الاستراتيجي في تنظيم القاعدة، وخليفة أسامة بن لادن في قيادة التنظيم. وتقوم استراتيجية الظواهري على جلب القوى الغربية واستفزازها للانتقام، "وتقوم بنفسها بشن حروب ضد المسلمين"، وإرسال قوات برية، فعندها سيكون هناك "جهاد واضح ضد الكفار".
ويشير الكاتب إلى أن استراتيجية الظواهري تشبه قانون الحركة الثالث لنيوتن، فقد كان أسامة بن لادن واضحا بعد عملياته ضد سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي ودار السلام عام 1998، ويقول: "وكما قلت، فقد تحدث إلى صحافي أمريكي قائلا: (كل فعل يؤدي إلى رد فعل مشابه له)".
ويفيد غاردنر بأن هذا ما يؤمن به تنظيم الدولة، "فعل- رد فعل- أفعال كثيرة – لا تمييز، من أجل دفع المسلمين للتشدد، ولجعل الخلافة مركز جذب، وبالوقت ذاته جذب الكفار لشن حروب ضدها".
ويعتقد الكاتب أن جذور الوحشية مرتبطة بالتمرد الإسلامي، الذي اشتعل ردا على الغزو الأنجلو- ساكسوني للعراق عام 2003، خاصة فرع تنظيم القاعدة في العراق، الذي قاده الجهادي الأردني أبو مصعب الزرقاوي. وانفصل التنظيم عن الظواهري؛ لأن الأخير نسي، كما قال الزرقاوي، تعاليمه الأصلية، ولعب الزرقاوي اللعبة ذاتها، ولكنه لم يقم برد فعل مماثل، بل كانت هناك مبالغة في ردة الفعل.
ويلفت الكاتب إلى أنه بناء على ما تقدم، فإن تنظيم الدولة سيتجاوز الغارات الجوية المصرية على أتباعه في ليبيا، ويحاول البحث عن شيء دعائي أكثر أهمية.
ويوضح غاردنر أن في مصر، التي قام فيها عبد الفتاح
السيسي بانقلاب عام 2013، ضد حكومة إسلامية منتخبة يقودها الإخوان المسلمون، فسيعبر تنظيم الدولة عن فرحته من تطورين؛ وهما قيام حكومة السيسي بحظر جماعة الإخوان واعتبارها جماعة إرهابية، وإطلاق النار على المئات من المعتصمين المؤيدين لها واعتقال الآلاف منهم. وقد صدرت أحكام بالإعدام بحق المئات منهم، في محاكم لا يمكن أن توصف إلا بأنها تعسفية.
ويجد الكاتب أنه لو أقدمت مصر على تعليق عدد منهم على حبال المشانق، كما فعل الأردن بعد أن حرق تنظيم الدولة طياره معاذ الكساسبة، فإن عملا كهذا سيناسب كتاب لعبة تنظيم الدولة. وسيعزز من الأدلة بأن الولايات المتحدة والغرب يقفان وراء السيسي، حيث ستختفي شكوكهم كلها حول الانقلاب، وما قام به من تجريم للإسلاميين، وسيتم التركيز على خطر التنظيم.
ويخلص غاردنر إلى أن هذا كله سيعزز من موقف تنظيم الدولة وأطروحته، وهي أن الديمقراطية والانتخابات ليستا إهانة للقانون الرباني، بل إنه لا قيمة لهما، خاصة أن الغرب وحلفاءه في المنطقة لا تهمهم الديمقراطية بالقدر الكافي. وكل ما يريده تنظيم الدولة هو نشر الجهاد، وإقناع أقلية نوعية مسلمة بأنه هو الطريق الوحيد.