كتاب عربي 21

"عودة مرسي".. وعودة الشيخ إلى صباه!

1300x600
بدت قضية "عودة الرئيس" محمد مرسي للحكم، كما لو كانت هي "العقدة" التي وضعت في "المنشار"، لتحول دون "وحدة الثوار"، لانتصار الثورة، وإسقاط حكم العسكر!.

البعض يستخدم مطلب عودة الرئيس الشرعي لمنصبه، أداة للسخرية من هؤلاء الذين يحلمون في يقظتهم، بهذا المستحيل، الذي يشبه حلم عودة الشيخ إلى صباه. فعلى أنصار الشرعية أن ينسوا تماماً عودة مرسي، التي لن تحدث أبداً، حتى يلج الجمل في سم الخياط، لأنهم في مطلبهم كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه، وما هو ببالغه.

ونحن على البر، أود أن أذكر، حتى لا يظن أحد، أنه قد جرى لي تحول في الموقف، نتج عنه موقفي الجديد الذي أعلنته منذ اللحظة الأولى للانقلاب العسكري، بأن الرئيس محمد مرسي هو "عنوان الشرعية"، وأن كسر الانقلاب يعني عندي هو عودة الرئيس المنتخب، إلى قصره، وطرد المغتصب منه.

لقد كنت قبل الانقلاب العسكري، معارضا للرئيس محمد مرسي، الذي كنت أراه فاشلاً، وأن خياراته في الحكم ليست على المستوى المطلوب بعد ثورة عظيمة، وكان كلامي الذي كررته أكثر من مرة في مقالاتي ومشاركاتي التلفزيونية تلخصه هذه العبارة: "كان الثوار أمة واحدة، ثم كان طمع الإخوان في السلطة، فبدد الشمل"، ثم أن الحكم الإخوانى لم يكن حاسماً في مواجهة فساد الدولة العميقة، فلم يكن لديه ما يمنع من التعايش معها، في الوقت الذي أغلق فيه الباب في وجه شركاء الثورة، بل أغلق باب الرئاسة المصرية، في وجه من كان قريباً من الثوار، وهو الدكتور محمد البلتاجي، الذي اتفق مع هؤلاء في جولة الإعادة، بأن الحكم سيكون مشاركة لا مغالبة، وجرى التعامل مع الرجل على أنه من غرر بهم باتفاقات لم تنفذ، ولم يكونوا يعلمون أنه جرى إقصاؤه من المشهد، لصالح "الوافدين الجدد"، حسداً من عند أنفسهم.

لقد اختلط الخاص بالعام، بعد قرار تجميد عضويتي في المجلس الأعلى للصحافة، "قوة واقتداراً"، انتقاماً لكتابات سابقة ضد الجماعة، وضد بعض الأشخاص فيها، لكن عندما كانت الدعوة لمظاهرات 30 يونيو "سيئة الصيت"، فقد وقفت في وجه الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة، وكان قولي أن الرئيس له في "ذمتنا" دورة كاملة غير منقوصة، احتراماً للمبادئ الديمقراطية، ولإرادة الجماهير التي اختارته لدورة، هي أربع سنوات.

وعندما كان أصدقائي من الداعين للانتخابات الرئاسية المبكرة، يقولون وهل نترك مرسي يخرب البلد بفشله ثلاث سنوات؟، كان رأيي، أن على القوى المدنية أن تحتشد للانتخابات البرلمانية، لتحصل على الأغلبية، وتشكل الحكومة، ولأن الدستور أعطي البرلمان سلطة تعديل الدستور، فإننا بهذه الأغلبية يمكننا أن نقلص من صلاحيات رئيس الجمهورية، على نحو لا يمكنه من خرابه، فلا يكون له من عمل يؤديه بعد تقليصها إلا أن يقضي وقته في مشاهدة "روتانا سينما".

كانت المعارضة ترى في دعوتها لانتخابات رئاسية مبكرة، أن الشعب عدل عن تأييده لمرسي، ومن ثم فقد أصوات الناس، وكدت أركن إليهم في هذا الاعتقاد، الذي تبين لهم أنه ليس صحيحاً بعد الاستفتاء على الدستور، وكانت النسبة هي 60 لصالح الإسلاميين، و40 لصالح خصومهم، والدليل على أن اليقين الذي تملكهم من أن الرئيس لا يزال يتمتع بشعبيته، أنهم في الدعوة لمظاهرات 30 يونيو حددوا مطلبهم منذ البداية، بالتخلص من الرئيس بعيداً عن صندوق الانتخاب، فاستمارة "تمرد" حددت الأهداف بالانقلاب على المسار الديمقراطي، بتعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا رئيساً، وعزل الدكتور محمد مرسي، ولو كانوا صادقين، لكان المطلب هو حمله على انتخابات رئاسية مبكرة!.

سيقولون إن استمارة "تمرد" كانت تقف وراءها أجهزة أمنية بعينها، وسنرد بأن المشهد كله كان في قبضة هذه الأجهزة، التي تعمل لصالح "دولة مبارك"، ورأت أنه قد آن الأوان لعودة حكمه، وبالغطاء المدني للانقلاب العسكري، وبالغطاء الثوري للثورة المضادة. والذين كانوا بعيداً عن هذه الأجهزة، "تابوا من قريب". صحيح أن كثيرين منهم لايزالون علي موقفهم الرافض للإخوان، لكنهم الآن هم ضد حكم السيسي وعادوا ضد حكم العسكر.

موقفي المطالب بعودة الرئيس محمد مرسي، باعتباره عنوان الشرعية، يتماهى تماماً مع موقفي القديم إذا، برفضي للانتخابات الرئاسية المبكرة، وكان رأيي ولا يزال أن الديمقراطية فيها حل لكل مشاكلها، وكان عندي الحل في مواجهة فشل الرئيس، وتعالي جماعته على "شركاء الثورة"، بعد أن أعجبتهم كثرتهم، وألهاهم التكاثر، ولو بالمعارضة المنظمة.

بيد أن الأيام أثبتت أن الرجل لم يكن فاشلاً كما اعتقدنا، ربما لم يكن حاسماً في مواجهة السفلة ممن ينتمون للدولة القديمة، لغبش في الرؤية كان سبباً في خلطه بين دور الداعية والواعظ ودور رئيس الدولة، فما يقبله الداعية، بالإعراض عن الجاهلين وتحمل الإيذاء، لا يقبله موقع رئيس الدولة، الذي كان سبباً في انتقال أبي بكر الصديق من اللين الذي اشتهر به، إلى الحسم الذي فاجأ به عمر بن الخطاب، وهو التحول الذي كان سبباً في الحفاظ على الدولة، وكسر شوكة الخارجين عليها. مع أن الرد في حالة مرسي كان يمكن أن يكون في إطار القانون، ولا يغادر مجاله العام قيد أنملة.

لقد تبين الآن أن مرسي لم يكن بالفشل الذي تصورناه، بعد أن شاهدنا الفشل وقد تمثل بشرا. كان مرسي يحلم بدولة تمتلك غذاءها، وسلاحها، ودواءها، وبشعب حقوقه مصانة، ربما لأن عينه كانت على الشعب المصري صاحب الإرادة، في حين أن من جاء مكانه بقوة السلاح، ولأنه يستمد شرعيته من خارج الحدود، فقد رهن مصر لإسرائيل، فلا ينتفض فيه عرق، عندما يقول أحد قادة الكيان الصهيوني إن مصر ضمن المحور الإسرائيلي في المنطقة، وأن بينهم تفاهمات على نحو فاق ما كان موجوداً في عهد مبارك. ثم إذا به نفسه يعترف بالمهمة والدور، فيقول أن الإرهاب الموجود في سيناء، سيؤثر بالسلب على اتفاقية السلام مع إسرائيل!

كانت الدولة العميقة تعمل على إفشال الرئيس، ولا أعفيه من مسؤولية التقصير في المواجهة، والعجز عن الوقوف على مخططاتها، لكن يشفع له أن كان بالرغم من كل هذا يعمل على النهوض والنجاح، في حين من احتشدت الدولة القديمة لإنجاحه، يؤكد في كل يوم فشله، وفي كل الملفات وعلى كافة الأصعدة.

لا أخفي أنني الآن عندما أسمع مواقف للدكتور محمد مرسي، وأجزاء من خطبه، أندهش لأننا مررنا بهذه المرحلة؛ من علو الأهداف، ونبل الطموح، وأننا عشنا هذه الأيام. وربما كان سبب عدم انتباهنا لها في حينه، أننا تعاملنا مع ذلك على انه أمر عادي، لمصر بعد ثورة عظيمة، وانتباهنا الآن مرده إلى أن الضد يظهر حسنه الضد، ولا يعرف قيمة أمه، إلا من يتعامل مع زوجة أبيه.

العائدون بعد تأييدهم للانقلاب العسكري، وبدلاً من أن يشعروا بالذنب، يريدون أن يُشعروا الآخرين به لأنهم في تمسكهم بعودة الرئيس محمد مرسي، يتسببون في عدم عودة وحدة الثوار، ومن ثم يتأخر النصر، ليكون المطلوب من الإخوان أن يضحوا بما في ايديهم بحثاً عما في جيوبهم، وفي النهاية لن تحدث هذه الوحدة، إلا عندما تتحقق قدرة القوى الموالية للشرعية على كسر الانقلاب، عندها ستكون الهرولة، بحثاً عن سفر قاصد، وعرض قريب.

لو اتبعت القوى الموالية للشرعية أهواء هؤلاء، لتم تجريدها من كل عوامل قوتها، ولخسرت ظهيرها الشعبي، ولن يرضى عنهم هذا الصنف من القوى الثورية. فاليوم التخلي عن مرسي، وغدا عن شعار رابعة، وبعده عن حقوق الشهداء، باعتبار أن من سقطوا في المجازر التي تسببت فيها ثورتهم الباسلة في 30 يونيو، عندما كانوا شركاء للقاتل، ليسوا بشهداء!.

القصة وما فيها أن هؤلاء المطالبين بالتخلي عن الرئيس مرسي لعودة وحدة الثوار.. وحدة لا يغلبها غلاب، يضعون المبررات لعجزهم عن المواجهة، لأنه عندما ذهبت السكرة وحلت الفكرة، واكتشفوا انهم مارسوا الفاحشة السياسية، بالتحالف مع دولة مبارك، نكاية في الإخوان، وأن الحكم الآن هو حكم عسكري عضوض، اكتشفوا أنهم اعجز من أن يواجهوه، وهو الذي لا يعرف سوى القتل والسجن، فكانت هذه المبررات، ليجدوا لأنفسهم المبرر ليقعدوا مع القاعدين.

قبل أيام دار حوار بيني وبين صديق من المنحازين للدكتور محمد البرادعي، قلت له وقد تبين لكم أن هذا حكم عسكري ضد ثورة يناير وأهدافها، لماذا لا تقنعون زعيمكم بالعودة، والنضال ضده، قال إن المشكلة في الإخوان، فلن يقتنعوا بهذا الطرح!.

قلت له: دعكم من الإخوان، فهم لهم خيارهم الذي لن يتنازلوا عنه، وليكن لكم أنتم خياركم، فكونوا ضدهم، واحتشدوا في مواجهة حكم العسكر، وليحتشد غيركم ممن يرفضون البرادعي ومرسي بزعامتهم، وتأتي كل أمة بإمامها، وقد يلتقي الجميع في طريق النضال على كلمة سواء، وقد يتفقون على حل وسط، وقد لا يتفقون ويكون الحكم للشعب صاحب السيادة.

بيد أن البعض يتعاملون على قاعدة البحث عن الذرائع للقعود، كالذين قالوا من قبل "إن بيوتنا عورة".

ما علينا، فالسخرية من عودة مرسي، باعتبارها تشبه حلم عودة الشيخ إلى صباه، هو سلوك أقرب لكيد النساء، فقد يكون هذا مطلباً مجنوناً، لكن من قال لكم إن الثورات عاقلة في أهدافها ومطالبها؟.

من كان يظن أن ملكا كالملك فاروق يمكن أن يغادر الحكم والبلاد بسهولة ويسر؟

ومن كان يظن أن مبارك بكل جبروته، وامتلاكه للقوة وقدرته على ممارسة البطش، يمكن أن يسقط؟

ومن كان يظن والثورة تنتصر أن أحمد عز يمكن أن يعود، وقد أعادته الثورة المضادة؟

ومن كان يظن قبل 30 يونيه أن مصر يمكن أن تعود مرة أخرى للاستبداد والتعذيب والتنكيل؟!

ويا معشر العقلاء، احلموا أنتم في حدود ما تسمح به عقولكم المتزنة، ودعوا المجانين يحلمون على طريقتهم.