كتاب عربي 21

الشعب السوري بين زهران والزعران

1300x600
بعد طول انتظار، تتربع على مائدة الدب الروسي شخصيات محسوبة على المعارضة السورية وموفدون من نظام الأسد.

وعلى الرغم من مقاطعة قيادات من المعارضة والائتلاف لهذا الحوار إلا أن الوليمة الروسية، تستحق بعض التمرد، و خصوصا بعد ما آلت إليه الأوضاع الميدانية على الجبهات الداخلية من تأزم بين الكتائب والفرق المسلحة ، عقب ضربة زهران علوش، قائد جيش الإسلام لمناطق عسكرية تابعة لسيطرة النظام في  قلب العاصمة دمشق.

أسباب كثيرة تدعونا إلى القلق من فتح جبهة دمشق، فالجيش الحر مازال  يعيش حالة من عدم الاستقرار والفوضى في تنظيم شبكة علاقاته، ولم يتمكن إلى اليوم من ترتيب بيته الداخلي. 

وبالتالي، يأتي التخوف من أن وقت الضربات سابق لأوانه، وقد ينعكس سلباً على جيش الإسلام الذي ربما  يضطر إلى مواجهة جيش الأسد وحلفائه في معارك طويلة لسنا متفائلين بقدرته على مواجهتها وحيداً، إضافة إلى تزامن رد علوش مع تحركات سياسية لقيادات من المعارضة كمؤتمر القاهرة الأخير، وما يحضر اليوم في موسكو يوحي لنا ببعض التسرع، والانفعال غير المجدي و خصوصاً مع رخاوة المواقف الأمريكية الأخيرة تجاه رحيل الأسد وتصريحات واشنطن المترددة والقاصرة.

سرب لنا بعض الأصدقاء أخباراً عن فشل المساعي مع قائد جيش الإسلام من أجل ثنيته عن الرد على مجازر الغوطة بضرب قلب العاصمة، ونحن نتفق معهم في أن فتح معارك داخل العاصمة مازال مبكراً وبحاجة إلى استعدادات أوسع وتعاون أكبر مع جبهات الجيش الحر المختلفة، خصوصاً أن شخصيات وطنية استطاعت جذب أطياف مختلفة تحت جناحها، لتشكيل قيادة موحدة لعدد كبير من فصائل الحر.

ولكن تصلباً واضحاً بدا في مواقف علوش حال دون استجابته لهم.

علوش استهدف  دمشق وأحياء مدنية داخل محافظة اللاذقية،  والنظام لم يتوان عن الرد في  دوما، وزملكا، ومناطق عديدة واقعة تحت سيطرة جبهات الجيش الحر، والسؤال اليوم ما الذي حققه علوش من ضربة دمشق؟ وما هي النتائج المترتبة على هذه الضربة؟

حقيقة، لقد حققت ضربة علوش العديد من الأهداف على الصعيدين الداخلي والخارجي:

أولاً: فرضت كتيبة من كتائب الحر حظر تجوال في قلب العاصمة دمشق. 

ثانياً: من اليوم وصاعداً لا بد من أن يأخذ الأسد وموالوه بعين الاهتمام أي تحذيرات صادرة عن قوى الجيش الحر، وهذا بدوره يزيد من التوتر والاضطرابات في بنية النظام الداخلية.

ثالثاً: استهداف العاصمة التي تعدّ المدينة الأكثر نشاطاً سياسياً واقتصادياً في سوريا اليوم، سيؤثر دون شك في إعادة بعض الداعمين للأسد حساباتهم، وخصوصاً بعد  دمار العاصمة الاقتصادية حلب.

رابعاً: من المتوقع أن يزيد نقل المعارك إلى قلب العاصمة دمشق العلاقات الإقليمية والدولية مع الأسد  توتراً، يذكر واشنطن التي ترى وجوده مهماً من أجل الحفاظ على ما تبقى من مؤسسات الدولة السورية وحمايتها من الاهتمام في ظل تعدد أطراف الصراع في سوريا وتشابكها وتعقدها.

أما ما نأخذه على هذه الضربات، فينحصر في أن جيش الإسلام استهدف مناطق هادئة نوعاً ما بصواريخ نسبة الخطأ فيها مرتفعة، ولا يمكننا إلا أن نستنكر أن ينتهج مجاهدون أتقياء نهج  نظام الأسد الوحشي الذي لا يعير اهتماماً  للدماء السورية. 

ومع تقديرنا لأهمية الرد على نظام الأسد وانتهاكاته المستمرة، إلا أن بنك الأهداف العسكري الذي حددته كتائب جيش الإسلام لم يكن دقيقاً، بحيث يمكنها من مواقع استراتيجية مهمة للنظام، وأخيراً نجد أن تزامن الضربات على العاصمة وسط تحضيرات موسكو للقاء حواري بين المعارضة و النظام يجر استهجاناً واسعاً، وينتج المزيد من الشقاق في صفوف الحر، وقد يفضي إلى حصول المعارضة اليسارية المتطرفة على النصيب الأكبر من الدعم السياسي، وما يلحق به من دعم اقتصادي وعسكري. 

المساعي والجهود الدولية اليوم تتجه نحو تحييد دور الجيش الحر عن أي حل قادم، ومن ثم إعادة تعبئته وتجميعه و تدريبه وإدارته لقتال تنظيم الدولة الذي بات شغل المجتمع الدولي الشاغل، مع غض الطرف عن إرهاب الأسد و أعوانه الذي يبدو غير مهم في عيون القوى الكبرى. والسؤال الذي نترك إجابته لزهران علوش: ما الاستراتيجية التي ستتبعها لتحقيق هدف الشعب الثائر ومواجهة تحديات المعارضة صديقة النظام والقوى الكبرى؟ 

وأرجو ألا يكون جوابه ضرب من تبقى من المدنيين ووضع السكين على رقاب الأبرياء، فالمدنيون الأبرياء آخر من يهتم بهم النظام.