قضايا وآراء

هل بدأ موسم جني أرباح تشارلي إيبدو صهيونيًا؟

1300x600
هل بدأت مرحلة 11 أيلول الفرنسي تفرض نفسها أحداثا واقعية تستجلب صفة الخبر العاجل في مقدمة النشرات الإخبارية العالمية؟ وهل بدأ الكيان الصهيوني يجني ثمار وقوفه خلف تلك الأحداث الإشكالية التي ذهبت بعض التخمينات والتحليلات إلى أنها كانت نتاج عمل استخباراتي محض للعدو الصهيوني؟

إن عمل مسح سريع للسياسة الفرنسية قبيل أحداث تشارلي إيبدو بقليل يقودنا إلى أن باريس كانت في المقدمة بقرار برلمانها الدعوة إلى الاعتراف بقيام الدولة الفلسطينية، وأنها قبل عشرة أيام كانت قد صوتت إلى جانب مشروع القرار الفلسطيني إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية في مجلس الأمن، فضلاً عن أنها دعمت رفع حركة «حماس» عن لائحة المنظمات الإرهابية. وذلك ما دفع الكثير إلى ترجيح وجود الأصابع اليهودية العابثة ومنهم رئيس بلدية العاصمة التركية أنقرة "مليح غوكجيك" الذي قال بأن الاستخبارات "الإسرائيلية" تقف وراء هجوم تشارلي إيبدو. وأنّ اتخاذ الحكومة الفرنسية قراراً بدعم ملف الاعتراف بدولة فلسطين المستقلة أدى إلى انزعاج "إسرائيل" مما دفعها للقيام بمثل هذه الحركة داخل العاصمة الفرنسية".

أما الصهاينة أنفسهم فإنهم لم يكادوا يخفون لهفتهم واستعجالهم لجني الأرباح منذ لحظة انطلاق مسيرة باريس، فقد حضر نتنياهو رغماً عن الرئيس الفرنسي وفرض نفسه ضيفاً ثقيلاً على باريس، وسارع إلى توظيف الحدث في عدة اتجاهات استغلالاً لحالة الهيجان العاطفي والبيئة الإعلامية المنفلتة لتسجيل عدة نقاط داخلياً وخارجياً لصالح الأطماع الصهيونية، منها ما يتعلق بترسيخ الربط بين صورة الإرهاب النمطي في الذهنية العالمية الذي ارتبط بالقاعدة وداعش وبوكو حرام مع حركات المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس، وهو ما عبرت عنه تصريحاته في باريس إبان المسيرة بأن "عدونا جميعاً الإسلام المتطرف ممثلاً بداعش، حماس، بوكو حرام، القاعدة، النصرة، الشباب المسلم، وحزب الله. وهو يسعى لإحلال نظام الاستبداد المظلم على دول العالم، وإعادة الإنسانية ألف سنة للوراء، ولم يكن صدفة أن هذا التطرف يطمح لإبادة دولة "إسرائيل" منذ نشأتها، لأنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط". وبالفوقية المعتادة خاطب دول أوروبا مطالباً إياها «الوقوف جانب "دولة إسرائيل" في محاربة الإرهاب مثل ما تقوم به "إسرائيل" بدعمها لدول أوروبا».

 فهل كان إعادة حركة حماس لسجل المنظمات الإرهابية في الاتحاد الأوروبي باكورة ثمار تلك المطالب؟

على صعيد آخر من "عملية جني الأرباح" عمد نتنياهو إلى دعوة يهود فرنسا للعودة إلى "وطنهم" بما تحمله تلك الدعوة من وقاحة فجة تتمثل في اقتطاع جزء من مواطني فرنسا جهاراً نهاراً لصالح الكيان الصهيوني لمجرد أنهم يهود بما يعني أن لنتنياهو حق مخاطبة أي يهودي في أي دولة كانت بصفة المواطنة ل"إسرائيل" دون الرجوع إلى الدولة التي ينتمي إليها أو حتى الاستئذان بتوجيه الأوامر إليهم مباشرة، في ذات الوقت الذي يحاصر رعايا تلك الدول ومواطنيها من المسلمين برهاب الإسلام (الإسلاموفوبيا) دون أن يحظوا بدعم حقيقي أو حماية لهم ولممتلكاتهم ومساجدهم.

ويصل السعار مداه من خلال تهديد رئيس الكيان الصهيوني رؤوفين ريفلين بالقول: "في العام 2015، وبعد 70 عاما على انتهاء الحرب العالمية الثانية لا يمكننا السماح بأن يخاف اليهود من السير في الشارع بأوروبا وهم يضعون القلنسوة". وهو ما دعا أكبر اتحاد للمنظمات اليهودية في جميع أنحاء أوروبا على لسان الحاخام مناخيم مورغولين، المدير العام للرابطة الأوروبية اليهودية، المشرعين في بروكسل للسماح للمواطنين اليهود بحمل السلاح "للحماية الذاتية" في أعقاب هجوم باريس الأخير والمطالبة "بتشريع منح رخص لناس معينين من الجالية اليهودية لحمل السلاح بغية تمكينهم من الحماية الذاتية وحماية التجمعات اليهودية".

إنه العلو والاستعلاء الذي لا يمكن تبريره بمجرد السعي لتحقيق مكاسب سياسية أو حزبية، ولكنه جزء لا يتجزأ من العقلية الصهيونية والعقيدة اليهودية التي تقوم على مبدأ التميز والنقاء الديني والأفضلية في مقابل الأغيار. تلك التي جعلت الغرب مكبل بعُقد الهولوكوست ومعاداة السامية والتي لا توفر جواً من الكراهية فحسب، وإنما من العبء النفسي والشعور بالابتزاز المالي والسياسي والذي يمكن أن يتحول إلى تيار جارف لا يبقي ولا يذر.

وفي أجواء تشارلي ايبدو جاءت الضربة العسكرية الموجعة ل"حزب الله" داخل الأراضي السورية لتتماشى مع سياسة نتنياهو الذي بدا أنه يسوق كيانه كرأس حربة في مواجهة الإسلام المتطرف، ورغم أن قادة الحزب قد تم استهدافهم وهم في مهمة تتعلق بالملف السوري الذي لم يقتصر تورط الحزب فيه على مساندة المجرم بشار الأسد وعصابته وإطالة عمره في الحكم، وإنما بالمشاركة الفعلية في ارتكاب جرائم حرب بشعة بحق السوريين بعناوين طائفية محضة، ذلك كله لم يكن ليمنع جيش العدو من اقتناص الفرصة وتوجيه رسالة بليغة بأن انشغال الحزب في مشروعه الطائفي، وفي حرب غير موجهة مطلقاً للنيل من العدو الصهيوني، لا يجعله في معزل عن نيرانه، وأن اقتراب أحد من الجبهة السورية مع الاحتلال يجعله هدفاً تلقائياً.

ضربة القنيطرة أتاحت لجيش العدو توجيه لطمة قوية للأمين العام لحزب الله الذي أنكر في خطاب له قبل الحادث بقليل وجود عناصر للحزب في الجولان، ما دعا وزير الحرب موشي يعلون إلى التساؤل عن حقيقة ذلك التواجد الأمر الذي يشكل ضربة لمصداقية الرجل التي تعرضت لزلازل كثيرة بسبب تورط الحزب في سورية وهو ما أفقده المصداقية في كل ما يقوله بعد أن كاد في حقبة من الزمن أن يفتن العرب بخطبه النارية خاصة تلك التي رافقت حرب 2006. إنه أوان القصاص من ذلك الذي أزبد وأرعد وتوعد بحيفا وما وراء حيفا، هذا أوان توجيه الضربات تلو الضربات لخصم قديم فشل في الرد على العديد منها مؤخراً، بدءاً من الرد على اغتيال عماد مغنية، ومروراً بقصف شحنات الصواريخ المتجهة من سورية إلى لبنان شهر فبراير الماضي، وانتهاءً بقتل ابن مغنية مع مجموعة من القيادات البارزة في الحزب في القنيطرة. إنه أوان ترميم الصورة البالية لجيش العدو بعد تعرضها لهزة شديدة في "العصف المأكول" وما تلاه من تسريبات عملية زيكيم وأبو مطيبيق وغيرها، ومن قبل ذلك فشله الذريع في تحقيق أهدافه العدوانية في الفرقان وحجارة السجيل.

الكيان الصهيوني يجد في استهداف حزب الله فرصة لاستعراض عضلاته تزامناً مع الانتخابات الصهيونية المرتقبة، وهو يعي تماماً أن الحزب في وضع حرج لا يمكنه من الرد على تلك الضربات لاستنزافه في حربه بالوكالة عن إيران ونظام بشار. والرهان على دخوله في مواجهة مع جيش العدو تعني خسارة محققة له في سورية، وكشف ظهر المجرم بشار، دون أن يعني ذلك تحقيق مكاسب في تلك المواجهة، لفقده الظهير القوي الذي كان يسنده سابقاً ويوفر ساحة خلفية له.

كل ذلك يفتح الشهية أمام نتنياهو لتوجيه مزيد من الضربات الموجعة للحزب وفي أجواء مثالية له بعد فقد الحزب للتعاطف الذي حظي به سابقاً، وبسبب انشغال أكثر الشعوب العربية في نكباتها الداخلية وهي تعيش خريفها العربي، وبسبب الأجواء المحتقنة في الشارع الغربي بعد حادثة تشارلي إيبدو وما تغذيه وسائل إعلام تنظيم الدولة من آثار سلبية تجاه العرب والإسلام والمسلمين.