مقالات مختارة

الطاغية الصغير وعقدة الخوف من الشعب

1300x600
كتبت هيفاء زنكنة: لعل نوري المالكي، رئيس وزراء العراق، هو أحد الساسة العرب القلائل، الذين صعدوا إلى منصة الحكم بسرعة كبيرة، ليصبح وجودهم مقترنا، خلال فترة قياسية، بالخراب الشامل للبلد. فالمعروف عن ساسة المنطقة، إن معظمهم مر بفترة ثورية من نوع ما، خاصة حكام مرحلة ما بعد التحرر من الاستعمار.

إذ شهدت الفترة، تطورا عمرانيا وانجازات في مجالات التعليم والصحة وتأسيس الدولة وتقديم الخدمات لشعوبهم، قبل أن تكمل دورة استحالة الحاكم لينشغل بالقمع السياسي وفوبيا الخوف من الآخر. وأعني بذلك الخوف من القوى الخارجية (حقيقية كانت او وهمية) وأبناء الشعب في آن واحد. أما المالكي، فتدل معطيات سنوات حكمه، بأنه أحرق المرحلة الأولى، فلا إنجاز ولا خدمة، ليتسلق سلم الحكم، ركضا، متحولا من شخص مغمور، لم يسمع به الشعب العراقي قبل عودته مع الغزاة، إلى رئيس للوزراء، متكئا أثناء تسلقه على عكازين، أحدهما أمريكي والآخر إيراني. 

في ظل حكومته، شهد العراق الكارثة تلو الكارثة، سواء في فترة وجود قوات الاحتلال مباشرة أو إثر انسحابها الجزئي. واذا كان من الصعب القاء اللوم على سياسي واحد بمفرده، خاصة أن عملية الاحتلال السياسية، كانت قد أسست وبنيت على مشاركة احزاب وساسة آخرين، أكلوا من ذات الصحن الطائفي والعرقي الفاسد بذات الشراهة، إلا أن المسؤولية الأولى والأخيرة، تقع كما هو متعارف عليه، في جميع أنحاء العالم، على الأشخاص الأعلى منصبا في سلم التراتبية الحكومية لأي بلد كان. وغالبا ما يتحمل رئيس الحكومة، على الأقل في الدول ذات النظم الديمقراطية، المسؤولية كاملة في حال حدوث خطأ أو خرق أمني أو انتهاك لحقوق المواطنين. فإما أن يبادر إلى إقالة الشخص المسؤول مباشرة وإجراء تحقيق فوري تعلن نتائجه أمام الشعب، أو يستقيل وحكومته اعترافا بفشله وعدم قدرته على أداء واجبه الذي انتخب من أجله. 

غير أن ما يبدو بديهيا في الدول الديمقراطية، يتخذ شكلا مختلفا في 'العراق الديمقراطي الجديد'، إذ لم يحدث اطلاقا، أن اعترف نوري المالكي بأي خطأ كان خلال السبع سنوات الأخيرة، على الرغم من كثرة الانتهاكات والجرائم بانواعها، بل اصبح المالكي، بحكم منصبه وقواته الخاصة معصوما من الخطأ. كما أصبح بحكم تمارين الكذب اليومية، استاذا في التضليل وإلقاء اللوم على الآخرين وإطلاق تصريحات الاتهام والتهديد والوعيد. ليكون بذلك الفائز الأول على شركائه في العملية السياسية، من البارزاني والجعفري إلى علاوي والصدر والهاشمي (المطرود والمطارد حاليا). 

لجرد مرات التهديد والوعيد المالكية، قمت بطبع 'المالكي يهدد' على آلة البحث غوغل في الإنترنت، فكانت النتيجة مذهلة، 7 ملايين و700 الف مرة، هدد فيها المالكي جهة أو شخصا ما! وحتى لو افترضنا وجود تكرار في عدد المرات عندما ينقل الخبر، وقمنا باختزال العدد الى الواحد بالمئة او الواحد بالألف حتى الواحد بالعشرة الآف، فان العدد المختزل سيبقى كبيرا، بكل المقاييس السياسية. إنه رقم يشير إلى إصابة الرجل إما بالضعف الداخلي والشك بكل من حوله، أو أنه يطمح إلى أن يكون طاغية كبيرا. أقل ما يقال عن اعراضه، انها تستحق النظر، لا لكونه إنسانا عاديا بل لكونه يحتل العديد من أعلى المناصب، إنها محاولة لفهم نوعية الحكام الذين ابتلينا بهم سابقا ومن سنبتلي بهم لاحقا اذا ما استمر الحال على ما عليه الآن.

الملاحظ في تهديدات المالكي أنه يطلقها يمينا ويسارا، ولا يسلم حلفاء الأمس أو اليوم من تهديداته، فالمهم لديه هو 'الأنا'. انها تهديدات تصيب برشاشها كل من يخالفه الرأي أو يتهيأ له انه قد يشكل خطرا عليه. ويتقلب بينها، كما وصف المفكر الالماني غوته افعال بعض السياسيين، من جهة إلى أخرى، كالمريض المصاب بالأرق، معتقدا أنه قد يكون مرتاحا أكثر. 

من بين كشكول التهديدات اليومية التي يطلقها، لنقرأ: 'المالكي يهدد رئيس الوقف السني السامرائي بالإقالة من منصبه' في 28 شباط/ فبراير 2013، 'المالكي يهدد بمقاضاة مسؤولين عراقيين قال إنهم أثاروا مؤخراً أحاديث طائفية في الإعلام، واتهمهم بالتسبب في انفجارات ببغداد'، في 23 فبراير 2013، 'المالكي: يهدد بالقضاء ضد مثيري (الطائفية والفتنة) وضد مهددي (السلم الأهلي العراقي)'، و'المالكي يهدد بملفات 'تسقط الكثيرين' في 2013/01/25، و'المالكي يهدد باتفاقية أمنية مع طهران إذا لم توقف واشنطن القصف التركي' في 3 تشرين الاول / اكتوبر 2012. 

أما تهديدات المالكي للمتظاهرين والمعتصمين في العديد من المحافظات والمدن، فانها تحتل مساحة كبيرة من خطبه، بحيث تمنح المستمع إليه الانطباع بأن الرجل مصاب بهاجس مرضي يدعى 'المتظاهرون والاجندات الخارجية'، ولا علاج للمرض غير التخلص منهم بكل الطرق المتاحة. ففي حوار خاص أجرته معه قناة البغدادية، قال مبررا موقف حكومته الرافض لتنفيذ مطالب المتظاهرين: 'إن الاجندات التي تقف خلف التظاهرات لا تريد استجابة الحكومة لطلبات المتظاهرين وتنفيذها، لكي لا يتم حل الازمة'، لافتا إلى أن 'بعض الواقفين خلف التظاهرات يريدون منا تسليم السلطة والذهاب إلى السجون ولا يرضون بغير ذلك'. 

ولا يقتصر هاجس التشكيك المتضخم لدى المالكي على المتظاهرين فقط، بل يمتد ليشمل زملاءه في العملية السياسية ومجلس النواب، الذي اتهمه المالكي بانه 'يضمر العداء للحكومة، فضلا عن محاولته تعطيل عملها من خلال تشريع القوانين بعيدا عن مشورتها'. ويبدو ان عمل مجلس النواب الرئيسي، حسب المالكي هو: 'افشال عمل الحكومة واتهامها بالتقصير'. والأدهى من ذلك كله ان المالكي يتهم البرلمان بالارهاب، لأنه: 'يسعى عكس دول العالم الى عدم مكافحة الارهاب'. وهي حالة فريدة من نوعها، ان يقوم رئيس حكومة ما باتهام مجلس النواب، المنتخب مثله افتراضا من قبل الشعب، بالإرهاب. فإذا كان المتظاهرون متهمين بالإرهاب، وشركاء العملية السياسية والبرلمان كذلك، فمن هو غير الإرهابي بتعريف المالكي؟ هل هم أعضاء حزبه فقط؟ 

والمفارقة أن المالكي لا يفصح، عادة، عن كيفية تنفيذه لتهديداته، بل يبقيها، معلقة في الهواء، أو الأصح أنه نفسه لا يعرف كيف ينفذها، على الأقل بالنسبة إلى شركائه في العملية السياسية. ففي الثاني من كانون الاول/ ديسمبر 2012 هدد المالكي البرلمانيين بانه سيتخذ 'إجراءات لم يسبق أن اتخذتها من قبل في حال سحب الثقة مني'. 

إن تهديدات المالكي للمحيطين به، كما يؤكد العديد من المحللين السياسيين، سببها شعوره الدائم بعدم الأمان وانه محاط بالاعداء المتربصين به، ومحاولته تقديم صورة الرجل المضحي والمواصل لاداء عمله 'رغم تشكيك المشككين وتهديدات الإرهابيين'، كما يكرر دائما. 

لكن ما لا يعترف به المالكي هو أن مصدر خوفه الحقيقي ليس شركاءه في العملية السياسية، سواء كانوا سنة أو شيعة، عربا أو كردا، بل هم أبناء الشعب، عموما، الذين أذاقهم وحكومته وشركاؤه الأمرين واستهان بوجودهم وقدرتهم على نفض غبار الطغيان.



(صحيفة القدس العربي)