بورتريه

العودة إلى الحقبة الاستعمارية.. لكن أكثر توحشا!

هولاند بورتريه
اعتبر ولفترة طويلة "رخوا" ويفتقر إلى التجربة، لكنه عاد وتحت سطوة السلطة ليغير كثيرا من جوانب شخصيته، وحتى من شكله، فاتبع نظاما غذائيا قاسيا، وأخذ مظهرا جديدا، وطور في خطابه السياسي ليصبح أكثر قوة. وبالرغم من شعبيته السابقة التي أوصلته إلى الرئاسة إلا أن النقد يطاله في ما يتعلق بميوله للهروب من الصراعات، وبأنه لا يملك الكثير من الكاريزما.

أوروبي حتى الصميم، يرى الاشتراكيون فيه الرجل الجامع، كما كان الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران الذي ورث عنه بعض حركاته وطريقته في الكلام.

يترأس دولة اتسم ماضيها الاستعماري في الشرق الأوسط بالتوحش والهمجية، ويتهم بأنه جر فرنسا إلى حروب ضد الجماعات الإسلامية عبر القارة الأفريقية التي ساهمت في تصاعد الكراهية في فرنسا وفي أفريقيا.

وهو ما دفع كاتبا بوزن ديفيد هيرست إلى المقارنة بين قيادته لفرنسا وبين أمريكا تحت قيادة جورج بوش الابن، من حيث التدخل في الشرق الأوسط والخضوع للمحافظين ولليمين المتطرف. 

كرة الثلج المتدحرجة من الكراهية والعنف والعنف المضاد، تكبر آخذة في طريقها كل شيء، حتى أولئك الواقعين على هامش "صراع الحضارات" الذي يبدو أنه يعاد تسويقه هذه المرة عبر السوق الأوروبية المشتركة.

أو كما قال رئيس وزراء ووزير خارجية فرنسا الأسبق دومينيك دو فيليبان: "شبح الحرب مصيدة، إنها الدائرة التي تدفع بنا كل يوم تجاه حرب خرجت عن السيطرة".

وبدا فرنسوا هولاند، المولود عام 1954 لأم يسارية ولأب عمل طبيبا وترشح في مناسبتين على لوائح أقصى اليمين في انتخابات بلدية في روان عامي 1959 و1965، وكأنه كان في انتظار حدث بوزن الهجوم على صحيفة "شارلي إيبدو" ليكشف عن وجه فرنسا الجديد القديم.

 هولاند هو الرئيس السابع للجمهورية الفرنسية الخامسة التي بدأت عام 1958، والرئيس الـ 24 لجمهورية فرنسا منذ أيار/ مايو عام 2012، بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية أمام نيكولا ساركوزي، حيث حصل على 51.64%، بينما تحصل منافسه ساركوزي على 48.36%.

أمضى هولاند طفولته في مدينة سكنية بالقرب من روان، و درس في مدرسة داخلية (جان بابتيست دي لا سال) في روان، ودرس بعدها في المدرسة الثانوية "باستور في نويي سورسين"، وحصل فيما بعد على شهادة في القانون قبل أن يصبح طالبا في معهد الدراسات السياسية بباريس. وتخرج من المدرسة الوطنية للإدارة عام 1980.

في أواخر سبعينيات القرن الماضي، التقى سيغولين رويال مرشحة "الحزب الاشتراكي" للرئاسة عام 2007، وأنجبا أربعة أولاد قبل أن ينفصلا مساء يوم الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية التي شاركت فيها رويال.

 بعد تطوعه كتلميذ في العمل في الحملة الانتخابية الرئاسية غير الناجحة لفرنسوا ميتران عام 1974 قرر هولاند الانضمام إلى " الحزب الاشتراكي". وفي فترة مبكرة أثار إعجاب جاك أتالي كبير مستشاري ميتران، الذي رتب دخوله انتخابات الجمعية الوطنية الفرنسية عام 1981 ضد جاك شيراك الذي كان في ذلك الوقت زعيما لـ"التجمع من أجل الجمهورية".

ومع أن هولاند خسر في الشوط الأول من الانتخابات لصالح شيراك، إلا إنه استكمل نشاطه السياسي حتى أصبح المستشار الخاص للرئيس ميتران والسكرتير الأول لـ"الحزب الاشتراكي" خلال الفترة ما بين عامي 1997و2008، وتمكن من الحصول على مقعد في البرلمان الفرنسي ما بين عامي 1988 و1993، ثم من عام 2007 وحتى عام 2012، عن منطقة الكوريز. وتولى أيضا منصب رئيس بلدية تول، خلال الفترة ما بين عامي 2001 و2008.

استطاع من خلال فوزه في الانتخابات التمهيدية لـ"الحزب الاشتراكي" أن يصبح مرشح الحزب الرئيس للانتخابات الرئاسية عام 2012، التي فاز فيها بعد حملة انتخابية منهكة ضد ساركوزي.

وقال بعد إعلان فوزه مباشرة، إن التغيير بدأ الآن، واعتبر فوزه ممهدا لحركة صاعدة بأوروبا، في إشارة إلى تحول محتمل باتجاه اليسار، لكن الأحداث الأخيرة تشير إلى توجه البوصلة رغما عنه نحو اليمين.

انخفضت شعبيته منذ أيلول/ سبتمبر الماضي إلى مستوى قياسي بلغ 13%، من قبل الناخبين الذين يشعرون بالإحباط من أدائه على الصعيد الاقتصادي، ومن البطالة التي اقتربت من الوصول إلى نسبة قياسية زادت على 10%، ليصبح بذلك الرئيس الفرنسي الأقل شعبية منذ الحرب العالمية الثانية، وفق ما أظهر استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة "تي إن إس- سوفريه".

ومما قيل في سيرة هولاند، أن انتماء والديه إلى اتجاهين سياسيين مختلفين (يمين ويسار) دفعه بعد انتخابه رئيسا، إلى محاولة توحيد الفرنسيين بعدما بدا أنهم انقسموا انقساما حادا في انتخابات 2012، وهو انقسام عاد ليلقي بظلاله مجددا على فرنسا بعد أحداث صحيفة "شارلي إيبدو".

شغل هولاند منصب الأمين العام لحزبه طوال عشر سنوات متتالية، ومن ثم رئاسة الجمهورية بفضل اعتداله، ومكنته استقلاليته وعدم تبعيته لأي من الزعامات، وامتناعه عن قيادة أي تيار، من الإمساك بالحزب والحفاظ على التوازن بين المتنافسين على بلوغ قصر الإليزيه، ملتزما دوما بعدم الإفصاح عن رأيه الشخصي مع قدر واف من الشفافية، إلى درجة أن الجميع اعتقدوا أثناء حملته الانتخابية الرئاسية أنه رجل معتدل، وسوف يعرف كيف يحيط نفسه بشخصيات من ذوي الخبرة، غير أن ناخبيه كانوا أول المحبطين.

فقد تكشفت حقيقة هولاند بعد ولوجه قصر الإليزيه، ووضع حفل تنصيبه تحت رعاية جول فيري، منظر الاستعمار.

وربما هذا ما دفع الكاتب الفرنسي تييري ميسان رئيس ومؤسس شبكة "Réseau Voltaire" إلى وصف هولاند بـ"الصهيوني دائما وأبدا"، بحسب ميسان.

وكان صدى تعبير ميسان يصل إلى مسامع الصحافي البريطاني ديفيد هيرست الذي قال إنه "من المحزن أن فرانسوا هولاند يقف بحزم إلى جانب الدكتاتورية العربية".

يقف هولاند مدافعا ومتحالفا مع أنظمة عربية معادية للديمقراطية ولقيم المجتمع الحر وحرية التعبير التي مثلت الثيمة والقيمة أو الركن الأساسي الذي قامت عليه الجمهورية الفرنسية. كما أن فرنسا في عهده توسعت في تدخلها العسكري المباشر في أفريقا والدول العربية.

هل ما يشهده قصر الإليزيه ولادة جديدة مجهضة ومبسترة لبطرس الناسك الذي زار القدس قبل نحو تسعمائة عام، وبدلا من أن يعود إلى روما بروح مفعمة بالغبطة والسرور لقيامه بواجب ديني، أصبح مبشرا لفكرة طرد العرب من الأراضي المقدسة، ومدفوعا بحماس ديني سار مع نحو ثلاثمائة ألف مقاتل تحت إمرته إلى الشرق فاستولوا على القدس؟!

حرب تغذي أخرى؛ هذا هو حال فرنسا في عهده، لكنها هذه المرة وصلت إلى الفناء أو الحديقة الخلفية للبيت الأوروبي عبر فرنسا ربما!